رداً على الكاتب المؤمن أبو الغيط

حسن القباني

حسن القباني

خط الكاتب المؤمن محمد أبو الغيط مقالاً مؤمناً مثله، في موقع “العربي الجديد”، تحت عنوان “بانتظار المصالحة مع الرئيس المؤمن صدقي صبحي”، يحتاج إلى رد وتمحيص وتوضيح وتهذيب وإصلاح، نسرده في هذه النقاط:

أولاً: الكاتب تحدث عن الماضي وبنى عليه الحاضر، وكأن الماضي هو من يقود الآن، وكأن عناصر الحاضر لم تستفد من الماضي، وكأنها لا تقود مشهداً مختلفاً مبدعاً بروح الشباب وحكمة الكبار وصمود النساء وعبقرية الأطفال وبطريقة جديدة.

ثانياً: الكاتب يتحدث عن زمن الثورة بمنطق زمن اللاثورة في الماضي الناصري الكريه، ويتحدث عن مناخ مغاير تماماً لم تنطلق فيه شرارة الثورات، ولم تدفع فيه التضحيات الجسام، ولا يقارن عاقل بين تضحيات الشعب المصري وفي مقدمته الإخوان الآن بما حدث أيام “عبدالناصر”، فشتان بين الجرائم، فالأنكى والأشد الآن.

ثالثاً: الكاتب يتحدث عن الواقع بوعي مصري محدود ومستحدث عن ماهية الثورات، لا بوعي عالمي يفقه تجارب الثورات، ويقدر مناخها، ومددها وتراكمياتها، وإجراءاتها، ويسقط من ماضٍ على حاضر مختلف لاستنتاج مستقبل خاطئ.

رابعاً: هناك قصور واضح لدى الكاتب في فقه النصر، فالنصر نصران؛ شخصي بالثبات على الحق ودعمه ونصرته، وعام بانتصارات جزئية تراكمية أساسها الفرد، كما أن هناك فرقاً بين النصر الأخلاقي وبين النصر الميداني، وقد حققنا الأول عندما تمسكنا بالمبادئ ورفضنا الانقلاب وأكملنا الثورة، ومازلنا في طريق تحقيق الثاني عندما تفرض كلمة الثوار، وتحكم سلطة جماهير الثورة، ويبقى النصر من عند الله.

خامساً: الذي يريد أن يتعامل مع التاريخ الإسلامي على أنه تاريخ رسل من السماء، وملائكة لا تخطئ، فيتأتي لنا بتاريخ إنساني مماثل خالٍ من الأخطاء، ولكن نحسب أن تاريخنا الإسلامي كان فيه من الحضارة ما يجعل المرء يفتخر به وبرموزه، وأن ينتقده أشد انتقاد للاستفادة منه في الحاضر والمستقبل، وهذا توجيه نبوي واضح.

سادساً: موضوع “السادات” والإخوان، وطرحه بعيداً عن سياقه ومناخه وأوضاع مصر والخيارات المطروحة وإجراءات الأحزاب السياسية الموجودة وقراءة الواقع، طرح مخل ومشين وخليط من التحريف يشين الكاتب.

“السادات” أعلن عن تبني سياسة مصالحة مع القوى السياسية المصرية، وأعلن إغلاق السجون والمعتقلات التي أنشئت في عهد “جمال عبدالناصر” وإجراء إصلاحات سياسية، وهو ما بعث بالطمأنينة في نفوس الإخوان وغيرهم من القوى السياسية المصرية، تعززت بعد حرب أكتوبر 1973م، حيث أعطى “السادات” لهم مساحة من الحرية لم تستمر طويلاً، وبعد تبنيه سياسات الانفتاح الاقتصادي، وبعد إبرامه معاهدة السلام مع العدو الصهيوني تصدى له الإخوان وغيرهم من القوى السياسية، فيما كان الرد منه اعتقال عدد كبير من الإخوان والقوى السياسية الأخرى فيما سُمي بـ”إجراءات التحفظ” في سبتمبر 1981م.

