فرانكنشتاين المصري

“فرانكنشتاين” رواية للمؤلفة البريطانية “ماري شيلي”، صدرت عام 1818م، تدور أحداثها عن طالب اسمه “فيكتور فرانكنشتاين”، يكتشف في جامعة “ركنسبورك” الألمانية طريقة يستطيع بمقتضاها بعث الحياة في المادة.

“فرانكنشتاين” رواية للمؤلفة البريطانية “ماري شيلي”، صدرت عام 1818م، تدور أحداثها عن طالب اسمه “فيكتور فرانكنشتاين”، يكتشف في جامعة “ركنسبورك” الألمانية طريقة يستطيع بمقتضاها بعث الحياة في المادة.

يبدأ “فرانكنشتاين” بتركيب “ريبوت” هائل الحجم، ولكنه لخطأ ما اكتشف أن ريبوته شرير ومدمر، وقبل أن تدب فيه الحياة بوقت قصير يهرب من مختبر الجامعة بعد إخفاقه في تفكيكه، يحكي لصديقه “هنري” الذي جاء لزيارته عما حدث؛ فيحثه على العودة إلى المختبر، ولكنهما لا يجدا ذلك المسخ الهائل.. تستمر أحداث القصة؛ فيقتل أخا “فيكتور” ثم الخادمة، بعدها يعلم “فرانكنشتاين” أن مسخه هو المسؤول عن هذه الأحداث.

يتعلم المسخ القراءة والكتابة ويعود إلى المختبر حتى يهتدي إلى صانعه؛ فيعثر على دفتر مذكرات “فرانكنشتاين”، ويستطيع في النهاية أن يعثر عليه ليطلب منه أن يصنع له امرأة؛ لأنه يحس بالوحدة، ويبرر أفعاله في قتل الأخ بأنه لم يقصد قتله، وإنما أراد إسكات صراخه المتواصل بسبب الخوف، وبعد سلسلة من الضغوط وافق “فرانكنشتاين” على أن يصنع امرأة لذلك المسخ، وذهب لهذا الغرض مع صديقه “هنري” إلى أسكتلندا، وقبل أن يتم صنع المرأة المسخ خشي “فرانكنشتاين” أن تكون شريرة مثله؛ وينجبان جيشاً من الأشرار؛ فدمر ما صنعه قبل لحظات، وهنا يغتاظ المسخ الذي كان يراقبه ويحاول قتلهما، لكنهما في النهاية يتمكنان من الفرار.

يعود “فرانكنشتاين” إلى بلدته ويتزوج، ولكن المسخ يقتل زوجته في نفس ليلة العرس، يموت أبو “فرانكنشتاين” حزناً من الأحداث الرهيبة التي عاشتها العائلة، فيقرر “فرانكنشتاين” البحث عن المسخ ليقتله؛ انتقاماً منه، ويذهب لأجل ذلك إلى القطب بعد أن أخذ يتتبع آثار المسخ الذي لجأ إلى هناك, إلا أن “فرانكنشتاين” يموت قبل أن يظفر بالمارد الشرير الذي يأتي ليرى جثة صانعه ملقاة فيتألم لذلك.

هكذا تقول الأسطورة، وكأنها ترسم واقعاً معاصراً يمكن أن يطلق عليه “استعداء المجهول”؛ إذ إن الكيانات التي تنتهج طريقاً خاطئاً في التغيير أو التعبير تحتاج طوال الوقت إلى عدو يوحد موقفها إزاء الأخطار الكامنة وراء هذا العدو، يشعر معه الجميع أنهم مستهدفون فيتخندقوا وراء حماية الذات والمصالح، وهنا تقل الأطماع نسبياً، ويخفت اللهث وراء الحصول على المغانم الآنية والخاصة.

هكذا بدا الوضع في مصر، عندما ارتأى المتنفذون إبان حكم “د. محمد مرسي” الانقلاب عليه وعزله بالقوة في 3/7/2013م، مستندين إلى تأييد بعض النخب وحشود ميدان التحرير قبلها بأيام، وهو مبرر كافٍ في نظرهم طالما أنهم يمتلكون القدرة على فرض واقع جديد يحددون معالمه وأحداثه، والشخصيات المطلوب ظهورها على مسرح تلك الأحداث، وزمنية ذلك الظهور، وأدوارهم المنضبطة.

إلي هنا تبدو الأمور منطقية ومتكررة في سردية قائد يريد الاستيلاء على السلطة، أما غير المنطقي فهو ظهور ذلك القائد يطلب من الجماهير النزول لإعطائه “تفويضاً وأمراً لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل”، وقتها تساءلنا: مِن مَن؟ وضد مَن؟ ولماذا؟ صحيح أن الفترة السابقة يمكن أن تكون قد أجابت عن مثل هذه التساؤلات، وأوضحت لنا كيف عاد “فرانكنشتاين” من جيد لصنع جيش من الموارد.

الواقع أن “فرانكنشتاين” المصري نزل بدباباته ومدرعاته وناقلات جنده في الحواري والمدن ليواجه عدواً في خياله؛ فقتل وحرق وخرب؛ عسى أن يصادف عدوه فيقتله ويستريح؛ فخلَّف آلاف الضحايا ومعها آلاف العداوات.

الواقع يقول أيضاً: إنه حاصر الأهالي في سيناء، وقصف الأحياء، وخلَّف مرارات؛ فاستعدى من كان ناعم البال بغنمات يسوقها أمامه بالنهار، ويشرب من ألبانها بالليل، هكذا استدعى العداوة من مكامنها، وأخرج الموارد من قماقمها، ثارات مبيتة، وخصومات لا نهاية لها.

أنا لا أنكر أن هناك خارجين على القانون ومتطرفين يجب مواجهتهم والحسم معهم، كما لا أوافق مطلقاً أن يؤخذ “العاطل بالباطل”؛ فيموت الأبرياء وتتحول الملاحقات إلى خصومات وثارات.

وأنا أدعوك إلى قراءة هذا الكلام الموزون وقراءة الواقع أيضاً:

“هو أنا لو ضابط جيش، مش سهل عليا آجي على رفح والشيخ زويد وآجي محاصرها، ومطلَّع السكان منها، وأروح مفجر المباني اللي موجودة فيها؟ مش هنقتل حد ولا حاجة.. ممكن نعمل كده.. افترض إن حد ضرب نار.. طلع قصاد النار دي 100 نار.. مات 2 ولا 3 أبرياء وقتها تبقى بتشكل عدو ضدك وضد بلدك لأن بقى فيه ثأر بينك وبينو.. إحنا بنشكل أمن بالتواجد مش بالقتال.. ما هي دبابة واحدة ورشاش واحد ممكن يعملك حاجات كتير بس في النهاية دول في الآخر أهلك وناسك.. ولازم نستدعي سيناريو جنوب السودان بدأت من 50 سنة، وكانت المعالجة أمنية فقط، ومفيش حسابات رفيعة والضغط للرأي العام كان حاكم، وكان اللي بيقود المعالجة بيتأثر بيه وبيتجاوب معاه حتى لو ده ضد الأمن القومي..النتيجة إيه؟”.

إن أسطورة “فرانكنشتاين” ولدت منطقاً يقول: “تحكُّمك في البدايات لا ينبئ بالضرورة عن قدرتك في توجيه النهايات”.

ويمكن أن نبني على ذلك فنقول: “إن الفعل غير المحسوب لا يمكن أن يكون منطقاً صالحاً لإدارة الأوطان والتعامل مع الشعوب”.

 

(*) كاتب وباحث – مركز الديمقراطية ودعم حقوق الإنسان

 

 

Exit mobile version