الشكوك في حقيقة التحالف الدولي ضد «داعش»

فجأة تغيِّر إدارة “أوباما” إستراتيجيتها للتحرك في المنطقة لإيجاد تحالف دولي ضد ما يسمى بـ«داعش»

فجأة تغيِّر إدارة “أوباما” إستراتيجيتها للتحرك في المنطقة لإيجاد تحالف دولي ضد ما يسمى بـ«داعش»، نداءات دول المنطقة قبل شهور لإسقاط نظام الطاغية “بشار” لم تحرِّك ساكناً عند هذه الإدارة، بالرغم من الجرائم الوحشية وانتهاكات حقوق الإنسان والإبادة والقتل لأكثر من 300 ألف قتيل في سورية، وغيرهم من الأسرى والجرحى، ولجوء أكثر من 5 ملايين سوري.

في حين أن النظام السوري يمتلك جيشاً عسكرياً منظماً وتحالفاً عسكرياً مع إيران، ودعماً من روسيا، وصمتاً دولياً، وجرائمه يومية؛ بما يقتضي تشكيل تحالف ضده، وهذا لم يحدث.

“داعش” كـ«كتلة احترابية» ومجموعة «تطرف متعددة الاتجاهات بدون هدى ولا وعي»، لا تمتلك جيشاً نظامياً، ولا يتجاوز أعداد هذه الكتلة عن 20 ألف مقاتل و30 ألفاً، وفق مصادر “سي آي إيه”، ولا تمتلك أي تقنية متقدمة في الآلات والمعدات العسكرية، ولا طيراناً ولا قوى برية مدربة، ولا تسيطر بشكل ثابت على جغرافية محددة، وإنما هي جغرافية زئبقية، وتعتمد على حروب الكر والفر.

ومع ذلك، فإن إدارة “أوباما” تنتفض وتتحرك بسرعة قصوى لإيجاد تحالف قتالي مدعوم بأدوات وجيوش حربية من الولايات المتحدة وما يقارب 40 دولة متحالفة معها، وفق تصريحات “جون كيري”؛ وذلك لمواجهة هذا التنظيم المتطرف الذي في الحقيقة يتخفى بضبابية من الغموض في أهدافه والفساد المتعدد الأوجه، فهو يكرس التمزق والضعف للمحتوى السُّني، ويتيح المجال لتنتعش دكتاتورية الطاغية “بشار” ويستمر الحكم الطائفي في العراق، ويهدد القوى الثورية الحقيقية لاستعادة حقها وفرصتها في سورية والعراق ورغبتها في نظام عادل.

إن ضربات حقيقية من الجيش الأمريكي على المقرات والأهداف المقاتلة لـ”داعش” كافية وبسرعة قياسية لإجهاض هذا التنظيم، ولا تحتاج هذه الكتلة البائسة تأسيس تحالف يزحف لقتاله، لكن يبدو أن ما يعلن عن أغراض هذا التحالف ليس هو الحقيقة.

يشكك مراقبون ومحللون أن يكون هدف التحالف الأمريكي هو فقط لضرب “داعش”، ويذهب البعض الآخر لأبعد من ذلك، ويعتقدون أن هذا التحالف سيستمر لمعالجة حالة عامة في المنطقة العربية.

 إنه نظراً للاضطراب والتغيير المستمر على أرض العرب، والذي بدأ منذ عام 2010م بثورات “الربيع العربي”، وتبعتها الثورة المضادة بعنف في مصر وسورية وليبيا وتونس واليمن والعراق، أوجدت حالة من اللا استقرار لأهداف الولايات المتحدة التقليدية الثابتة منذ عام 1948م المتمثلة في استقرار انسياب النفط، وحماية أمن “إسرائيل”، فالجوار “الإسرائيلي” غير مستقر بسبب خلخلة النظام السوري الذي أمن حدود “إسرائيل” لعقود مضت، ولنجاح “حماس” في غزة في مواجهة العسكرية “الإسرائيلية” في حرب “العصف المأكول”، وعدم استقرار اليمن، وتقدم الحوثيين لإسقاط العاصمة صنعاء، وتحدي “داعش” في العراق الذي هدد المكونات الاجتماعية فيه، ورفع منسوب الطائفية، وأوجد قناعة أن مرتكزات المصالح الأمريكية من الجيش العراقي والبيشمركة الكردية لم تستطع أن تواجه ثورة سُنية وقوة “داعش” في آن واحد.

