كشكول الخلافة الإسلامية!

كان من بين المضبوطات التي تم تحريزها مع طالب الوراق الذي تم القبض عليه بمحيط جامعة القاهرة قبل أيام، إضافة إلى “رواية 1984” التي تفضح دكتاتورية الأخ الأكبر والحكومات العسكرية، كشكول به عبارات حول الخلافة الإسلامية، وكيفية إعادتها.

كان من بين المضبوطات التي تم تحريزها مع طالب الوراق الذي تم القبض عليه بمحيط جامعة القاهرة قبل أيام، إضافة إلى “رواية 1984” التي تفضح دكتاتورية الأخ الأكبر والحكومات العسكرية، كشكول به عبارات حول الخلافة الإسلامية، وكيفية إعادتها.

والخلافة الإسلامية مصطلح يسبب “الإرتكاريا” للنخبة الموالية للاستبداد والطغيان والحكومات الظالمة المستبدة في أرجاء العالم الإسلامي، وتلح هذه الحكومات في أجهزتها الإعلامية والثقافية والتعليمية التي تنفق عليها من عرق الفقراء والمظلومين الذين يؤمنون بالإسلام والخلافة الإسلامية؛ على شيطنة الخلافة الإسلامية وتشويهها، ولعنها، واستصدار الفتاوى الحرام من أحذية الاستبداد، بأن الخلافة إثم عظيم، ومرادف للدماء والاستبداد والتخلف.

هيئات الثقافة التابعة للانقلاب أصدرت في الشهور الأخيرة فقط كتابين يلعنان الخلافة، ويعتمدان على الغوغائية اليسارية والليبرالية، أحدهما لمستشار منحرف لا يحفظ القرآن، ولا يقيم للأخلاق الإسلامية وزناً، وبينه وبين البحث العلمي والدقة والالتزام بقواعد النقل عداوة وخصومة تماثل عداوته للإسلام والمسلمين، والآخر أزهري فاسد، ولكنه أكثر ذكاء، إذ ركز على صور الصراع الدموي بين الخلفاء وخاصة في الدولتين الأموية والعباسية وأسقطها على الإسلام!

احتفت صحف السلطة والمواقع الطائفية بكتاب ثالث كتبه شيوعي حكومي عريق يزعم فيه أن الخلافة تلخّص الرغبة في العودة إلى الماضي، وفق نموذج غير محدد يرسم مستقبلاً مجهول الملامح، ويدعي الشيوعي الحكومي العريق كذباً أن الخلافة تمثل رغبة في فرض طرق محددة للتفكير، وأسلوب وحيد في استنباط الفتوى، ويستشهد بمقولة في غير محلها ليدلل على رفضه للخلافة «الدين تسليم بالإيمان والرأي تسليم بالخصومة، فمن جعل الدين رأياً جعله خصومة، ومن جعل الرأي ديناً جعله شريعة».

إن أعداء الإسلام من الشيوعيين والليبراليين وخدام الغرب واليهود يعتمدون على التضليل والتدليس والخداع لينسفوا المفاهيم الإسلامية التي أجمعت عليها الأمة، وكثيراً ما يستشهدون بالكتاب المنسوب إلى علي عبدالرازق “الإسلام وأصول الحكم”، الذي تبرأ منه صاحبه، ورفض إعادة طبعه، ليقولوا: إن عالماً أزهرياً يرفض أن يكون في الإسلام خلافة، وأن الخلافة ليست من المفاهيم الإسلامية.

 وفي المجال الإعلامي لا تتوقف صيحاتهم بأن الخلافة خرافة، وأنها رمز للاستبداد والقهر والتخلف، ويخلطون بين الخلفاء والإسلام، ويعيدون إنتاج ما قاله المستشرقون مغموساً بالحقد على الدين الحنيف وكراهية له.

والانقلاب الدموي الفاشي حريص في حربه على الإسلام أن يقطع صلة المسلمين بما يربطهم بتاريخهم أو يؤسس لمستقبلهم ووحدتهم وقوتهم؛ لأن حرصه الأكبر هو إرضاء الغرب الاستعماري واليهود الغزاة الذين يدعمونه ويقفون إلى جواره.