وموقف الإخوان من “السادات” كتب عنه القيادات باستفاضة، ولكن ما طرحه الكاتب للمفارقة وبالمصادفة، هو نفس ما تطرحه أفكار بعينها في منبر يدعي “الجهاد والتوحيد” بخلط وتخليط تحت عنوان “الحصاد المر.. الإخوان المسلمون في ستين عاماً”، هذه الأفكار التي لا ظهير لها الآن، ولا وجود واضحاً لها في جهاد دفع الظالم المنقلب وإنهاء حكم العسكر.

سابعاً: التاريخ كتاب مفتوح، ولم يخفِ الإخوان التاريخ عن أعضائهم، ولكن الكاتب قام بتخليط التاريخ في سياقات بعينها، بغية الحصول على إجابة طلبها قبل ذلك الكاتب الصحفي الأستاذ فهمي هويدي في مقاله “من يتجرع السم من أجل الوطن”، وهو ذات مراد الكاتب في مقاله في توقيت غير بريء، فهو يكتب من نفس المعين وبنفس التوجيهات وبنفس الانهزامية النفسية التي أحياناً تعمي بصر وبصيرة المحبطين والمستعجلين، ولنرجع على سبيل المثال إلى كتاب “مذابح الإخوان في سجون ناصر” للأستاذ المرحوم جابر رزق، وما كتب تحت عنوان “أكثر من مائتي قضية تعذيب أمام النيابة!”.

ثامناً: سقط الكاتب في التعميم والتدليس عندما قال: إن قادة الإخوان كانوا يفتخرون تاريخياً بأنهم لم يحاسبوا مرتكبي مذابح “عبدالناصر” ضدهم، واستحضار كلمتين من فيض أحاديث عدة، رغم أن الإخوان ليسوا فماً واحداً، وقدموا آلاف الدعاوى القضائية لملاحقة ما تم من جرائم، ومنها على ما نتذكر قضية ناجحة للأستاذ المرحوم علي نويتو، حصل من خلالها على حقوقه المهدرة في فترة “ناصر” الظالمة.

تاسعاً: الإخوان أصحاب مدرسة دعوية شاملة، ترى الإسلام منهاج حياة، ويتبعون سبله بفهم وإخلاص وجهاد وثبات وتضحية حتى الانتصار ولو تأخر، وسحق الكاتب لتاريخهم الجهادي البطل في الماضي ضد الإنجليز والصهاينة والاستخفاف بصمودهم أمام الطاغية، لن يغير من حقائق التاريخ الذي أكد أنهم أصحاب تاريخ لامع ومقاوم وهم أكثر حماسة وإقداماً من كل جيلهم بل وأجيالاً بعد جيلهم.

عاشراً: الكاتب ذاته سقط في الاتهام الذي رمى به الإخوان والإسلاميين عامة، وهو الميل إلى التبسيط والاختزال في كثير من فقرات المقال، وأضيف إلى ذلك التخليط والخلط لإسقاط سياقات بعينها على أفكار بعينها؛ بغرض الوصول إلى رجم الصنم، وهو إجراء معروف في استهداف الخصوم.

حادي عشر: الكاتب قال: إن الإخوان ارتكبوا “خطايا” – أي والله قال: خطايا – قبل الوصول إلى هذا المصير في الستينيات أو في عصرنا! أو النقطة اللاحقة: ما المسار الذي اتبعوه بعدها؟” أ.هـ، ثم قال: إن هذا أنتج جيلاً من الدراويش يديرون دولة بعقلية مسؤول الأسرة الإخوانية، ولم يحدثنا عن تلك الخطايا، هل الوقوف أمام استبداد “ناصر” وحكم العسكر الأمريكي منذ اللحظة الأولى أم الوقوف أمام الانقلاب العسكري على ثورة يناير ومكتسباتها الدستورية وأهدافها الشعبية الجامعة؟ ثم لم يحدثنا عن الأهبل الذي قال له: إن الإخوان كانوا دراويش، ولو كانوا كذلك لما استمروا عاماً في نزاع ومنازعة ليعلن خصمهم الانقلاب، وهم والإسلاميون في مربع الشرعية للمرة الأولى في تاريخهم وخصومهم في مربع الانقلاب والانحراف، وأتحدى الكاتب المؤمن أن يحدثني عن فصيل آخر غيرهم كان سيصمد في الحكم بعد نكبة الثورة المضادة في هزيمة “شفيق” لمدة أسبوع أو شهر أو 3 شهور، لنعرف من الأهبل ومن الدرويش الأرعن!

