المسألة “مش نافعة”

د. حلمي القاعود

الحديث عن الإرهاب في الأذرع الإعلامية للانقلاب يتجاهل أمرين؛ أولهما: من الذي صنعه ووضع أسسه الشيطانية، والآخر: سبب الإرهاب أو الحوادث التي تنشأ عن أفراد أو جماعات أياً كان معتقدها أو توجهها.

والإرهاب في بلادنا يختلف عن الجهاد ضد الغزاة والمحتلين، فالمصريون جاهدوا ضد المجرم الصليبي “نابليون بونابرت” فرادى وجماعات، بل انضم إليهم بعض الأشقاء العرب مثلما فعل الطالب الأزهري الشامي سليمان الحلبي حين قتل المجرم الصليبي “كليبر”، ساري عسكر الحملة الفرنسية، بعد هروب قائده “نابليون بونابرت”، ساري عسكر الاحتلال.

قاوم المصريون الاحتلال الإنجليزي على مدى سبعين عاماً، وتتابعت البطولات والتضحيات الشعبية في مقاومة العدو النازي اليهودي والصليبيين الغزاة في العدوان الثلاثي عام 1956م، وبعد نكسة 1967م، ولكن ماذا فعل العساكر الانقلابيون ليعبّروا عن وطنيتهم المتطرفة أو يزيحوا منافسيهم عن سدة الحكم كي يحلوا محلهم؟

لقد صنعوا إرهاباً وطنياً رائداً شارك فيه أنور السادات، وجمال عبدالناصر وخالد محيي الدين، وصلاح سالم، وجمال سالم، وغيرهم ضد شخصيات مصرية لحماً ودماً وليست أجنبية، ورتبوا حوادث لإثارة الرأي العام وكسبه إلى جانبهم لتبرير الإجراءات القمعية الوحشية التي اتخذوها ضد الشعب والمواطنين.

يشير خالد محيي الدين في كتابه “الآن أتكلم” الصادر عن “مركز الأهرام للترجمة والنشر، عام 1413 هـ/ 1992م، أن القصر الملكي كان يحرّك مجموعة الحرس الحديدي ومنهم السادات لارتكاب أعمال إرهابية ضد خصومه السياسيين لأنهم عملاء للاستعمار، وقام الحرس أكثر من مرة بمحاولة اغتيال النحاس باشا. (ص 64).

ورداً على حل نادي الضباط في العهد الملكي تقدم جمال عبدالناصر إلى تنظيم الضباط الأحرار باقتراح مؤداه القيام بسلسلة اغتيالات للقيادات العسكرية والمدنية تستهدف هزّ أركان النظام، واتفقنا – كما يقول خالد محيي الدين – على أن يجهز كل منا مجموعته للبدء في التنفيذ، ويضيف: “اتفقنا على أن نجتمع في الغد بمنزلي 21 شارع فوزي المطيعي بمصر الجديدة”. (السابق، ص 125).

ويؤكد خالد محيي الدين أن عزيز المصري كان متمترساً دون أي رغبة في التزحزح عن فكرة الاغتيالات الفردية، وأنه أثر في أفكار كثيرين منهم عبدالناصر، وخالد نفسه، وقام خالد عام 1946م ومعه حسن عزت بمحاولة فاشلة لاغتيال أحد المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ، وأن جمال عبدالناصر قام بمحاولة أخرى فاشلة لاغتيال حسين سري عامر(السابق، ص 66، 110).

ويتحدث أنور السادات بالتفصيل في كتابه “البحث عن الذات” عن دوره في محاولة اغتيال كل من زعيم الوفد مصطفى النحاس باشا، والوزير أمين عثمان، على أساس أنه من “المهم أن نتخلص ممن كانوا يساندون الإنجليز في ذلك الوقت وكان على رأس هؤلاء في نظرنا مصطفي النحاس باشا، رئيس حزب الوفد، الذي سقط في نظرنا منذ أن فرضه الإنجليز بقوة السلاح في 4 فبراير 1942م”.

بعد فشل محاولة اغتيال النحاس في سبتمبر 1945م قرّر السادات وجمعيته السرية التي شكّلها اغتيال أمين عثمان، وزير المالية في وزارة النحاس، الذي صرح أن العلاقة بين مصر وبريطانيا زواج كاثوليكي، وقد تم تنفيذ العملية في يناير 1946م حيث أطلق عليه حسين توفيق النار فأرداه قتيلاً. (راجع: أنور السادات، البحث عن الذات، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1978، ص 82 وما بعدها).

