سقوط نظرية الفرعون!

انشقت القلوب ودمعت العيون واشتعلت الجوانح حزناً على الزهور اليانعة التي قضت في يومين متتاليين، في اليوم الأول ماتت مجموعة من طالبات سوهاج غرقت بهم السيارة الميكروباص بسبب الطرق السيئة

انشقت القلوب ودمعت العيون واشتعلت الجوانح حزناً على الزهور اليانعة التي قضت في يومين متتاليين، في اليوم الأول ماتت مجموعة من طالبات سوهاج غرقت بهم السيارة الميكروباص بسبب الطرق السيئة، وفي اليوم التالي كان هناك ثمانية عشر طالباً وطالبة احترقوا تماماً عدا الجرحى؛ في الحافلة التي كانت تقلهم إلى مدرستهم بالإسكندرية، لدرجة أنه لم يتم التعرف إلا على جثتين اثنتين، وقالت بعض الصحف: إنه تم إلقاء رماد الجثث في حديقة المستشفى بدمنهور!

كالعادة تنصل المسؤولون في هيئة الطرق والكباري والمرور والمحليات من المسؤولية، وحملوها للسائق هنا وهناك، وخرجت فضائيات الانقلاب لتميّع المسألة، وأوحت إلى بعض المتصلين بها أن يحمّلوا الإخوان المسؤولية وقامت هي بالتصديق على كلام المتصلين!

مشايخ الأزهر والفتوى وغيرهم طيّبوا خواطر المكلومين بأنهم سيدخلون الجنة مع ضحاياهم، ولم يخبرونا إذا كان المسؤولون المقصرون سيدخلون جنة سوبر أو جنة عادية!

 صحف الانقلاب العسكري الدموي الفاشي صاغت الخبر بطريقة توحي أن نظرية “الدكر” الحاكم تؤدي دورها، وأرسل الانقلاب بعد ساعتين طائرة لنقل المصابين إلى مستشفيات القاهرة بدلاً من دمنهور ليتلقوا علاجاً أفضل ورعاية أحسن،

وأعلن خبير مروري أن المجلس الأعلى للمرور أنشئ منذ 32 عاماً ولم يجتمع مرة واحدة منذ إنشائه!

في المساء قرر مجلس وزراء الانقلاب لمواجهة ما سماه “إرهاب الإهمال” رفع قيمة مخالفات السير عكس الاتجاه إلى 3000 جنيه، والسرعة الزائدة إلى السجن ستة شهور و50 ألف جنيه، ومنع “التريلا” من السير داخل المدن في النهار، بالطبع لم يتذكر مجلس وزراء الانقلاب أن الطرق الرئيسة صارت شوارع داخلية ضيقة بعد أن تم البناء على جوانبها، وأن الطرق الفرعية تغص ليلاً ونهاراً بأخطر أنواع المركبات القاتلة، وهي النقل المقطورة، وكانت قد صدرت قوانين بمنع استخدامها إلا بعد توفيق أوضاعها، ولكن الحيتان أوقفوا القانون، وحوَّلوه إلى حبر على ورق.

في الوقت ذاته، فإن الطرق الداخلية والرئيسة لم تعد تصلح للسير، وأن التريلات والمقطورات تدمرها أولاً بأول، وأن ما يسمى هيئة الطرق والكباري تنام في العسل، ويرأسها لواء سابق انقلابي يذهب في سفريات للفسحة ويبشرنا عبر بعض الصحف أنه استورد معدات لإصلاح الطرق في المستقبل، ووزيره حذر من أن إصلاح الطرق سيزيد من حوادث الطرق.. وأبشر بطول سلامة يا مربع!

وبالمناسبة، فإن الناشط الانقلابي ممدوح حمزة، تحدى رئيس وزراء الانقلاب أن يستطيع إقالة اللواء رئيس هيئة الطرق والكباري، على خلفية حوادث الطرق المتكررة، وأشار الناشط الانقلابي في تغريدة له على موقع “تويتر”: أن رئيس وزراء الانقلاب إذا لم يستطع إقالة المذكور، فوزارته “تبقى وزارة كلام ولن نتوقع حزماً أو صدقاً أم أن رئيس الوزراء المدني لا يقدر أن يقيل لواءً سابقًا؟ هرم مقلوب!”.

