الناس بين القوة والحق

الناس إلا من عصم الله أتباع للقوة لا للحق، فتش في كثير من النزاعات تجدهم وقفوا إلى جانب القوة

الناس إلا من عصم الله أتباع للقوة لا للحق، فتش في كثير من النزاعات تجدهم وقفوا إلى جانب القوة.

عندما يكون رافعو لواء الحق ضعفاء تجد الناس ترميهم بما كبر وما صغر، وتجد معدل من يلتحق بهم ويكثر سوادهم قليلاً، ثم حين تقوى شوكتهم، وتظهر قوتهم يزداد عدد الملتحقين بهم.

ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال؛ فكم عدد من التحق به في مكة مقارنة بمن التحق به في المدينة، ثم كم عدد كل هؤلاء مقارنة مع من التحق به بعد أن ظهر على قريش وفتح مكة؟!

عندما حارب الحسين رضي الله عنه يزيداً كان أهل العراق يعرفون أين الحق، وأين الباطل، لكنهم مع ذلك وقفوا مع الباطل لسبب بسيط؛ أن القوة معه.

ولذلك اشتهرت تلك الكلمة التي وُصِفوا بها: “قلوبهم معك وسيوفهم مع يزيد”.

في تاريخنا الإسلامي نجد أبا حنيفة يُجلد ويموت في السجن، ومالك يُضرب حتى يعجز عن رفع يده، والشافعي يُسجن، وأحمد يُجلد حتى يغيب عن الوعي، والسرخسي يُسجن في بئر، والنووي يُنفى، وابن تيمية يظل في سجنه حتى يموت، وفي غالب تلك الصور كان الناس يعلمون أنهم مظلومون، وأن الحق معهم، ومع ذلك لم يتحرك لهم أحد!

بل ربما وقف البعض مع خصومهم لذلك السر الذي يعلمه الجميع: القوة..

في قضية فلسطين لا يحتاج الأمر لأدلة ليعرف الناس أن الحق مع العرب، تقريباً الكل يعرف هذا، وتقريباً الكل يقف ضدهم؛ لأن القوة ليست معهم!

من يشك في ذلك فلينظر من حوله، فقد ابتلعت تايلاند مملكة فطاني ولم يتكلم أحد، وابتلعت إيران الأهواز ثم بلوشستان، ولم يتحرك أحد، وابتلعت الهند كشمير، وابتلعت الصين تركستان الشرقية، وذهبت أكثر من عشر دول في بطن الدب الروسي، ولا ترى أحداً يتحرك إلا حيث يتحرك مؤشر القوة.

وفي الجملة، لا يقع نزاع بين قوي وضعيف إلا كان الحق مع الضعيف؛ فأقصى ما يفعله الضعيف أن يدفع عن حقه، وأقل ما يفعله القوي أن يكف أذاه.

لذلك وحتى لا يطول بنا القول؛ فإن الركون إلى قوة الحق فقط، والتعويل على أن الناس تحركهم المبادئ، هو ركون إلى سراب، فالمحرك الأساس لأغلب الناس هو المصلحة، فإما أن يرجوك لدنياهم، أو يخافوك عليها؛ وإلا فلن يقفوا معك،

ولن يتورعوا عن الوقوف ضدك، حين تقتضي مصلحتهم ذلك.

فلابد للحق إذاً من قوة تدعمه، وتنافح عنه، بل وتجذب إليه.

فالقوة لها وهجها الذي يجعل الأسود أبيض، كما للضعف ضلاله التي تجعل الأبيض أسود.

لذلك لابد لأي كتلة اجتماعية أو سياسية ابتداء من الفرد وصولاً إلى الأمة أن تعمل على تحقيق القوة في جميع النواحي، قوة في الاكتفاء الذاتي في جميع النواحي، وأولها “القوة الذهنية” العقول القادرة على الابتكار والاختراع، وصنع الحلول، إذا تمكنا من الاكتفاء في مثل هذه العقول ووضعناها في المكان المناسب لها، وحولنا المجتمع إلى مجتمع منتج للمعرفة، فإننا نكون قد عبرنا أهم مرحلة نحو القوة.

خاتمة القول: إن القوة تُبنى ولا تشترى ولا تستأجر، ومن يعتمد في بناء كيانه وتنميته وحمايته على قوة غيره يغامر بوجوده، ويصدق فيه ولو بعد حين قول المتنبي:

ومن جعل الضرغام بازاً لصيده     تصيده الضرغام فيما تصيدا

Exit mobile version