لقد حاولت الولايات المتحدة إبان السنة الماضية أن تعتمد على إيجاد توافقات وتفاهم مع إيران وبعض الدول الخليجية على العمل  لضمان احتواء المتغيرات الجديدة في مصر وسورية والعراق واليمن وفلسطين، ولكن يبدو أن الاعتماد على ذلك وحده ليس كافياً، وقد وجد تحدياً حقيقياً، فقد نجحت “النهضة” وتحالفها في تونس من المضي في كتابة الدستور، والسير نحو انتخابات رئاسية حقيقية، وتدشين نظام ديمقراطي جديد، وفي ليبيا استعاد الثوار الليبيون المبادرة ضد الثورة المضادة وسيطروا على طرابلس وبني غازي وما يقارب 90% من أراضي ليبيا، ويتجهون قريباً أيضاً لإقرار الدستور الجديد، وفي سورية أثبت الثوار صمودهم الأسطوري ضد النظام الوحشي، بالرغم من قلة الحيلة وندرة الدعم وهم يواجهون النظام و”داعش” في نفس الوقت؛ بما يعكس إصرار الشعب السوري على تحقيق نصر في معركته ضد النظام السوري، وفي العراق سقط “المالكي” سياسياً، وتقدم الثوار السُّنة لاستعادة حقوقهم من جديد في معادلة الحالة السياسية والإستراتيجية، لولا فتنة “داعش” وجرائمها التي تشكل تهديداً للمحتوى السُّني بشكل مباشر.

وفي اليمن، بالرغم من تقدم الحوثيين إلى صنعاء، ومحاولة إقصاء التيار الثوري والإصلاحي من الحالة السياسية، فإنهم فشلوا في ذلك مع ثبات هذا التيار داخل منظومة الاتفاق والتفاهم والعمل من خلال الدولة وشرعيتها ومقاومة الحوثيين في الجوف، أما في مصر، بالرغم من مرور أكثر من سنة على الانقلاب فإن صمود الحالة الثورية وإنهاك الانقلاب مستمر، وفي غزة كان المخطط هو نزع سلاح المقاومة بحرب افتعلتها “إسرائيل”، وصمود وتفوق التكتل الإستراتيجي للمقاومة أفشل ذلك المخطط.. وعليه، فإن حالة المحتوى الثوري والإصلاحي ما زال في إطار الصمود والثبات، ويشكل تحدياً لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة.

هذه الحالة غير المستقرة والصمود والثبات يكشف تيار الردة الدولي عن الديمقراطية والحريات والحقوق، ويعري أدوات الردة العربية، وهذا الصراع أعطى فرصة كبيرة لتجدد حالة التطرف “الداعشية” في المحتوى السُّني بامتدادها جغرافية العرب وتمركزها في سورية والعراق بشكل خاص وبعض الدول العربية.

لم تكن “داعش” حالة تقدم في الحياة العربية والإسلامية، ولا هي حالة جهاد صافية ضد المستعمر أو الدكتاتورية، ولا هي خلافة إسلامية على منهاج النبوة؛ لذا فإن الشكوك والغموض وعدم الفهم ينتاب المخلصين في تفسير ظاهرة “داعش” وتناميها وتغولها على أهل السُّنة والجماعة في المنطقة، ولذا لا يوجد لـ”داعش” حاضنة اجتماعية سُنية حقيقية سوى قطاعات من المظلومين والشباب المتحمسين لقتال الكافر والعدو، وهي كالمنشار ذي الطرفين؛ ينهش في جسد أهل السُّنة في سورية والعراق، وينشر من أطراف الأعراق والمخالف الديني، لكن “داعش” إلى الآن لم تثخن في أي عدو إستراتيجي كالولايات المتحدة و”إسرائيل”، ولا خصماً ذا مشروع متطرف وطائفي كالإيرانيين.

لذا، فبالتأكيد أن “داعش” تمثل فرصة مميزة لإدارة “أوباما” لرسم سيناريو مواجهة تحت عنوانها، ولتحقيق مجموعة من الأهداف المرحلية، ولتنفيذ سيناريوهات محتملة تتناسب والمتغيرات الجديدة والسريعة في المنطقة العربية، خصوصاً وأن السيد “كيري”، وزير الخارجية الأمريكي، قد صرح بأن التحالف الجديد ضد “داعش” لن يكون موجهاً لـ”داعش” وحسب، بل للإرهاب في المنطقة، والآن ما هو صندوق الإرهاب في المنطقة؟ وما محتوياته؟!

