الإرهاب الصديق!

أ.د. حلمي محمد القاعود

“الإرهاب” مصطلح غامض صارت محاربته الباب الذهبي للدخول إلى عالم الحكم والسيادة والقيادة والاحتلال، كما أضحى لغة الاستنارة والتحضر لدى العنصرية الجديدة التي تسعى للاستئثار بخيرات الأوطان والعالم، وفي الوقت نفسه بات تهمة جاهزة للانتقام من الخصوم والشعوب!

قبل فترة أعلنت المحكمة الأوروبية أن منظمة “حماس” ليست منظمة إرهابية، فكان تعليق رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن أكثر الأشخاص غضباً من هذا القرار هو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خصم “حماس” اللدود!

الإرهاب ليس له تعريف محدد، إذا قام الفلسطينيون بعملية عسكرية ضد الاحتلال النازي اليهودي وهذا واجبهم الذي تقره القوانين الدولية، عدوا العملية إرهاباً ووحشية، أما إذا قامت طائرات “الفانتوم” الصهيونية بدك بيوت غزة وقتل مئات الفلسطينيين فذلك ليس إرهاباً، ولكنه دفاع عن النفس، أو إرهاب صديق!

حين جيّشت الولايات المتحدة جيوشها وسحقت الشعب الأفغاني المسلم ودمرت مساجده ومبانيه ومدارسه وقتلت نحو مليون مسلم على مدى عشر سنوات أو يزيد فهذا محاربة للإرهاب وليس إرهاباً، أو بلغة أخرى إنه إرهاب صديق!

عندما زحفت قوات التحالف الصليبي بقيادة الولايات المتحدة لتدمير العراق واحتلاله وقتل رئيسه بعد أن قتلت أكثر من مليون ونصف مليون عراقي، كان ذلك من أجل القضاء على أسلحة نووية لدى النظام العراقي الإرهابي، وفي النهاية لم يجدوا أسلحة نووية ولا يحزنون! ولم ينطق أحد في مواجهة هذا الإرهاب الصديق!

نُشرت قبل فترة (عام 2013م) إحصائية من جامعة “ميتشيجان” الأميركية تقول: إن قتلى القرن العشرين بلغوا ١٠٢ مليون قتيل، صوروهم في دائرة زرقاء بها شريحة ضئيلة للغاية باللون الأحمر، اللون الأزرق الذي يمثل أكثر من 99% قتلهم مسيحيون، أما ألأقلية الضئيلة باللون الأحمر فقد قتلهم مسلمون، ومع ذلك يوصم المسلمون بالإرهاب، أما الصليبيون فهم أصدقاء، أو يوسمون بالإرهاب الصديق!

في بلادنا العربية ومصر تحديداً، يقوم الحكام والحكومات بعمليات القتل للأبرياء والتدمير للبيوت والمنشآت، ومع ذلك لا يوصمون بالإرهاب.

“بشار حافظ الأسد” قتل ثلاثمائة ألف سوري، وهجّر نصف شعبه ما بين نازح ولاجئ، وضربه بأسلحة محرمة، ودمر ثلاثة أرباع سورية، ومع ذلك لا يسمى ما يفعله إرهاباً، القتلى هم الإرهابيون، والهاربون من الجحيم والبراميل المتفجرة هم الإرهابيون، بشار حافظ الأسد” إرهابي صديق.

“جواد المالكي” أو “نوري المالكي”، رئيس وزراء العراق السابق، قتل المسلمين السُّنة بلا رحمة، وجنَّد عشرات المليشيات الطائفية لذبحهم وتعذيبهم في السجون والمعتقلات والشوارع والمساجد، ولم يسقط إلا حين وصلت “داعش” إلى أبواب الرمادي واقتربت من مشارف بغداد، ويواصل الطائفيون من بعده مسيرته الإرهابية، بل يستعينون بالتحالف الصليبي والعرب لقتل الأبرياء من أهل السُّنة المساكين، لأن “داعش” تعرف كيف تحمي نفسها، وهذا في عرف الأشرار إرهاب صديق!