أما الزعيم الملهم أو البكباشي الأرعن جمال عبدالناصر، فقد حاول القيام بعمليات اغتيال فاشلة، وتفجيرات لإثارة البلبلة في نفوس الناس وجعلهم يشعرون بفقدان الأمن والطمأنينة على نفوسهم، ويتذكرون ما جرى في الماضي أيام نسف السينمات، ويحسون أنهم في حاجة إلى من يحميهم، حسب تصوره واعترافه لزملائه عبداللطيف البغدادي، وكمال الدين حسين، وحسن إبراهيم أعضاء مجلس قيادة الثورة في أثناء زيارة له وهو مريض، لقد دبر يوم 19 مارس 1954م عدة انفجارات بالقاهرة وقعت في مبنى محطة السكة الحديد والجامعة ومحل جروبي، ويذكر البغدادي في مذكراته أنه في يوم 21 مارس أبلغنا أن الانفجارات التي حدثت وأشار إليها في اجتماع المؤتمر، إنما هي من تدبيره.

كما دبر في صباح يوم 27 مارس مظاهرات عمال النقل وهيئة التحرير وأفراد الحرس الوطني والبوليس الحربي الذين ارتدوا ملابس مدنية، وهتفوا بسقوط الحرية والديمقراطية ليقطع الطريق على المطالبين بهما، وقد أتت المظاهرات أكلها وتقرر إرجاء تنفيذ القرارات الديمقراطية التي اتخذها مجلس قيادة الثورة من باب المناورة حتى نهاية الفترة الانتقالية في 10 يناير 1956م، ونزلت قوات الجيش إلى الشوارع وتوجه عبدالناصر لزيارة اتحاد نقابات النقل المشترك الذي كان لرئيسه الصاوي أحمد الصاوي الدور الأكبر في هذه المظاهرات.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم توجيه المتظاهرين إلى مجلس الدولة بعد نشر أخبار عن انعقاد الجمعية العمومية لمجلس الدولة لاتخاذ موقف ضد قرارات مجلس قيادة الثورة التي تضمنت تأجيل القرارات الديمقراطية، حيث تم اقتحام المجلس والاعتداء بالضرب على رئيسه السنهوري باشا!

لقد رتب عبدالناصر الأمر بمعرفة إبراهيم الطحاوي، وأحمد طعيمة من زعماء هيئة التحرير بالاتفاق مع الصاوي أحمد الصاوي، سكرتير اتحاد عمال النقل، نظير أربعة آلاف جنيه، وهو ما أكده خالد محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة، أكثر من مرة في مذكراته حيث يقول: “ولك عزيزي القارئ أن تتصور إضراباً لعمال النقل تسانده الدولة وتحرض عليه وتنظمه وتموله، وأتوقف تحديداً أمام كلمة تموله هذه؛ فلقد سرت أقاويل كثيرة حول هذا الموضوع لكنني سأورد هنا ما سمعته من عبدالناصر بنفسي، فعند عودتي من المنفى التقيت عبدالناصر وبدأ يحكي لي ما خفي عني من أحداث أيام مارس الأخيرة، وقال بصراحة نادرة: لما لقيت المسألة مش نافعة قررت أتحرك وقد كلفني الأمر أربعة آلاف جنيه” (الآن أتكلم، ص 298).

إذاً حين تكون المسألة “مش نافعة” يستباح الوطن بالاغتيالات أو القتل والتفجيرات أو المظاهرات الممولة من خزانة الدولة، ليتم الاستيلاء على السلطة، وسرقة الحرية والديمقراطية وإزاحة الرئيس المحبوب محمد نجيب، وحبسه مع الكلاب وإذلاله عشرين عاماً، ولو كانت النتيجة فقدان السودان وتعريض مصادر المياه للخطر!

ما رأيكم دام فضلكم في هذا الإرهاب الوطني؟ أليس له شبيه في أيامنا مع قتل أبشع، وتفجيرات أخطر، ومظاهرات فوتوشوب؛ لأن المسألة “مش نافعة”؟ الله مولانا.

 

Exit mobile version