الخلافة بمنطق التاريخ ومنطق أيامنا تعني التوحد تحت راية واحدة تحقق التكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري، وقد استطاع الغرب الصليبي، بعد أن ودع الهمجية بين شعوبه أن يصل إلى آليات تحقق التفاهم فيما بينها، والسلام بين دولها، والتقدم في المجالات العلمية والصناعية والاجتماعية وحركة التواصل في الموانئ والمطارات والحدود، لقد بدأ الغرب الصليبي الاستعماري عمله لتحقيق الخلافة الأوروبية عقب قيام الجامعة العربية بنحو عشر سنوات، فحقق الوحدة الاقتصادية عن طريق السوق المشتركة، ووصل في نهايات القرن العشرين إلى ما يسمى الآن بـ”الاتحاد الأوروبي”، الذي يتكون من جميع الدول الأوروبية تقريباً عدا تركيا وكوسوفا ودول قليلة، وله برلمان موحد ومفوضية أو حكومة موحدة، ورئيستها السيدة “كاترين آشتون”، التي دعمت الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في مصر، وحاولت أن تقنع الرئيس الشرعي “محمد مرسي” – فك الله أسره – أن يوقِّع تنازلاً عن الشرعية.

الخلافة الأوروبية حقيقة قائمة اليوم، لا يستنكرها أحد، ولا يهجوها أحد، ولا يدعي عليها أحد بما ليس فيها مثلما يفعل خدام الغرب واليهود في بلادنا، وأظن أن المسلمين والمصريين في أغلبهم يتمنون لو أقيمت خلافة إسلامية راشدة على غرار النمط الأوروبي الراهن، لتحقق التكامل فيما بينهم، وتحميهم من التحرش الصليبي اليهودي الذي لا يتوقف، ويشن عليهم الحروب الدامية المدمرة التي تسحق الملايين من المسلمين، وتخلف ملايين أخرى من الأيتام والأرامل والجرحى والمصابين، فضلاً عن الخسائر المادية والمعنوية..

بالطبع فإن الظروف الراهنة تمنع عملياً تحقيق الخلافة الإسلامية التي أسقطها الغرب الصليبي واليهود عام 1924م، فتمزقت دولها وتفتت وتشرذمت وتحطمت حتى صار المسلمون قصعة الأمم، وقام على شؤونها في معظم بلادهم طغاة مستبدون قساة غلاظ لا يرقبون إلاً ولا ذمة، يدعمهم الصليبيون واليهود بلا حدود، بل يشجعونهم على الاستمرار في وحشيتهم واستبدادهم حتى يفتّتوا بلادهم إلى كانتونات صغيرة ومقاطعات متصارعة متنافرة.

معظم المسلمين من الفلبين حتى طنجة يؤمنون بالوحدة الإسلامية، وتتوحد أرواحهم في الآلام والآمال، ولكن معظم من يحكمونهم لا يريدون هذه الوحدة أبداً؛ استجابة لسادتهم الصليبيين واليهود الذين يملكون مقدراتهم ويوجهونهم إلى طريق الندامة بعيداً عن الإسلام وأخلاقه وقيمه ومفاهيمه وتصوراته.

وقد اشتعل الكلام مؤخراً عن الخلافة الإسلامية بعدما استطاع “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) أن يستولي على مساحات شاسعة من أراضي سورية والعراق، ويعلن تأسيس الخلافة، ويتصدى لهجوم التحالف الصليبي وأتباعه من الأعراب.

وإذا كان العالم لا يعرف شيئاً كثيراً عن هذا التنظيم وطبيعته ونشأته، ويسمع فقط ما يذيعه الصليبيون واليهود وأتباعهم من الأعراب، وهو سيئ بالطبع، فإن ما يتداول على بعض المواقع الإخبارية يشير إلى أن التنظيم يسعى لتحقيق عدالة اجتماعية بين من يحكمهم، وأن الناس هناك سعداء به؛ لأنه حماهم من المليشيات الشيعية الدموية العراقية، ومن شبيحة الطاغية الدموي “بشار الأسد”، وأنهم يؤيدون التنظيم ويدعمونه، ويساعدونه في حربه ضد الصليبيين والطغاة المحليين.

الخلافة فكرة جميلة حمت المسلمين لمدة أربعة عشر قرناً من توحش الهمجية الصليبية، وليتها تعود بمنهج الخلافة الراشدة!

ومعذرة لطالب الوراق الذي قبضت عليه الجندرمة، ووجهت له تهمة القراءة والكتابة في كشكول الخلافة.  

Exit mobile version