الاستثمارات العربية البينية يحصدها الأغنياء

حينما يتم التطرق للحديث عن التعاون الاقتصادي العربي، تأتي في مقدمة الحديث ضرورة أن يستفيد العرب من ثرواتهم التي تراكمت منذ السبعينيات من النفط، ويتم تقسيم العالم العربي إلى دول العجز المالي، وهي بطبيعتها الدول غير النفطية، ودول الفائض المالي وهي الدو

حينما يتم التطرق للحديث عن التعاون الاقتصادي العربي، تأتي في مقدمة الحديث ضرورة أن يستفيد العرب من ثرواتهم التي تراكمت منذ السبعينيات من النفط، ويتم تقسيم العالم العربي إلى دول العجز المالي، وهي بطبيعتها الدول غير النفطية، ودول الفائض المالي وهي الدول النفطية.

ونظراً للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تلم بالدول العربية غير النفطية، والتي يطلق عليها دول العجز المالي، فمن الطبيعي أن تتوجه إليها أموال الأغنياء العرب للخروج من دوامة مشكلاتها الاقتصادية، والحديث هنا لا يتناول الاستثمارات العربية الخارجية التي تقدر بما يزيد عن تريليوني دولار، ولكن الحديث قاصر على الاستثمارات التي تخرج من دول عربية إلى دول عربية أخرى فقط، حيث لوحظ أن الدول الغنية هي صاحبة النصيب الأكبر من حيث استقبال وتصدير الاستثمارات البينية العربية.

كما أن حجم الأموال الخاصة بالاستثمارات العربية البينية، يعكس مدى تراجع العلاقات العربية العربية، فعلى مدار نحو 12 عاماً، بلغت الاستثمارات العربية البينية 103 مليارات دولار، وبما يعادل نسبة 5% فقط من الاستثمارات الخارجية العربية والتي تقدر بنحو تريليوني دولار.

والجدير بالذكر أن هناك أكثر من 80 اتحاداً عربياً نوعياً يشمل كافة الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية والخدمية، ومن بين هذه الاتحادات، اتحاد المستثمرين العرب، ومؤخراً اتحاد المستثمرات العرب، ولكن ما المحصلة؟! مبالغ زهيدة من الاستثمارات البينية.

ولا يتوقف الأمر فقط على الاتحادات العربية، ولكن هناك مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الذي أنشئ منذ الخمسينيات لتفعيل قرار السوق العربية المشتركة، وكافة هذه المؤسسات الخاصة بالعمل العربي المشترك، غيَّرت وجهة عملها حسب طبيعة التوجه الاقتصادي الذي عمَّ العالم العربي مع موجة العولمة في بداية تسعينيات القرن العشرين، فلم تعد هذه المؤسسات ولا الاتحادات قاصرة على المشروعات أو الكيانات الحكومية، ولكنها تضع الآن على رأس اهتماماتها القطاع الخاص، ومع ذلك فالحصيلة مردود ضعيف لا يتناسب مع هذه الهياكل القديمة من حيث الزمن، والمتعددة من حيث العدد والتكلفة.

حصاد الأغنياء:

تقرير مناخ الاستثمار لعام 2014م، وهو تقرير سنوي تصدره المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، يفرد فصلاً مستقلاً لرصد حركة الاستثمارات البينية العربية، ولكن المفاجأة التي يقدمها لنا التقرير أن الاستثمارات البينية العربية على مدار الفترة 2001 – 2012م بلغت 103 مليارات دولار، استحوذت المملكة العربية السعودية – والتي تعد أغنى بلد عربي – على نصيب الأسد من هذه الاستثمارات بنسبة 44.6%، تلتها دولة الإمارات العربية بنسبة 30%، أي أن أغنى دوليتين عربيتين استحوذتا على نحو 75% من الاستثمارات البينية.

تأتي في المرتبة الثالثة مصر بنسبة 9.3%، ونلاحظ أن الفارق بينها وبين الدولة التي تسبقها وهي الإمارات نحو 20%، أي أن الإمارات تستحوذ على ثلاثة أضعاف الاستثمارات العربية المتوجهة لمصر، التي تعد من أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، وكذلك أكبر دولة عربية من حيث عدد العاطلين والفقراء.

حلت المغرب في المرتبة الرابعة بنسبة 4.5%، ثم تونس بنسبة 3.9%، ثم الجزائر بنسبة 3.6%، ثم عُمان بنسبة 3.4%، ثم قطر بنسبة 0.8%، ثم ليبيا بنسبة 0.3%، والأدهى والأمر أن موريتانيا التي تصنف على أنه من أشد البلدان فقراً على مستوى العالم كان نصيبها من الاستثمارات البينية العربية نسبة 0.2%.