ثاني عشر: الكاتب أعاد إنتاج مقاطع الهبل وكسر الصورة الذهنية التي تجسدت للرئيس الصامد البطل “محمد مرسي”، باستحضار أمثلة بلهاء لا دليل عليها عن رؤية رئيس مختطف في محبسه عن وزير الدفاع المنقلب وسبب تسمية ديوان المظالم بذلك الاسم، في انعدام للفروسية في مواجهة شخص خلف الأسوار لا يملك الرد والتصحيح.

ثالث عشر: موضوع القدر والابتلاء عند الكاتب، يحتاج إلى إعادة تدقيق من جانبه، فهو يعتريه القصور في الفهمين الديني والإنساني، وبعيداً عن الفهم الديني، فاطلب من الكاتب أن يحضر لنا من تاريخ الثورات والنضالات الإنسانية، مسيحية أو شيوعية أو أي اتجاه، استمرارها بلا ثقافة امتحان ومحن، واللفظ يختلف من دين إلى دين ومن اتجاه إلى اتجاه، حتى يفهم مقصدي بالتطبيق على غير المسلمين، والله تعالى يقول: “ولقد خلقنا الإنسان في كبد”، والمحن ليست قدراً سياسياً بل قدراً اجتماعياً، يستشعره المرء في حياته الاجتماعية كذلك بل في سائر أوجه الحياة، ولكن يأتي الإيمان بالقدر خيره وشره عند الإخوان فيصبح سبة رغم أن الإخوان يعملون على رد القدر والقضاء بما أمر الله فيما أرى.

رابع عاشر: طرح الكاتب لمسار الإخوان ومستقبلهم عدة أطروحات قديمة لا جديد فيها، ولا أعرف؛ هل هو متابع لأدبيات الإخوان بعد الانقلاب وفي الشهور الأخيرة على وجه التحديد، ولرؤيتهم التي شاركوا فيها في تحالف دعم الشرعية وصدرت في نوفمبر 2013م وما لحقها من وثيقة ثورية صدرت في يناير 2014م، وبعد ذلك عليه أن يفهم أن الإخوان جزء من الثورة، وهو جزء مهم وأصيل ولكن ليس الثورة، فالثورة ثورة شعب، وقد أكدوا في بياناتهم الأخيرة على سبيل المثال وضوح رؤية لمسارهم الثوري، أما مسألة الخطط التفصيلية فهي مسألة عبثية فلا يجوز لثائر أن يعلن عن خطط تفصيلية، وإن كانوا أعلنوا ما يمكن إعلانه من اعتماد المسار الثوري مع الانقلاب والمسار السياسي التشاركي الثوري بعد سقوط الانقلاب، وللأسف الكاتب نسي أو تناسى ذلك ليثبت ما يريده فقط، في مناخ لن يسمح بإعادة الماضي الكريه بإذن الله عز وجل، ولن يقبل بـ”سادات” جديد، أو “مبارك” جديد، أو تنازل أي حقوق للشعب، وسيظل في طريقة مقاومة الباطل حتى الانتصار بكل السبل المناسبة.

مجمل المقال: إنه إعادة لإنتاج ما طرحه الأستاذ فهمي هويدي في مقاله “من يتجرع السم لأجل الوطن”، ولكن بطريقة سيئة قبل دعوات حراك 25 يناير، لأسباب مجهولة، تهز مصداقية الكاتب نفسه الذي تجاوز بعض الحقائق ليثبت ما يريده لنفسه ولآخرين، لا نعرفهم.

نحن في انتظار تصحيح الكاتب المؤمن بمغالطات تاريخية وثورية وواقعية، أو فليتجرع السم من أجل الوطن كي تحيا “مسر”!

 

Exit mobile version