– صنَّف الانقلاب في مصر جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية في مصر وليبيا و”حماس” في قائمة الإرهاب.

– دول خليجية صنفت جماعة الإخوان المسلمين وجماعات سُنية تحمل السلاح في المنطقة جماعات إرهابية.

– الطاغية “بشار” صنَّف الثوار السوريين وغالبيتهم من الإسلاميين في خانة الإرهاب.

– إيران صنَّفت الثوار السوريين والعراقيين جماعات إرهابية، وحرصت في أكثر من موطن على أنها ترغب في المشاركة في الحرب ضد الإرهاب.

– ضغطت بعض الدول الخليجية على الحكومة البريطانية لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، وقامت الحكومة بتشكيل لجنة لتدرس هذا الطلب!

– طبعاً “إسرائيل” تعتبر “حماس” وحركات المقاومة في فلسطين وفي سورية وجماعة الإخوان المسلمين جماعات إرهابية، وتطالب مجلس الأمن بنزع سلاح “حماس”.

إذن أكثر من تقرير وتحليل سياسي ومعلق إستراتيجي يظن أن التحالف الدولي ضد “داعش” والذي دشنته الولايات المتحدة مع 40 دولة ليس إلا مقدمة للتحرك ضد أجسام مختلفة من القوى الثورية والسياسية في المنطقة، وليست لـ”داعش” وحدها، وهذا التحالف الذي ستقوده الولايات المتحدة سيكون حربه في الجغرافيا السُّنية بالذات، وأدواته بإمكانات عربية وسُّنية بالدرجة الأولى، ليصبح احتراباً عربياً سُنياً سُنياً، إذ إن الإيرانيين والأتراك توقفوا عن الولوج بقوة في هذا التحالف، وربما لو نجح هذا السيناريو فإنه سيساهم في:

1- احتواء تنظيم “داعش” عسكرياً وجغرافياً والسيطرة عليه وليس القضاء عليه بالكلية، وجعله محرقة لكل الشباب العربي المستغفل والمندفع بلا وعي في حالة الجهاد “الداعشية”.

2- محاولة تفتيت القوى الثورية السُّنية السورية التي تواجه نظام “بشار” المجرم، ودمجها في منظومة عسكرية مسيطر عليها، وإيجاد سيناريو إسقاط رأس النظام المتمثل في “بشار” ومساعديه؛ لإيجاد توافق بين الجسم المعدل للنظام السوري السابق والجسم المعدل لقوى الثورة السورية؛ لاستوائها على صراط السياسة الأمريكية في المنطقة.

3- محاولة نزع سلاح المقاومة في غزة، وإفشال المصالحة الوطنية الفلسطينية، وإدخال التحالف الدولي الجديد في حصار غزة والمقاومة بسلاح دولي.

4- دعم النظام الانقلابي في مصر بغطاء دولي في حربه ضد قائمة الإرهاب التي صنفها، ودعم الاتفاق الذي تم بين النظام في مصر وحكومة عبدالله الثني في ليبيا والتي تمثِّل انقلاب “حفتر” وبرلمان طبرق.

إن النتيجة النهائية المتوقعة من هذا التحالف لو نجح (وفي ذلك شك وصعوبات كبيرة!) هي إفشال ثورات “الربيع العربي” والإسلام السياسي في المنطقة، وإنهاك المنطقة بالتطرف الاحترابي، وتفتيت المحتوى السُّني واستضعافه، وسلامة أمن “إسرائيل” لفترة متقدمة من الزمن، والضغط على إيران للتفاهم في الملفات المتبقية.

وفي الحقيقة، إن هذا السيناريو معقد، خصوصاً وأن إيران وتركيا لم تنضما إلى هذا التحالف، وسيجد مقاومة حقيقية عندما يبدأ هذا التحالف على الأرض؛ لأنه سيتبين للناس أين اتجاهه؛ هل هو باتجاه “داعش” إجبارياً أم لسيناريوهات أخرى.

 

 

 

 

Exit mobile version