الجامعة المصرية تحت نعال العسكر!

لا أعرفه، ولكن صورته الملائكية، وابتسامته العذبة، وسمته الهادئ الوقور.. كلها تجعل من د. طارق الغندور- رحمه الله – رمزاً جليلاً ومهيباً للأستاذ الجامعي المسلم، الذي ذهب ضحية لتوحش العسكر، ودمويتهم التي نُزعت منها الرحمة.

لا أعرفه، ولكن صورته الملائكية، وابتسامته العذبة، وسمته الهادئ الوقور.. كلها تجعل من د. طارق الغندور- رحمه الله – رمزاً جليلاً ومهيباً للأستاذ الجامعي المسلم، الذي ذهب ضحية لتوحش العسكر، ودمويتهم التي نُزعت منها الرحمة.

لقد وافته المنية يوم الأربعاء 12/11/2014م، بعدما تركه الانقلابيون في سجن طره، ينزف لمدة ست ساعات، قبل نقله إلى معهد الكبد في شبين الكوم بالمنوفية ووفاته في الحال.

الشهيد العظيم، أستاذ أمراض جلدية وتناسلية في كلية الطب جامعة عين شمس، وطبيب مصري معروف، اعتقله الانقلاب العسكري الدموي الفاشي في ديسمبر 2013م، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات بالتهم الملفقة الجاهزة إياها، وكان يعاني من عدة أمراض قبل اعتقاله، ولكن الإهمال الصحي المتعمد للمعتقلين، أدى لتدهور حالته الصحية ثم وفاته.

الانقلاب الدموي لا يراعي أي حالات إنسانية أو خلقية، بل يمارس عمليات القتل الممنهج داخل السجون ومقرات الاحتجاز في مصر بانتظام؛ مما أدى إلى مقتل العشرات من المعتقلين والمحبوسين احتياطياً، وصارت منهجية الموت البطيء داخل السجون المصرية سياسة متبعة، وليست حالات فردية.

يرافق عمليات الموت البطيء الممنهجة استباحة كاملة للجامعة المصرية في جميع أنحاء مصر، فالمدرعات والسيارات العسكرية ولابسو الخوذات والمسلحون العسكريون ومفجرو قنابل الغاز يسرحون ويمرحون في أرجاء الجامعات المصرية، وفي مقدمتها الأزهر والقاهرة وعين شمس والإسكندرية والمنصورة وأسيوط والمنيا والفيوم وبني سويف.

لم يحدث اقتحام لحرم الأزهر منذ حملة المجرم الصليبي “نابليون بونابرت” إلا في عهد الانقلاب الدموي، صارت الجامعة المصرية تئن تحت نعال العسكر الذين يأمرون وينهون في شأنها، بدءاً من تحديد موعد الدراسة حتى تعيين مسؤوليها ووزيرها.

العسكر يفتشون في ضمائر أهل الجامعة وقلوبهم، ويصدرون فرماناتهم بتحديد نظامها، وطريقة الدخول والخروج منها، ويفتشون الأساتذة والطلاب، ويدّعون عليهم بتهريب الأسلحة إلى داخلها، دون أن نجد لهذه الأسلحة نشاطاً يتحدث عنه الناس، أو حتى أبواق الانقلاب، فهي أكاذيب يردّدونها لتبرير تدخل العسكر السافر في قمع الجامعة، وإذلالها، وتكميم أفواه أبنائها، وفرض التخلف عليها، وتحويل بعض منسوبيها (الوطنيين) إلى بصّاصين مأجورين للإبلاغ عن الأساتذة والطلاب.

لقد صادروا إرادة الأساتذة في اختيار من يتحمل مسؤولية الرئاسة والعمادة، وانطلقت الأبواق الأمنية المأجورة تتحدث أن الأساتذة لا يحسنون اختيار المسؤولين، وهو أمر يثير الضحك في زمن البكاء، إذا كان أساتذة الجامعة صفوة المجتمع في العلم والثقافة لا يحسنون اختيار مسؤوليهم، فهل يستطيع الأقل ثقافة أن يحسن الاختيار، ويضع على رأس المسؤولية الشخص الأفضل؟!

لقد صرح وزير التعليم العالي في حكومة الانقلاب أن 50% من قيادات الجامعات كانوا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وزعم أنهم كانوا يخططون لتكوين كوادر منذ عشرات السنين من المعيدين والمدرسين المساعدين الذين أصبحوا أعضاء هيئة التدريس وأساتذة في الوقت الحالي، وأنه تمت مواجهة ذلك من خلال إلغاء قانون الانتخابات لرؤساء الجامعات وتطبيق القانون على الكوادر الجامعية التي تخترق القانون وتخرج عن العملية التعليمية!

