يجب إنقاذ الجندي راشد الغنوشي!

يقدَّم راشد الغنوشي كرجل سياسي مثالي يمارس السياسة بإتقان، وقد نجح في فترة حكم الترويكا في إيجاد قدم لحزبه في الحراك السياسي التونسي؛ مما جعله يخفي بعض النواقص الداخلية لحزبه.

يقدَّم راشد الغنوشي كرجل سياسي مثالي يمارس السياسة بإتقان، وقد نجح في فترة حكم الترويكا في إيجاد قدم لحزبه في الحراك السياسي التونسي؛ مما جعله يخفي بعض النواقص الداخلية لحزبه.

أما اليوم، فقد تغير الوضع، حيث إن الأضواء كلها سلطت على حركة النهضة وخصوصاً على راشد الغنوشي الذي أثبت في كل مرة كما أشرنا سابقاً أنه “الداهية السياسي” الذي يتجذر في واقع الشعب ويرتبط به، ويكون هذا الارتباط بمثابة الموجه الأساسي في قراراته.

وحتى حين يستخدم الرئيس المنتهية ولايته بطريقة “شعبوية” لمصطلح المواطنة، فإن السيد راشد الغنوشي يبين في أكثر من مرة أن المواطنة هي “الميزان” الذي يجب أن يرجح كفة “الواجبات” من أجل المحافظة على “الحريات”، بالنسبة له، فإن حب الوطن يبجل على حبه لحزبه.

الغنوشي وطني واقعي:

من خلال ما صرح به مؤخراً لجريدة “الخبر” الجزائرية، وهو ما استنكرته بعض القيادات الحزبية في حركة النهضة، حيث اعتبروا أن عدم ترشيح شخصية من داخل الحزب للاستحقاق الرئاسي هو خطأ إستراتيجي، في حين أنه يعتبره قراراً حكيماً؛ يبين في كل مرة أن السيد الغنوشي قادر على استيعاب الواقع، وقد صرح بأن مثل هذا الخيار سيحول وجهة البلاد نحو الإرهاب الذي يمكن أن يتسبب في انتفاضة أو سلسلة من الاضطرابات قد تكلف البلاد خسائر فادحة خاصة، وأنها منهكة اقتصادياً وأمنياً.

كما يجب علينا ألا ننسى التهديدات اليومية المحيطة بالبلد، وأيضا الألعاب النارية التي تطلق كل ليلة في الأحياء والمدن التي تشبه إلى حد كبير حرب الشوارع، دون أن ننسى الاحتجاجات التي حصلت إثر الإعلان الرسمي على نتائج الانتخابات الرئاسية، ولنا أن نتخيل لو كان من خسر الرهان الرئاسي هو مرشح إسلامي.

وتحدث السيد الغنوشي بوضوح حول “موازين القوى” الداخلية والخارجية على حد سواء، التي في الأغلب ليست في صالح حزبه، ويختم قوله مفتخراً: “أنا أحب بلدي، وتونس الديمقراطية أغلى علينا من النهضة”.

الغنوشي متهم من داخل حزبه:

يتضح للمتابع لحركة النهضة أن السيد الغنوشي متهم من داخل حزبه، ليس فقط من قبل الراديكاليين فقط، بل أيضاً من قبل بعض المعتدلين.

غير أن مصلحة البلاد تقتضي أن تقدم القوى الديمقراطية مساعدتها له، وتشجعه على مواصلة التفكير الجدي والمرتبط بالواقع التونسي الذي من شأنه أن ينقذ تونس والإسلام السياسي في البلاد العربية.

كما لا يوجد أي مانع من إرساء الديمقراطية في البلاد العربية والإسلامية كالتي توجد في الديمقراطيات المسيحية في الغرب، الأرضية الإسلامية، على عكس القراءة الكاريكاتورية التي يقوم بها البعض، فهي في الحقيقة تعددية ومنفتحة على الديمقراطية أكثر حتى من المسيحية التي أنتجت بدورها ديمقراطيات ذات طابع ديني.

لذلك نحن بحاجة لإنقاذ الغنوشي؛ وذلك بإشراكه في التغيير الجاري في تونس، دون التنازل طبعاً على قيم الحرية، ودون إنكار وزن ودور “الإسلام السياسي” المعتدل، والأهم هو ألا نمارس بدورنا “الدوغمائية” المتخلفة في معاداة “الإسلام السياسي” التي يمكن أن تتسبب في انتشار التطرف الديني الأكثر بشاعة.

الغنوشي جندي الديمقراطية الإسلامية:

في الفيلم الشهير لـ”ستيفن سبيلبرج” بعنوان “إنقاذ الجندي ريان”، رأينا أثناء عملية الإنزال في النورماندي وراء خطوط العدو، كيف خاطرت فرقة مختصة بحياتها لهذه المهمة الخطيرة، وذلك فقط من أجل إنقاذ جندي عادي.

لذلك يجب على المبادئ والأخلاق والضمير والوعي أن تأخذ مكانها في عالم السياسة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

بالطبع يمكننا المخاطرة بكل شيء لإنقاذ حياة رجل كالغنوشي، خاصة إذا كان وجوده مهماً للحفاظ على قيمنا الإنسانية في هذا العالم الروبوتي الذي طغت عليه المادية بلا روح، وهذا ما استوعبه الرئيس المنتخب منذ الاجتماع التاريخي في باريس.

ملاحظة أخيرة: بالإضافة إلى العديد من مميزاته، فإن فيلم “سبيلبرج” يحفظ في مكتبة الكونجرس ليس فقط من أجل خصائصه الجمالية والتاريخية، ولكن أيضاً الثقافية.

ونختم ونقول: إن الشعب الذي يتنكر لثقافته لا مستقبل له، والإسلام هو جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعب التونسي، ولكن بالتأكيد ليس إسلام “داعش”، بل الإسلام التونسي المتسامح والمعتدل.

 

Exit mobile version