الطوفان قادم

لكي يقمعوا الإخوان السلميين الذين يتبنون الفكر الإصلاحي والتغيير التدريجي، فقد ربطوهم بالتيارات المسلحة التي لديها أصلاً تحفظات ومشكلات فكرية مع الإخوان!

لكي يقمعوا الإخوان السلميين الذين يتبنون الفكر الإصلاحي والتغيير التدريجي، فقد ربطوهم بالتيارات المسلحة التي لديها أصلاً تحفظات ومشكلات فكرية مع الإخوان! فكانت النتيجة هي بروز فكرة التغيير المسلح وانتعاشه, فالأمر ليس تنجيماً، ومن المعروف أن فكرة التغيير المسلح تبرز على حساب فكرة التغيير السلمي حين تقمع المصلحين وتدمر الوسائل والآليات! الأمر يبدو تماماً كمن يسد النهر عن الجريان فيأتيه الطوفان من حيث لم يحتسب.

كان قادة الانقلاب وأساطين العلمانية المعسكرة ونشطاؤها يتصورون بسذاجة أنهم سيقمعون الناس ويظلمونهم ويسرقون إرادتهم ويرتكبون المذابح تلو المذابح, ويشوهون الدين والتدين والمتدينين، ولا يؤدي ذلك إلى انفجار كبير يتسع فيه الخرق على الراتق.. وقد كان!

كم حذرنا وكم قلنا: إن الانقلاب على صنم الديمقراطية سيؤدي بالتبعية إلى هدمها تماماً، فلم يفهموا ومضوا في غيِّهم وعتههم يعمهون! كم حذرنا من أن العنف سيجلب عنفاً، والدم سيجلب ثأراً ومراً, أفكنت تزرع ظلماً ودماً وتحصد فيينا والنمسا.. محال!

من أراد تفويضاً ليحارب إرهاباً محتملاً (أي لم يكن موجوداً) قد أدى بغيه وغبائه وظلمه وتجبره ومن عاونه إلى دعم فكري غير مباشر للتيارات المسلحة على حساب التيارات الإصلاحية.

“غلابة.. إنتوا فاكرين أن الغرب وعملاءه لا يدرون أنكم تتدرجون لتطبيق الشريعة؟ لن يسمحوا بالتغيير السلمي”..

 عبارة قيلت كثيراً للإخوان وأنصارهم، والآن يقف أصحاب هذه العبارة منتشين بصدق حدسهم وبقوة بصيرتهم بعد أن أثبتت الأحداث أنهم كانوا أبعد نظراً.

ومما لا شك فيه أن كل الأوضاع السيئة والدموية التي تقبع فيها مصر الآن وستقبع فيها مستقبلاً إنما هي بسبب الانقلاب ومن أيده، ولا يحق لمن شارك فيه ولو بكلمة إلا أن يتوب ويصلح عسى الله أن يغفر ويسلم.

فقادة الانقلاب ومؤيدوه لم يدركوا بسذاجتهم المعهودة أنهم يحفرون قبورهم بأيديهم، ويخربون بيوتهم بأنفسهم، ويضعون حداً لعلمانية معسكرة، ونظم خربة، وفساد مستشرٍ! وأنه بسبب الانقلاب ارتكبت عشرات المذابح في حق الأبرياء، وبسبب الانقلاب هدمت بيوت وبيع ومساجد، وبسبب الانقلاب ألقي في السجون ما يزيد على 50 ألف إنسان من خيرة شباب البلد ورجالها ونسائها، وبسبب الانقلاب حوصرت غزة وعوديت ليبيا ودخلت مصر في حرب ليست نظامية – حرب الشعب فيها منقسم والظلم فيها منتشر – حرب عصابات طويلة دمرت أعتى الجيوش ودوخت أمريكا وروسيا.

وإن كان الانقلابيون يعوّلون على الجيش الذي لا يقهر (خير أجناد الأرض) كما ورد في الحديث المكذوب, فأنعم بسذاجة جديدة، وفكر ضحل, فعليهم أن يعلموا تماماً أن الرئيس “مرسي” المسجون في أقبيتهم كان يسعى لإصلاح الجيش، وكان يطير من الشرق للغرب ليوفر أسلحة جديدة وتدريبات قوية وإصلاحاً للعقيدة القتالية, بعدما رآه وعرفه ولمسه بنفسه عن الجيش المترهل الذي انشغل بالمعكرونة والسلع الغذائية عن مهامه, والحقيقة أن جيشاً الخدمة فيه إلزامية ويعتمد عموده الفقري على شباب معظمه مجبر وقيادات تعمل في السمسرة وبلا عقيدة قتالية وفي ظل انقسام مجتمعي وعدم تأهيل تدريبي لن يصمد كثيراً في حرب عصابات طويلة لم يعتدها، خاصة إن تطورت واتسعت وصارت في كل ركن وشبر من أرض مصر, وفي لحظة ما سيتبخر هذا الجيش حين يبدأ تسرب الجنود الذين يتكون جلهم من الشباب الناقم على الانقلاب وقياداته التي ستجد نفسها محاصرة من الشرق والغرب بجانب إنهاكهم في شوارع المحروسة.

القادم صعب يا سادة، لكن المؤكد أن من سفك الدماء ابتداءً وبغى في الأرض وتجبر يتحمل وزر كل الدماء، حتى دماء أنصاره، فمصر الآن على أعتاب سورية توشك أن تخطو فيها.

ويبقى الإخوان بين شقي رحى – بين انقلابيين ينعتونهم بالإرهاب وبين تيارات مسلحة تظنهم مفْرطين في السلمية! لكن الحق أنه ليس كل جهاد قتالاً بالسيف، وإن الإخوان كانوا ولا يزالون أحرص الناس على الدماء.. وما وجدوا طريقاً للتغيير أقل كلفة وأحفظ للنفس إلا اتخذوه! فانظر كيف أقصاهم القوم فحصدوا مراً وعلقماً والقادم أسوأ.

كان الإخوان يحذرون من أن الانقلاب سيترتب عليه بطبيعة الحال انزلاق مصر إلى العنف والعنف المضاد، فظن المجانين أن العنف سيكون بتدبير الإخوان وبعلمهم, ولم يدرك السذج أن تحذير “مرسي” و”البلتاجي” من الدخول في دوامة عنف مستقبلية في سيناء وغيرها معناه أن الإخوان ليسوا الوحيدين في الساحة، بل هناك تيارات أخرى ستنمو بفعل الظلم وتنتعش.

والحقيقة أن خيار السلمية لدى الإخوان لم يكن نابعاً من الظن بعدم مشروعية مقاومة الظالم بالسلاح! بل ينبع في الأساس من حرصهم على قلة التكاليف وتقصير مدة الصراع.

ألا فلتعلموا أن نصر الله لهذا الدين وللمظلومين آت لا محالة بإذن الله، بعز عزيز أو بذل ذليل، وقد أراده الإخوان ربيعاً سلمياً، وأراد الله غير ذلك. 

Exit mobile version