لقد منح الانقلابيون أنفسهم حق تعيين رؤساء الجامعة وعمداء الكليات وبقية وظائف النواب والوكلاء، وعدلوا قانون الجامعات ليس من أجل تحسين أحوال الأساتذة والطلاب، ولكن من أجل التنكيل بهم، وتحويلهم إلى كائنات تسمع وتطيع وتسبح بحمد البيادة!

انظر مثلاً إلى عدد الذين تم إقصاؤهم من الجامعة بسبب رفض الانقلاب وعدم تأييده وفقاً لإحصاء حركة “جامعة مستقلة”؛ حيث تعرض منذ الانقلاب 218 عضو هيئة تدريس في 26 جامعة حكومية وخاصة ومراكز بحثية للفصل والسجن والنقل، بالإضافة إلى مقتل 8، واعتقال 181 (أخلي سبيل 20 منهم)، ومطاردة 25، وفصل 8 عن العمل لانتمائهم السياسي، وآرائهم الفكرية، وإقالة رئيس جامعة بورسعيد المنتخب، ومن بين الأساتذة المعتقلين 3 عمداء كليات منتخبين بجامعات دمياط وطنطا وحلوان، إضافة إلى “د. محمد مرسي” الأستاذ بجامعة الزقازيق, ومن الطرائف أنه تم فصل عضو هيئة تدريس بدعوى انقطاعه عن العمل مع أنه معار بمنحة تعليمية إلى ماليزيا، ومن قبل تم فصل أعداد من الأساتذة بتهمة الانتماء إلى جماعة إرهابية! فضلاً عن إيقاف أعداد كبيرة من الأساتذة عن التدريس، ويجري الآن تشكيل لجان من الأساتذة الموالين للانقلاب تعمل بشكل غير معلن لرصد الأساتذة الموالين للتيار الإسلامي وتقديم كشوف بأسمائهم إلى سلطات الانقلاب، خاصة المعتقلين منهم حالياً في السجون المختلفة، توطئة لعزلهم عن مهمة الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه، وكان الرئيس الشرعي “د. محمد مرسي”، الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة الزقازيق – فك الله أسره – أول من طبق عليه قرار الحرمان من الإشراف العلمي على ثلاث رسائل دكتوراه، وتم تعديل تشكيل اللجان المشرفة على تلك الرسائل، وتعيين آخرين، وهو أمر مخالف للقانون حيث لم يصدر حكم قضائي نهائي يدين الرئيس الشرعي.

إلى هذا الحد وصل اللدد والفجور في الخصومة ليطال المجال العلمي والبحثي؟

لم يتوقف الأمر داخل الكليات والجامعة، بل تعداه إلى الأندية الجامعية التي تتشكل بالانتخابات من جميع الكليات، وتقوم على تقديم بعض الخدمات للأساتذة، فقد سعت السلطة إلى إلغاء مجالس إدارتها المنتخبة، واستطاعت أن تسيطر على معظم الأندية، وبقي مجلس إدارة نادي تدريس جامعة القاهرة يقاوم حتى الآن، وإن كان مصيره معروفاً، بعد أن اتهمه مجلس الجامعة بالتحريض على العنف!

والسؤال الآن: إلى أين نحن سائرون؟ هل يستمر التطهير الديني في الجامعة لكل من يقول: ربي الله؟ ثم ماذا بعد هذا التطهير؟ هل ستتقدم الجامعة؟ هل ستدخل في منافسات مع جامعات العالم على الأسبقية العلمية والإنجازات والكشوف؟

في الجامعات الصليبية واليهودية يرحبون بالأساتذة المسلمين والمنتمين للإخوان المسلمين وغيرهم، حين تثبت جدارتهم وكفاءتهم العلمية، وقد كان الرئيس “مرسي” من الكفاءات العلمية النادرة، التي درّست في جامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة كاليفورنيا، نورث ردج في الولايات المتحدة بين عامي 1982 – 1985م، ولم يقل له أحد هناك: إنك محظور أو إنك تنتمي إلى جماعة إرهابية (أي إسلامية)؟

أيها الانقلابيون، اعلموا أن استئصال الإسلام غير ممكن مهما كانت دمويتكم، ولن تكون الجامعة تحت نعالكم!

 

Exit mobile version