عفواً “أورويل”.. إنها الكوميديا السوداء

منذ 3 يوليو 2013م، تعيش مصر حقبة سوداء مظلمة لم تمر بها طوال تاريخها الممتد منذ آلاف السنين، اختفى العقل وتلاشى المنطق، مع بيان قائد الانقلاب “عبدالفتاح السيسي” بعزل رئيس الجمهورية المنتَخَب “د. محمد مرسي”، وتنصيب نفسه حاكماً عسكرياً، بقوة الدبابة وا

منذ 3 يوليو 2013م، تعيش مصر حقبة سوداء مظلمة لم تمر بها طوال تاريخها الممتد منذ آلاف السنين، اختفى العقل وتلاشى المنطق، مع بيان قائد الانقلاب “عبدالفتاح السيسي” بعزل رئيس الجمهورية المنتَخَب “د. محمد مرسي”، وتنصيب نفسه حاكماً عسكرياً، بقوة الدبابة والبندقية.

كانت الأكاذيب التي تروجها ما تُسمى “جبهة الإنقاذ” و”الدولة العميقة” وتحالف الفساد المزمن الذي ينخر في عظام الدولة، تتمحور حول ما يسمونه “دكتاتورية مرسي”، و”أخونة الدولة”! وهذه الأكاذيب يدحضها الواقع ومناخ الحرية الذي لم يسبق له مثيل، حتى وصلت الحرية إلى الانفلات غير المسؤول من كل القيم والأخلاقيات، وصارت حالة من السفالة والبذاءة لدى كل من يعرقلون الرئيس “مرسي” ويهدفون لتنصير الدولة وعلمنتها.

مع أول لحظة في الانقلاب الصليبي، أُغلقت الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية، وزُج بالآلاف في المعتقلات، وصارت المجازر تترا في ربوع البلاد، حتى كانت محرقة رابعة العدوية والنهضة، وحرق جثث الشهداء والمصاحف والمساجد، وتلتها مجازر رمسيس والإسكندرية، وكرداسة، ودلجا وغيرها الكثير، وأصبح الذين كانوا يتباكون بالأمس على “جيكا”، و”كريستي” – شابان قُتلا برصاص الداخلية – يباركون حرق وإبادة الآلاف من منطلق عنصرية كريهة فاشية بتورع عنها الفاشيون والنازيون.

وأصبح الذين أقاموا الدنيا بسبب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس “مرسي” ليحافظ على ثورة يناير، هم الذين يباركون الإعلان النازي الذي أصدره العسكر وجعلوا مَنْ يُسمى “عدلي منصور” يُوقع عليه، وبموجبه تهتك كل الحريات وتُنتهك كل الحرمات.

وأصبح الذين أقاموا الدنيا بسبب صحفي بذيء سافل، شتم الرئيس “مرسي” بأقذع الألفاظ، هم من يُباركون اعتقال أكثر من خمسين صحفياً، بل يباركون قتلهم واستهدافهم.

وأصبح الذين كانوا يُحملون الرئيس “مرسي” مسؤولية الخلافات الزوجية، هم من يبرر لقائد الانقلاب، حالة الفوضى والانهيار والخراب التي تعيشها مصر.

وأصبح الذين أقاموا الدنيا من أجل فتاة صُفعت بالقلم وهي تحرق مكتب الإرشاد، هم من يصمتون على تقييد امرأة و”كلبشتها” وهي تضع مولودتها بالمستشفى!

والأمثلة كثيرة، وتثير القرف والاشمئزاز من ازدواجية هؤلاء المسوخ الذين أسقطوا التجربة الديمقراطية التي لم تعشها مصر منذ سبعة آلاف عام أو يزيد.

لم يتورع الانقلاب الصليبي المجرم عن اقتراف الموبقات، ويحرص دائماً على صبغها بالكوميديا السوداء، مثل اعتقال فتيات بتهمة ارتداء “دبوس” يحمل شعار رابعة، أو بلالين لونها أصفر! أو حديث وزير داخلية الانقلاب عن ضبط ما أسماه “انتحاري اعتاد تفجير نفسه”! والزج بأسماء شهداء من فلسطين ماتوا منذ سنوات والزعم بأنهم اقتحموا السجون في مصر! واتهام مرشد الإخوان بقطع طريق قليوب! واعتقال طلاب الجامعات بتهمة هزلية مضحكة هي “الجهر بالصياح بغرض إثارة الفتنة الطائفية “! والحكم بإعدام نحو ألف إنسان بتهمة قتل ضابط!

يستمر العبث في ظل الانقلاب الصليبي، ويدهشنا بما هو دون الكوميديا السوداء، حيث نشرت صحيفة “المصري اليوم” الداعمة للانقلاب الصليبي خبراً يوم الأحد 9 نوفمبر 2014م بعنوان “القبض على طالب بمحيط جامعة القاهرة بحيازته رواية 1984”!

وجاء في متن الخبر: ألقت أجهزة الأمن بالجيزة القبض على طالب، في محيط جامعة القاهرة، بحوزته رواية تتحدث عن «ديكتاتورية الأنظمة العسكرية».

ودلت التحريات، التي أشرف عليها اللواء محمود فاروق، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، الأحد، على أن «الخدمات المعينة لملاحظة الحالة الأمنية بمحيط جامعة القاهرة، تمكنت من ضبط “محمد. ط” (21 عاماً)، طالب، مقيم بمنطقة الوراق، أثناء تواجده أمام الباب الرئيس للجامعة، وبحوزته هاتفي محمول دون بطارية، و3 فلاشات، و2 ريدر، وهارد ديسك، ورواية بعنوان “1984” للكاتب “جورج أورويل”، ويتحدث عن الأنظمة العسكرية الفاسدة التي تحكم البلاد. بديكتاتورية»!

إلى هذه الدرجة من الجنون والعبث بلغت الحال بالانقلاب الصليبي، اعتقال بتهمة قراءة “رواية”! وهي سابقة ربما لم تحدث في جمهوريات الموز والأنظمة الفاشية، اللهم إلا نظام عصابة “الأسد” (حافظ، وبشار).

وإن كانت هذه هي الحال مع من قرأ رواية لـ”جورج أورويل”، فكيف هي الحال إن كان يقرأ لـ”توماس هاردي”، و”تشارلز ديكنز”، و”أنطون تشيكوفوإرنست هيمنجواي”، و”ديستوفيسكي”، و”ليو تولستوي”، و”فرجيينا وولف”، و”ألكسندر دوما”، و”سيمون دي بوفوار”، و”ألبير كامو”، و”إيميلىبرونتى”، و”جابريل ماركيز”، و”ساراماجو”.. إلخ ؟!

ثم هل يفهم الذين اعتقلوا هذا الطالب معنى “رواية”؟ أو هل يفهمون سطراً مما هو مكتوب بداخلها؟!

إنها حالة الجنون التي سمحت لهم الادعاء بأنهم يُعالجون مريض الأيدز بصباع الكفتة! ويستخرجون الأسمنت من الشجر! والكهرباء من السبانخ!

إن هؤلاء الذين فقدوا الحياء، وصلوا لمرحلة بعيدة من الانحطاط والعبث، ولذلك نقول: لو كان “جورج أورويل” حياً، لصاغ ما يحدث في مصر على أنه إحدى روايات الخيال العبثي، حيث لا عقل، لا منطق، لا حياة.

والله غالب على أمره..

 

 

Exit mobile version