وإذا كانت الدول العربية الغنية هي صاحبة النصيب الأكبر من حيث استقبال الاستثمارات البينية، فهي أيضاً صاحبة النصيب الأكبر من تصدير الاستثمارات البينية العربية، فعن نفس الفترة ولنفس المبلغ تبين أن الكويت أتت قي مقدمة الدول المصدرة للاستثمارات البينية بنسبة 34.2%، ثم الإمارات بنسبة 24.2%، ثم السعودية بنسبة 13.6%،، أي أن ثلاث دول خليجية تصدر نسبة 70% من الاستثمارات البينية العربية، واللافت للنظر أن موريتانيا ضمن الدول المصدرة للاستثمارات البينية خلال الفترة بنسبة 0.2%، وهي نفس النسبة التي حصلت عليها من تدفقات الاستثمارات العربية، أي أن محصلة موريتانيا على مدار 12 عاماً من الاستثمارات العربية البينية صفر.

نستطيع القول: إن هذه البيانات تدل على أن المال دُولة بين الأغنياء في المنطقة العربية، وأن الاستثمارات البينية فقدت الدور المأمول منها، وهو تحرك الأوضاع التنموية المذرية في دول العجز المالي، ولذلك لا يوجد أثر يشار إليه في مجال التعاون الاقتصادي العربي، يمكن اعتباره أدى دوراً بارزاً أو مميزاً، على مدار العقود الماضية.

ومما يثير الانتباه أن الفترة محل رصد الاستثمارات البينية تعد واحدة من أكبر الفترات التي شهدت وفرات نفطية، حيث تصاعدت أسعار النفط خلال هذه الفترة بمعدلات كبيرة، ومع ذلك استحوذت الدول النفطية على النصيب الأكبر من تدفقات الاستثمارات العربية النفطية.

أسباب تركز الاستثمارات بالدول الغنية:

ثمة مجموعة من العوامل ساعدت على أن تأخذ تدفقات الاستثمارات البينية اتجاهاً عكسياً، ليكرس تكرار المشهد العالمي، من حيث إن الدول المتقدمة هي أيضاً صاحبة النصيب الأكبر من تدفقات الاستثمارات العالمية، وهي أيضاً صاحبة النصيب الأكبر من تصدير الاستثمارات الأجنبية العالمية.

ولكن الوضع في العالم العربي يعكس مناخاً غير إيجابي من حيث عدم شعور الاستثمارات العربية بالأمن اللازم داخل الدول العربية، وكذلك كثرة التشريعات التي تعوق الاستثمار، وممارسة البيروقراطية والرشاوى، وكذلك عدم تلبية احتياجات الاستثمارات العربية النفطية، التي تتجه بالأساس إلى الأنشطة الريعية مثل السياحة والعقارات، وكذلك الاستثمارات كثيفة رأس المال.

كما يلاحظ أن مجلس التعاون الخليجي ككيان تكاملي أعطى بعض المزايا لأعضائه، وهم في الغالب أصحاب الحصة الأكبر في الاستثمارات البينية العربية، لم تعطها لهم باقي الدول العربية الأخرى، فقد تعامل الاستثمارات الخليجية بين بلدانها نفس معاملة مواطنيها، ولذلك تأمن هذه الاستثمارات في الدول الخليجية الغنية، للاستفادة من المزايا التي توفرها لهم هذه البلدان.

أيضاً افتقد المناخ الاقتصادي العربي إلى خلق المصالح الاقتصادية المشتركة، فالعمل الاستثماري ليس عملاً خيرياً ولا نوعاً من المعونة والمساعدة التي لا ترد، ولكنها في النهاية كيانات تبحث عن مردود يتمثل في الأرباح على رؤوس الأموال المستثمرة؛ ولذلك فالدول العربية التي تعاني من عجز مالي عليها أن تسعى لتهيئة مناخها الاستثماري حتى يكون جاذباً للاستثمارات الأجنبية وفي مقدمتها الاستثمارات العربية.

أين القمم الاقتصادية؟

منذ عام 2009م اتجه العرب لإفراد القضايا الاقتصادية بقمة خاصة بخلاف القمة العربية الدورية، وشهدت الكويت بداية هذه القمم الاقتصادية، وكالعادة حفلت مؤتمرات القمة الاقتصادية بالعديد من القضايا والملفات الاقتصادية المهمة، ومن بينها قضايا الاستثمار، ولكن بعد مضي نحو 5 سنوات، لا يوجد شيء يمكن اعتباره نقطة تحول في العلاقات العربية، وبخاصة في مجال الاستثمارات البينية العربية.. إن طرح ملفات الفقر والبطالة وبخاصة بطالة الشاب على اجتماعات القمم الاقتصادية العربية كفيل بأن يغير دفة الاستثمارات الخارجية العربية، لتحوّل جزءاً ولو يسيراً للمنطقة العربية.

إن ارتفاع نسبة الاستثمارات العربية البينية من 5% من قيمة الاستثمارات العربية الخارجية، لتصل إلى 15% أو 20%، كفيل بأن يغير الوجه الاقتصادي للمنطقة، شريطة أن يكون هناك توزيع عادل لهذه الاستثمارات، يأخذ في الاعتبار الدول العربية الأشد فقراً، وهي سبع دول، وكذلك الدول الفقيرة الأخرى التي تعاني من قضايا اقتصادية واجتماعية معقدة.

Exit mobile version