تونس.. الديمقراطية وأشياء أخرى

وحدهم العقلاء الذين نظروا إلى نتائج الانتخابات التونسية البرلمانية الجارية في 26 أكتوبر الحالي في هدوء

وحدهم العقلاء الذين نظروا إلى نتائج الانتخابات التونسية البرلمانية الجارية في 26 أكتوبر الحالي في هدوء، أما على امتداد اتجاهين فإن لدينا حساً أثار الغبار، وعبر بعشرات الكلمات، على الأقل مؤكداً أن الثورة التونسية، الأصل في الثورات العربية والأم، تُسرق، وأن الغرب الذي تآمر على ثلاث ثورات بطرق تناسب كل دولة قامت فيها ثورة، ويميت الثورة السورية وهي في المهد رغم اجتيازها العام الثالث من عمرها، الذي نسأل الله له القصر والرحمة لأهلنا هناك، وإن الغرب يلاعب الثورة التونسية بالطريقة المناسبة لإفشالها، وأن قائمة “نداء تونس” الليبرالية؛ التي يقودها أحد رموز نظام الرئيس التونسي المخلوع “بن علي”، وهو الباجي قائد السبسي البالغ من العمر 88 عاماً ليس إلا، والذي حصد 84  مقعداً في الانتخابات الأخيرة متفوقاً على حركة النهضة التي يرأسها الشيخ، راشد الغنوشي، وقد حاز الأخير 62 مقعداً من أصل 217 مقعداً.

وهناك من هلل وأقام الدنيا ولم يقعدها بخاصة من العلمانيين واليساريين والليبراليين الذين رأوا في الأمر اندحاراً لحركة النهضة التونسية، وزاد البعض بأن قال: إن قائد حركة النهضة راشد الغنوشي أحب الانسحاب من المشهد السياسي بهدوء، متخوفاً مما جرى في مصر لقائد حزب “الحرية والعدالة” من قبل، والرئيس الشرعي “د. محمد مرسي” من بعد.                                                  

أما الحقائق المرتبطة بالأرقام فأولها أن حركة النهضة حازت 89 صوتاً في الانتخابات التأسيسية للدستور عام 2011م، وأن قوائم الرئيس المنصف المرزوقي لم تحصل إلا على أربعة مقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وأن السبسي تمت دعوته لزيارة الإمارات قبل الانتخابات بفترة وجيزة، ومدلول الإمارات في المعادلة واضح لا يحتاج إلى تفسير.                                                            

وفي المنتصف قال البعض: إن التونسيين نفعيون، برأي القائل، استقرت الثورة لديهم، فلم يريدوا رهن أنفسهم بحركة النهضة التي هي في البداية والنهاية في طور الانطلاق، مع المعاناة المفترضة المصاحبة والمؤامرات العربية والدولية.          

على إنني هنا أود توضيح عدد من الأمور في خضم مئات الآلاف من الكلمات الني سالت وتسيل ولسوف تسيل في مقبل الأيام، بخاصة مع الانتخابات الرئاسية المقبلة عليها تونس، وكذلك في زمرة مستجدات يعد البعض لها، وعلم الله تعالى كيف ستكون.                                                                            

إن التفسيرات، والتبريرات، والفرح والحزن بما جرى.. لا يغني عن حقيقة واحدة أرى الأمر يصب فيها، وهو ينبع منذ البداية منها؛ أن الشعب التونسي بإرادة حرة اختار، ودون تزوير مباشر في الأصوات هذا التيار وتلك القائمة، وأنا أقصد تماماً، كلمة المباشرة في سياق اختيار الشعب التونسي، فقد يصح، وقد لا يصح بالتبعية، إن هناك تدخلات بالمال من قبل الدولة الخليجية هذه أو تلك، وقد يصح أن الشعب نظر في حال الثورات من حوله فأراد (تجربة) استبقاء نظام “بن علي” من ناحية، وكسب المنجزات الثورية من ناحية أخرى.                                   

لكن الحقيقة أن الشعب التونسي اختار، وتلك نتيجة الصندوق، وأننا كإسلاميين لطالما عانينا، في الجزائر وغزة ومصر من القفز فوق نتيجة الصندوق لما جاءت في صالحنا، وجلّ الشكوى أن الشعوب اختارتنا بإرادتها، فإن اختارت الشعوب غيرنا بإرادتها المباشرة، فلا يجوز لنا أن نتحدث في إملاءات وغير هذا، إذ إننا نحتكم إلى الصندوق لا أكثر.                                                           

أما كون حركة النهضة خرجت من السياق، فذلك ما لا نريده من متطرفي الطرف الآخر، وإلا فماذا عن قوائم الرئيس المرزوقي؟ وكون الشيخ الغنوشي أراد الاحتماء بالمركز الثاني.. كل هذه الأقاويل تتمة للزوبعة في فنجان، فلم يختر الشيخ لنفسه وإنما اختار التونسيون، وليس اختيار الشعب التونسي هذا بأول أو بآخر اختيار، هذا من ناحية، ومن ناحية أساسية ندافع عن الديمقراطية المباشرة، أياً من كان من تأتي به معنا أو علينا، لكن الاختيار الأمثل هو احترام من يأتي به الصندوق في مدة معينة، ثم “ينصب” الصندوق من جديد، ولا انقلاب ولا بالقول، وشتان الفارق بينه وبين الفعل، على اختيار الشعوب.. هذه هي الديمقراطية برأي العقلاء، طالما ارتضيناها أياً ما كان اسمنا ومسمانا، و”تلك” هي الأشياء الأخرى.. فلا تسيؤوا إلى أنفسكم بها..                                                                 

 

Exit mobile version