عندما تستنفذ الوسائل أغراضها

الفرق بين الكلمتين حرف واحد قابل للتبديل أو “التلبيق” وإن كانت إحداهما من عالم الأشياء والأُخرى من عالم الأفكار.

السياسة في السيارة..

الفرق بين الكلمتين حرف واحد قابل للتبديل أو “التلبيق” وإن كانت إحداهما من عالم الأشياء والأُخرى من عالم الأفكار.

بعد أن تستنفذ الوسائل أغراضها والأدوات الضرورية مهامها تصبح عبئاً على مستخدمها إلا أن يحفظها في متحفه الخاص تحت الدرج أو في المخزن، وكثيرة هي “المركونات” في الأشياء والأفكار، والتكتلات..

ولكن أصحابها لا يقوون على دفنها عاطفياً أو التخلص منها، علماً أنهم لن يستخدموها مرة أخرى، وحالها كحال المتشبث بـ”بابور الجاز”، أو بـ”المهباش”، أو بجهاز الفيديو، والهاتف القديم، والآلة الكاتبة اليدوية..

قانون الحياة قانون كوني شامل صادق، وظاهرةٌ تجدها في كل شيء وما تجده في عالم الأشياء تجده كذلك في عالم الأفكار والعكس صحيح.

تشتري سيارة جديدة لتقضي حاجتك بيسر وسهولة، تعتني بها وتسترخص ما تنفق عليها مهما كان غالياً لأنها غالية، تتفقدها في كل يوم بل كلما خرجت ودخلت، لا تركنها في أي زاوية إنما في المكان الأكثر أمناً وتبالغ في ذلك بل وتبني لها كوخاً يحفظها من الشمس ومن المطر، وربما اشتريت لها “بيجامة نوم” لتغطيها كلما وقفت، وتراقب أي كشط يصيبها وتقوم الدنيا ولا تقعدها إن تعرضت لأي أذى.

وبعد سنوات تكثر شكواها وتتثاقل خطاها، وتزداد حاجتها للإصلاح واستبدال قطع أساسية قد تصل إلى قلبها ومحركها وظاهرها وباطنها، وتستسلم أنت لأصحاب الخبرة فيُعمِلون بها مفاتيحهم ومفكاتهم وسلاحهم، ويمارسون تجاربهم، ويدعي كل منهم أن المشكلة في الميكانيكي الذي سبقه الذي لا يفهم شيئاً، وهو المتسبب في عطبها.. وترى هذا المفوه الذي عمل ادعاءً في وكالتها الأصلية عشرين عاماً “يا ستير” يغير القطعة تلو الأخرى، لكنها تبقى تئن وتئن، حتى لم يبق في العاصمة هاوٍ من المهندسين إلا زرته، ولم يبق من أصدقائك من يسلفك المال لتكمل المشوار، ولربما تبقى مُصِرّاً على أن هذا النوع من السيارات وهذه السيارة بالذات التي لا مثيل لها وتقنع نفسك وتقول: ما رأيت مثلها وهي تستأهل الإنفاق عليها والصبر على “دبدبتها”، لكنك ستجد بعد مكابرة وأخرى، أن للصبر حدوداً، فقد تلطخت ملابسك بالزيوت من طول الانتظار في الكراجات والجلوس على الكراسي الملونة، وفقدان كل ما في الجيب؛ ما يجعلك تتورط في النيل من اليوم الذي تعرفت فيه على هذه السيارة.

وإذا قال لك الخبير المستريح مادياً طبعاً: يا أخي، بِعْها واشترِ غيرها ولا تركبها بعد اليوم، فقد أصبحت خطراً عليك، فقد ينفلت أحد دواليبها في منحدر وتقضي عليك – لا قدر الله – ارحم نفسك وارحم أبناءك وأحفادك.. لا تركبها يا رجل، عندها تركبك الهموم وتدور برأسك مصائب الدنيا وبعض مصائب المستقبل وأنت تفكر بكيفية شراء سيارة جديدة وقد استهلكت هذه كل ما تملك من مال وكل رصيدك من الأصدقاء الدائنين، وتتذكر الأيام الخوالي التي كانت سيارتك تنهب الأرض نهباً وهي زينة السيارات وأولها في “الفاردة”!

وأما صاحبك هذا فما عليه إلا النصيحة الباردة، ثم يغادرك تأكل إطارات سيارته الفارهة الأرض، وينطلق بسرعة الريح دون أن تسمع صوتاً كصوت محبوبتك!

أعرف رجلاً انتقل إلى رحمة الله كان عنده “بيك أب” قديم، وهو غني ميسور، وأولاده يحجزون مواقعهم المتقدمة الرسمية، فاشتروا له سيارة حديثة تليق به وبموقعه الاجتماعي، لكنه بعد أيام قلائل قال: ردوا عليَّ “مرقعتي” التي لا يغلق زجاجها إن أغلق إلا بـ”مفك”، ولا تقف لو أعطاها أمر الوقوف إلا بعد نهاية المَدْرج، ولم يبق أمامه مما كان يسمى “تابلو” ما يغطي الأسلاك وبقية المفاتيح فيغطيها بعباءته ومع ذلك فهو ملتصق بها.

سأكون متألماً لو ظن أحدكم أنني أعطي درساً في اقتناء السيارات أو الميكانيكا!

 

 

Exit mobile version