هذه ثوابتنا

إن التطورات الأخيرة في المنطقة العربية والإسلامية، وتوالي الآلام والجراحات، وخاصة في بيت المقدس بوابة السماء, إلى حد تعدت فيه وصف الخطورة, إذ وصلنا إلى ما بعد “الخطر” الذي صدح به أهل القدس منذ سنوات.

إن التطورات الأخيرة في المنطقة العربية والإسلامية، وتوالي الآلام والجراحات، وخاصة في بيت المقدس بوابة السماء, إلى حد تعدت فيه وصف الخطورة, إذ وصلنا إلى ما بعد “الخطر” الذي صدح به أهل القدس منذ سنوات.

نجد أنفسنا الآن أمام خطوات التنفيذ الواقعي لمخططات ومؤامرات حيكت من الداخل والخارج منذ عقود للسيطرة على المسجد الأقصى, انطلاقاً من مقولة “من يملك القدس يملك العالم”, وتقسيمه زمانياً ومكانياً في الخطوة الأخيرة الممهدة لهدمه وبناء الهيكل الخرافي المزعوم، لقيام ما يسمى زوراً بدولة “إسرائيل”.

فتأكيداً على الثوابت العقدية والأساسيات الشرعية المتعلقة بالمسجد الأقصى المبارك والقدس، فعلينا إبراء ذمتنا والقيام بواجبنا المنوط بنا تجاه مقدساتنا, خصوصاً في ظل المؤامرة العالمية على الإسلام والمسلمين.

 

هذه الثوابت المتعلقة بالمسجد الأقصى تبين لكل غيور على دينه أن يكون على بصيرة من حكم الله تعالى فيما يتعلق بواجبه تجاه هذه القضية المحورية والجوهرية.

أولاً: أن المسجد الأقصى هو واحد من أقدس مقدسات المسلمين, جعله الله تعالى للمسلمين قبلة أولى, وزاده شرفاً رحلة النبي الكريم إليه, فأسري به إليه من مكة المكرمة, ومنه عرج به إلى السماوات العلا, وهو ثاني مسجد وضع في الأرض، وبينه وبين بناء الكعبة المشرفة أربعون سنة, وهو ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال, وهو محور ومنبع البركة لما حوله من الأرض, كما في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {1}) (الإسراء)، وبيت المقدس أرض المحشر والمنشر، وعقر ومنبع الإسلام, وهو الأرض المباركة كما وصفها الله تعالى في كتابه الكريم, والمقيم والمحتسب فيها كالمجاهد في سبيل الله, وفيها الطائفة والثلة الربانية المنصورة الثابتة على الحق إلى يوم القيامة, وقد دلت الأحاديث الصحيحة على ذلك كله وعلى غيره من مناقب وخصائص ومميزات هذه الأرض في عقيدة المسلمين.

ثانياً: المسجد الأقصى هو كل ما دار عليه السور الواسع, المعروف بـ”الحرم” وكل ما في الداخل من مصاطب وأبنية ومساجد وقباب وساحات وبوائك وأبواب ومدارس وسبل ماء وآبار وغيرها لأكثر من مائتي معلم, البالغ مساحته “مائة وأربعة وأربعين ألف متر مربع”، بما في ذلك مربط دابة رسولنا الكريم “حائط البراق”، فاقتحام ساحاته اقتحام لقلب المسجد الأقصى, والاعتداء على أبوابه وأسواره هو اعتداء على المسجد نفسه.

ثالثاً: المسجد الأقصى هو مقدس خالص خاص للمسلمين, لا يقبل القسمة لا زماناً ولا مكاناً, ولا حق لأحد فيه, ورحم الله السلطان العثماني عبدالحميد الثاني حين عرض عليه اليهود شراء أرض من أراضي بيت المقدس فطردهم شر طرده، حيث سطر التاريخ تلك اللحظة التي تمتلئ كرامة وعزة، وكل ما يزعمه الصهاينة من أحقيتهم في القدس وفلسطين اختلاق لقصص مكذوبة, وتزوير للتاريخ, وافتراء على دين الله وأنبيائه ورسالاته على الحقيقة.

