الأصايل لا يركبها الجُنب

التحول من الأصالة للتكديش.. ومن الاستقامة إلى الانحراف.

التحول من الأصالة للتكديش.

ومن الاستقامة إلى الانحراف.

ومن الإنسانية إلى الغوغائية والتوحش.

وأنْ يسوس القوم أرذلهم.

وأن يتسيَّد الناس الرويبضات والجهلة.

وتكتمل المصيبة بعمى الألوان وعدم التفريق بين الغث والسمين.

للعرب مع خيولهم تقاليد غاية في الرقي، فهم يختارونها بدقة وبروايات موثقة لأصولها وسُلالاتها كما يتخيرون لنطفهم لأن العرق دساس.

ومن يعنى بالخيل ويعرفها بدقة يسمى “سايس”، يستخدم عقله فهي لا تروض بالقوة.

التقيت بعض الأصدقاء من عشيرة “المجالي” في عزاء بالأخ المرحوم بإذن الله نايل الشامي, زوج الفاضلة سخاء المجالي، فتعرفت على الشيخ عبدالقادر باجس المجالي.

كان صامتاً والحضور يتناولون أطراف الحديث، ولربما توهمت أن صمته بسبب كبر سنه أو لمحدودية ثقافته، أو تلهّيه بآلامه وأمراضه، أو لعدم اكتراثه بموضوع الحديث.

ومرة واحدة شعرت أنني أمام رجل صاحب ثقافة واسعة، وأصالة عميقة، ونظرة ثاقبة، ووفاء مميز، فكان مما قال: اشترى لي والدي فرساً ففرحت بها فقال لي: “يا ولدي هذه “مخلدية” لا يركبها “جُنب” وإذا أقبلت حيَّاها كل من رآها”.

مخلدية أي من سلالة خيل خالد بن الوليد، رضي الله عنه، ثم قال: خالد الذي تقطعت بيده تسعة أسياف وفي آخر النهار صرخ في أذن فرسه وقد أعياها التعب قال: “أستحلفك بالله أنْ تشتدي بقية هذا اليوم وإلا شكوتك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وانتفضت وقاتل عليها بقية يومه في معركة مؤتة.. وكان مما قال: “أقسم بالله أنني أطلب الشهادة على أرض فلسطين، وأن بندقيتي عندي، احتفظ بها رجال يعيدون لك الأمل والعزة والكرامة تتأكد أن الخير مزروع في الأردنيين. 

إنه الفقه النظيف الطاهر. 

هل سمعتم قول الشيخ؟ الجنب لا يركبون الخيل الأصايل، وهي حيوانات لا تعقل، عُرْفٌ متقدم وحس بدوي عالٍ مليء بالمعاني المتقدمة والرمزية الكبرى.

فكيف بالآدميين ذوي الإحساس والكرامة والمروءة؟ لا يليق ظهر الجواد بجُنب مع أن الجنابة ليست جرماً ولا خطيئة لكنه قمة التكريم.

الأدهى والأخطر والأقذر من الجنابة الحسية الجنابة السياسية وجنابة الوعي وجنابة الذوق وجنابة الكرامة.

هل يصح لهؤلاء اعتلاء ظهور الآدميين المكرمين؟

وهل لهم اعتلاء ظهور القرارات المصيرية؟

وهل لهم اعتلاء ظهور حاضر الشعوب ومستقبلها؟

كم هي الفجيعة عندما يكون العقل الملوث المخدر هو المستأمن على الناس؟

ماذا يمكن أن نسمي الاستهتار بمقدرات الشعوب وعقلها؟

ماذا يمكن أن نسمي من يعمل ضد نفسه وضد مستقبله وضد وطنه؟

ماذا يمكن أن نسمي من يفرط بحقوقه لتصبح في مهب الريح؟

ماذا يمكن أن نسمي من يستجيب لنداءات أعدائه بينما لا يستمع لاستغاثات أصدقائه وأهله؟

إنها جنابات الوعي والعقل والقلب التي لا يطهرها الماء ولا التراب ولا يطهرها إلا التوبة الحَقّة.

ترى، فالذين يتركون شعب غزة يواجه الموت والدمار والمكر والكيد، ويحاصرون بكل أشكال الحصار وهو مثلهم عربي مسلم.. أليسوا جنباً في فهمهم وعملهم، وعليهم التطهر من حدثهم الذي أحدثوه؟!

تحية لباجس المجالي وذريته، وشكراً لمن تعلمت منه درساً عظيماً لم أقرأه في كتاب.

 

Exit mobile version