القائمة الإرهابية التي صمّمتها دولة الإمارات تضم مؤسسات إسلامية بمختلف أنحاء أوروبا، والولايات المتحدة، والشرق الأوسط، وآسيا، أسهم الإماراتيون في إنشاء بعضها، كما تضم القائمة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي الداعية المعروف الذي حصل على أكبر جائزة في الإمارات قبل سنوات، وقام حكامها بتقبيل رأسه ويده، كذلك تضم القائمة ممثلة اسمها حنان ترك، ارتدت الحجاب بعد أن كانت سافرة، ولا أدري ما علاقة هذه الممثلة التي تشارك في الأفلام والمسلسلات بالسياسة أصلاً؟

ومع السخف الواضح في القائمة كما يقول المراقبون المحايدون، فقد عززت بطريقة غير مقصودة، الأسطورة الشائعة التي تقول: إن كل الإرهابيين مسلمون.

لم تذكر قائمة الإمارات أي منظمة يهودية، مثل جماعات المستوطنين اليهود ضد السكان الفلسطينيين في القدس المحتلة، والضفة الغربية، وضد المسجد الأقصى.

وبالطبع لم تتضمن القائمة الإرهابية الإماراتية “بشار حافظ الأسد”، ولا “نوري المالكي”، ولا “حزب الله”، ولا مليشيات الشيعة في العراق، ولا الحوثيين في اليمن، ولا “حفتر” ومليشياته في ليبيا، ولا “البلاك بلوك” في مصر، ولا الأجهزة الأمنية الباطشة في أنحاء العالم العربي، ولا منظمات الرهبان القتلة في ميانمار ولا عصابات الموت في الهند لأنها إرهاب صديق!

لا تستطيع القائمة الإماراتية أن تأتي على ذكر منظمات أوروبا الإرهابية التي تحارب الإسلام والمسلمين، وتعتدي على المساجد في فرنسا وسويسرا وألمانيا وهولندا والنمسا وغيرها.

وكانت مفارقة عجيبة أن تقوم الأردن باعتقال زكي بني أرشيد، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان هناك، وتقدمه للمحاكمة، إثر انتقاده لهذه القائمة ودولة الإمارات التي أصدرتها حين أكد أن حكومتها هي «الراعي الأول للإرهاب»، وأنها شرطي أمريكا في المنطقة، وتقوم بأقذر الأدوار الوظيفية خدمة للمشروع الصهيوني الماسوني، وتقف خلف كل أعمال التخريب والتدمير لمشروع الأمة وتتآمر على قضايا الأمة وضد حركات التحرر الوطني وتدعم الانقلابات وتتبنى تمويل حركات التجسس والاغتراب، فهذه القيادة هي الخلايا السرطانية في جسم الأمة العربية.

مراقب الإخوان في الأردن كان صادقاً، ويجهر بالحقيقة التي يريد أنصار الإرهاب الصديق إخفاءها، بل إن بعضهم يجاهر بإعلان نواياه ولا يخفيها، وتأمل مثلاً قول الرئيس الأمريكي “أوباما”: لا توجد لدينا نية في الوقت الحالي لتنحية الرئيس السوري ‫‏”بشار الأسد” عن منصبه، إنه يبرئه ضمناً من أي تهمة إرهابية حتى لو قتل ثلاثة ملايين سوري بدلاً من الثلاثمائة ألف الذين قتلهم ودفن معظمهم تحت الأنقاض! وهكذا يتحدد الإرهاب الصديق وفقاً للمصلحة التي تحرسها القوة المطلقة.

لا مكان للعقل ولا المنطق لدى أنصار الإرهاب الصديق الذي يقتل المسلمين وينكل بهم في البلاد العربية وأرجاء العالم، فالدم المسلم حلال، ومن يسفكه يتقرب إلى الصليبيين واليهود بأفضل القربات، أما الدم اليهودي الغاصب، أو الدم الصليبي الغازي، فممنوع الاقتراب منه، لا أحد يسأل عن أسباب الإرهاب ولا دوافعه ولا منطلقاته، ولكن أنصار الإرهاب الصديق يتنادون إلى التحالفات وإلى القتل وإلى التشهير، وتجاهلوا أن “داعش” نشأت مع احتلال العراق، وليس مع رحيل القوات الأمريكية، وأن القصة بدأت باستعانة واشنطن بخبير أمريكي للحروب القذرة هو “جيمس ستيلي” لمساعدتها في مواجهة انتفاضة السُّنة، فأنشأ فرق الموت الشيعية التي أجّجت الاستقطاب المذهبي، والبقية معروفة للإرهاب الصديق!

 

Exit mobile version