رابعاً: إن قضية بيت المقدس والمسجد الأقصى ليست قضية فلسطينية وطنية, ولا عربية قومية, بل هي قضية عقائدية إسلامية تخص كل مسلم على وجه المعمورة, بحكم دينه وعقيدته, لا بحكم نسبه ووطنه وقوميته، فالقدس أمانة ربانية, آية قرآنية, وصية نبوية, عهدة عمرية، ووثبة صلاحية, وعليه فكل مسلم مسؤول تجاه بيت المقدس والمسجد الأقصى, بالدفاع عنه, والجهاد في سبيل الله لتطهيره وتحريره من أنجاس اليهود الصهاينة المغتصبين.

خامساً: إن الدفاع والذود عن المسجد الأقصى المبارك في وجه المؤامرة الهمجية العالمية لتهويده حجراً وبشراً هو واجب عيني, لا شك في ذلك, بل هو من أعظم الواجبات المنوطة بكل قادر على حسب استطاعته, وأعظم الناس مسؤولية في ذلك:

الحكام والسياسيون والعلماء والمفكرون, كما جاء في الحديث النبوي الشريف: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته, فالإمام راع ومسؤول عن رعيته.. وكلكم راع ومسؤول عن رعيته”.

وآلية الدفاع عن المسجد الأقصى لها أشكال متنوعة وصور متعددة, بدءاً بالجهاد والمواجهة المسلحة المباشرة على الأرض, ومروراً بالمقاومة السياسية والإعلامية والاقتصادية والثقافية والتوعوية ضد المشروع الصهيوني وعدم الاعتراف بشرعيته, وانتهاءً ببذل المال ودعم صمود ورباط أهل القدس, ودعم المشروعات التي تؤدي لتحقيق ذلك الغرض.

سادساً: إن تخاذل أي جهة كانت عن القيام بواجبه نحو بيت المقدس والمسجد الأقصى ليس مسوغاً لتخاذل الآخرين, فإذا تخاذل الحكام والسياسيون والعلماء, وجب على الشعوب أن تقوم بواجب النصرة, وإذا تخاذلت بعض الشعوب وجب على الأخرى أن تقوم بما يجب.

سابعاً: التنازل عن شبر واحد من أرض المسلمين, فضلاً عن المسجد الأقصى جرم عظيم, وخيانة عظمى لله ولرسوله وللمؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {27}) (الأنفال).

وللخيانة أشكال متعددة ومتنوعة، منها: التفاوض على المسجد الأقصى, أو غض الطرف عن ممارسات الصهاينة واعتداءاتهم اليومية باقتحامه وتدنيسه، أو التطبيع مع الكيان الغاصب بأي صورة من صوره المباشرة وغير المباشرة؛ فإن التطبيع صورة جلية من صور الاعتراف بشرعية المحتل، فاستمرار حالة العداء مع المحتل الصهيوني مقصد شرعي جليل ينبغي تحريه ومراعاته.

ثامناً: إن قضية بيت المقدس والمسجد الأقصى هي قضية محورية لدى المسلمين, ويجب أن تتصدر أولوياتهم وتكون شغلهم الشاغل, وألا تصرفهم الصوارف عن إعطاء هذه القضية حقها, خصوصاً وأن مشكلات المسلمين الكبرى في المنطقة ما هي إلا انعكاس عن مشكلتهم في فلسطين وفي بيت المقدس والمسجد الأقصى بوجود هذا الكيان المسخ

 

في قلب أمتنا الإسلامية والعربية, وهو السبب الرئيس في تحريك الفتن وقهر الشعوب والانقلاب على إرادتها المتطلعة إلى تحرير القدس وتطهير المسرى.

تاسعاً: إن تحرير بيت المقدس لهو شرف عظيم للجيل الذي سيوفقه الله تعالى إليه, ولن يتأتى إلا بالعود الحميد إلى كتاب الله تعالى وسُنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – منهاجاً ودستور حياة, فإن فيه المخرج من مضائق الكربات, والنجاة من خطير المهلكات.

عاشراً: إن هزيمة المشروع الصهيوني في بيت المقدس وفلسطين ليس في حيز الممكن فحسب, بل إنه وعد الله الذي لا يخلف الميعاد, وهو مقتضى سُننه تعالى في الكون, وإن النظر في التاريخ ليدل على هذه الحقيقة, وما هو إلا أن تعود الأمة إلى دينها ومنهاجها حتى تعود إليها كرامتها وعزتها وتعود إليها قدسها وأقصاها.

إن أي مشروعات وتطلعات للقضية المقدسية يجب أن تتضمن هذه الثوابت، وعلينا ألا نفرط بها؛ (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {21}) (يوسف).

 

(*) المنسق العام لرابطة شباب لأجل القدس العالمية

 

 

Exit mobile version