لَنْ تُراعوا

لكل زراعة موسم خاص تكون فيه أكثر نجاحاً؛ فمن فاته الموسم ندم، ومن زرع في غير الموسم جَهل.

لكل زراعة موسم خاص تكون فيه أكثر نجاحاً؛ فمن فاته الموسم ندم، ومن زرع في غير الموسم جَهل.

ولكل سوق ساعات ذروة؛ فمن جاء في آخر السوق لن ينال إلا القليل.

وقديماً قال الشافعي رحمه الله:

أذا هبت رياحك فاغتنـمها              فإن لكل عاصـــــفة سكـــون

ولا تغفل عن الإحسان فيها            فما تدري السكون متى يكون

وللصيف ملابسه وللشتاء كذلك..

إن هذه هي المحاولة الثانية للشعوب العربية للتخلص من الكابوس الغربي والاستعمار بأشكاله.

في المرة الأولى، تحررت الشعوب العربية من الاستعمار في منتصف القرن الماضي – أو ظنت أنها تحررت – فاستدرك الاستعمار الخطوة بأن كان حاضراً بفكره وقراره وسياسته وإعلامه وماله في الأنظمة التي ورثت الاستعمار لتحول بين الشعوب وبين الحرية ونجح في ذلك، وإذا حاول زعيم أن يفكر بالخروج عن الطوق دمر.

وأما المرة الثانية، فكانت بعد ما يزيد على نصف قرن، اكتشفت الشعوب أنها لم تتحرر إلاّ ظاهراً وشكلياً، وبقيت بعيدة عن مصالحها مغيبة فاقدة السيادة الحقيقية محرومة من الحرية والديمقراطية، ومحرومة حتى من ثرواتها؛ فثارت من جديد فيما أطلق عليه “الربيع العربي”.

وكادت تفلت من الشَّرَكِ المنصوب لها منذ عقود وبخاصة في تونس ومصر واليمن، وكانت قد شقت طريقها بصعوبة في سورية والعراق، وانطلقت بصورة مغايرة في المغرب والأردن ودول أخرى.

ولكن سرعان ما استدار العالم (المستعمر) الذي التقت مصالحه (بجهالة) مع الصهيونية العالمية ومع فلول الاستبداد والفساد وبقايا الدول العميقة، وأعادت ترتيب صفوفها من جديد، ووجهت ضربة قاسية للجسد الشعبي العربي وقواه الحية، واستخدمت كل الوسائل من أجل إبطال تحرره ووضع خطة وإستراتيجية طويلة المدى لئلا ينهض مرة أخرى، وما يجري في مصر واليمن والعراق وسورية وغيرها لا يخفى على ذي بصيرة.

لكنهم تصرفوا بعنجهية شديدة وباستعلاء عظيم وبفظاظة وسطحية واستفزاز حتى للمشاعر المخدرة والقوى المترددة بما لا يمكن احتماله طويلاً، ولا يمكن أن ينطلي على جيل متفتح من الشباب رأى الحرية في العالم وأثرها على الشعوب، وأصبحت المعرفة الواسعة مكشوفة بين يديه لا يغطيها سحر ساحر ولا ظل غربال ولا همهمات غير مفهومة حتى لو ادعت الإصلاح والديمقراطية.

لذا فقد بقيت المحاولة الثالثة، ولن تكون بعيدة بإذن الله، ولكل أجل كتاب.

قد تكون الهزيمة بسبب القوة والكثرة، وقد تكون عبئاً على أصحابها.

وقد يكون التمادي في إهانة الآخر وحرمانه سبباً في اكتسابه قوة إضافية غير عادية تؤهله للنصر.

إن الذي يجري اليوم وخلال السنوات الأربع الماضية منذ عام 2011م وتحولاته المختلفة لا يبتعد كثيراً عما جرى لشعوب أوروبا وهي في طريقها للنهوض من عصور الظلام وبخاصة الشعب الفرنسي.

وأقول لكل صادق أسهم بما يستطيع في البلاد العربية من أجل التحرر والنهوض، ولم يلتفت إلى غنيمة أو مكسب خاص، وتفانى في العطاء، ولم يخشَ من العصا ولم يسل لعابه للجزرة، وسعى للتجميع لا للفرقة والاستئثار: إن جهدكم لن يضيع – وحاشا أن يضيع – فهو منزرع في الأرض ومنغرس في النفوس، وفي العقل الباطن، ولن يُضيع الله أجر من أحسن عملاً.

لقد زرعتم وبعض الزراعات الثمينة تحتاج لفترات حضانة طويلة حتى يأتي موعد الإنبات والإزهار والثمار، فلا يستعجلن صادق – وإن كان الإنسان عجولاً – ثم اقرؤوا عن تاريخ الشعوب وتجاربها والأمم الأخرى ففيها العبرة.

وإن كان من كلمة للمتألمين لحال الأحرار اليوم والمستهجنين لما يجري؛ لقد نبهكم العرب من قبل إذ قالوا: “الصيفَ ضَّيعتِ اللبن”، مهما كانت الأعذار، ولكن لا بأسف، المشوار طويل ولا بد أن يستجيب القدر.

 

 

Exit mobile version