القضية الأخطر هي الاستهانة بأرواح االمصريين من جانب مسؤولين يأخذون أكثر مما يستحقون، ولا يجدون غضاضة في ارتداء السواد الحالك بحجة الحداد على أرواح الضحايا، ثم يراهنون على نسيان الشعب الغلبان لما جرى.

في أيام الرئيس الشرعي “محمد مرسي” – فك الله أسره – كان الأشاوس والنشامى من الأذرع الإعلامية يقيمون الدنيا ولا يقعدونها حين تقع حادثة بسيطة هنا أو هناك، وكانوا يحمّلون الرئيس وحكومته وجماعته المسؤولية عن وقائع لا دخل لهم بها، وينوحون حتى يتشبّع الجوّ بالسواد والقتامة، ولكنهم الآن يحرفون المسار إلى دهاليز أخرى في محاولات لينسى الناس جرائم السلطة التي جاءت وفقاً لنظرية “الدكر” الذي سيصلح الأحوال التي لم تنصلح، بل ازدادت سوءاً واقتربت من الانهيار الكامل.

تأمل ما كانت تقوله الأذرع الإعلامية للانقلاب وهي تمهّد له عن حادثة قطار أسيوط، وفي كلام بعضهم من التمثيل و”السّهْوكة” ما يؤهله لنيل أكبر جوائز التضليل والتدليس والكذب، هذه مقولات بعضهم عن الحادث المذكور الذي وقع في عام 2012م في أوائل ولاية الرئيس “مرسي”:

لميس:

“تقيلة عليك الشيلة يا د. مرسي متشيلش.. تقيلة عليك الشيلة يا د. قنديل متشيلش”.

عمرو أديب:

“فاشل.. إن الطفل عندك تمنه أرخص من الموبايل!

5 آلاف جنيه يا كافر.. ولا ملايين الدنيا تعوضه”.

وائل الإبراشي:

“حكومة هشام قنديل تمص دماء الأطفال.. ومرسي والإخوان قتلة الأطفال”.

يوسف الحسيني:

“دم اللي ماتوا في رقبتك يا مرسي.. أنت فاشل في إدارة البلد وحكومتك فاشلة يا جماعة فاشلة”.

يسري فودة:

“هذا البرنامج سيرفعها كل يوم: طول ما المصري دمه رخيص يسقط يسقط أي رئيس”.

محمود سعد:

“لو ولادي الخمسة ماتوا في حادث قطار أسيوط كنت جبت طبنجة وضربت رئيس الوزراء”.

طبعاً لن تستطيع ذراع إعلامية منهم أن يخاطب الحاكم العسكري الآن وفقاً لنظرية “الدكر” بمثل هذا الكلام أو بعضه، لا يستطيعون أن يقولوا: “إن الشيلة تقيلة عليك واتركها، ولن يكفّروه، أو يتهموه بالفشل، أو يهتفوا بسقوطه، أو يهددوه بالطبنجة”!

إنهم مؤدبون جداً مع “الدكر”، مع إن نظريته سقطت بالثلث في كل المجالات؛ العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتموينية!

يذكر التاريخ أن واحدة من إياهن علّلت تأييدها للانقلاب بأنها تريد أن يحكم مصر “دكر”، صحيح أنها لم تقدم لنا مواصفات هذا “الدكر” وملامحه البشرية، ولكنها كانت تنطلق من مفهوم أنثوي يحبذ أن يكون هناك رجل مستبد يشكم المرأة سيئة الطبع، ويمارس قبضته القوية حتى تتراضخ وترتمي على قدميه، وهو المفهوم الذي عبّر عنه مخنث يعمل مدرساً في إحدى كليات الطب حيث تمنّى أن يكون أنثى ليتزوج قائد الانقلاب!

نظرية دولة القانون التي يُطبق فيها العدلُ والمشاركة؛ هي التي تحمي البلاد من الانهيار والسقوط.. أما نظرية “الدكر” فهي لا تزيد الدول إلا خراباً وسقوطاً، وهو ما رأيناه ورآه العالم منذ التمهيد للانقلاب حتى اليوم.. ولله في خلقه شؤون!  

 

Exit mobile version