وقُيِّدت القضية ضد جاموسة!

كم من الجاموس سيحتاج قضاء “السيسي” لتقييد جرائم الانقلاب اليومية!

حادث تصادم قطارين عند قرية العياط عام 2009م واحد من حوادث كثيرة أُهرقت بسببها دماء العشرات من المصريين على قضبان السكك الحديدية في مصر، وحينها قال حمدي الطحان، رئيس لجنة النقل بمجلس الشعب: إن السبب الرئيس في الحادث أن سائق قطار الفيوم صدم جاموسة، كانت تتمشى بالصدفة على قضبان السكة الحديد!

هكذا برر رئيس لجنة النقل بمجلس الشعب آنذاك الجريمة وحمل المسؤولية لـ”جاموسة”، ولا عزاء للبهائم!

سيناريو مكرر استخدمته السلطة المصرية قبل الخامس والعشرين من يناير لتبرير فشلها وقصورها وتقصيرها، يسقط عشرات القتلى والمصابين، ويسقط الخبر على الناس كالصاعقة، وتستهين السلطة بالمشاعر الهائجة والقلوب المكلومة وتخرج علينا بتبرير أحمق، مخاصم للمنطق، يردده ببغاوات الإعلام وتصدقه البهائم.

وبنفس هذا المنطق المتهافت تبرر لنا “جمهورية مبارك الثانية”، ما حدث ومازال يحدث من مذابح وانتهاكات لأبسط حقوق البشر.

ففي مصر المنقلبة مازالوا يبحثون عن المسؤولين عن القتل العمد لركاب سيارة “ترحيلات” أبو زعبل، صندوق الموت الذي حشروا فيه بشراً ليس لهم أي ذنب سوى الظن بأنهم من معارضي الانقلاب، فهناك 5 معتقلين قبض عليهم في كمين خارج رابعة على طريق القاهرة السويس.

وكانت المجزرة قد وقعت يوم 18 أغسطس 2013م، حيث لقي 37 معتقلاً مصرعهم بعضهم معارض للانقلاب وبعضهم اعتقل بالصدفة في الكمائن التي كانت منتشرة في القاهرة والمحافظات آنذاك، لقوا مصرعهم اختناقاً وحرقاً من قبل سجانيهم بعد أن حشروا لساعات في جو حار جداً داخل سيارة “ترحيلات” في طريقها لسجن أبو زعبل، ولم ينجُ منهم إلا القليل.

القضية واضحة، والوصول للفاعل القاتل والآمر بالقتل أمر سهل لو لم يكن المحقق والقاضي هو الإرهابي القاتل! وهذه مناقشة سريعة لجريمة قتل المصريين في سيارة ترحيلات أبو زعبل.

في المرحلة الأولى:

من أمر بحشر 45 من البشر في سيارة نقل لا تصلح لنقل البهائم، لا تزيد سعتها عن 24 فرداً، ولم يستطيعوا إغلاق باب السيارة وهو من “ضلفتين” إلا بضغط أجساد البشر المحشورين فيها عنوة؟

سيارة الترحيلات مساحتها 6 أمتار، وسعتها القصوى 24 شخصاً، تم تحميلها بـ45 شخصاً؛ أي بمعدل 7 معتقلين في المتر المربع الواحد (وهذا بحد ذاته شروع في قتل السجناء؛ نظراً لضيق نوافذ السيارة وانعدام التهوية في يوم حار جداً).

المتهمون بالشروع في القتل في هذه المرحلة هم كل من قام بالتخطيط للترحيلات بالوزارة، ثم مأمور قسم مصر الجديدة، ثم قائد مأمورية الترحيلات وهو بالتحديد نائب المأمور (المقدم عمرو فاروق الذي جاء ذكره في أقوال أحد شهود العيان الناجين وهو محمد عبدالمعبود إبراهيم بقرية هربيط مركز أبو كبير شرقية).

وفي المرحلة الثانية:

من ترك المعتقلين محشورين بسيارة، ليست إلا علبة من حديد، بساحة السجن لأكثر من 10 ساعات في درجة الحرارة في ذاك اليوم قاربت الـ40 درجة مئوية، وتيار هواء يكاد يكون متوقفاً، محاطة بالمجندين، بينما الضباط في الاستراحة يضحكون ويتسامرون ويستمتعون بشرب الماء البارد والمرطبات.

من تعمد عدم مد المعتقلين بالماء وهم يتساقطون من شدة العطش والاختناق، ومن الذي تجاهل الاستغاثات ولم يستجب لها حتى تلاشت بعد أن خارت قواهم ولا يستبعد أن عدداً كبيراً منهم قد لقي حتفه بالفعل أثناء هذه المرحلة.

المتهمون بالقتل والشروع في القتل في هذه المرحلة هم نفس المتهمين في المرحلة السابقة، ويضاف إليهم المسؤولون عن قطاع السجون، وبصفة خاصة مأمور السجن وغيره من مسؤولي السجن.

وفي المرحلة الثالثة:

وهى المرحلة التي تشكِّل لغزاً كبيراً؛ وهي مرحلة الهجوم بالغاز، فهناك روايتان للضباط القتلة الإرهابيين.

أولاهما: أن القتلة (وهم ربما أربعة ضباط) قذفوا قنبلة غاز مسيلة للدموع داخل السيارة؛ بهدف السيطرة على السجناء الهائجين وتخليص أحد الضباط من أيديهم!

السيارة مغلقة بإحكام، والمعتقلون في حالة من الإجهاد والإنهاك الشديد، فكيف يختطفون أحد الضباط؟!

وأني لقنبلة غاز أن تخترق كل هذه الأجساد المكدسة وتجد طريقها لداخل السيارة؟

يمكن أن يكون هؤلاء الضباط المجرمون الإرهابيون قد ضخوا غازاً قاتلاً داخل السيارة أودى بحياة هؤلاء الأبرياء، أما أن نصدق أن قنبلة قد ألقيت في السيارة لتخليص ضابط احتجزوه في سيارة مغلقة وهم في حالة من الإعياء، شبه موتى، فهذا خبل وسذاجة لا تنطلي حتى على البهائم.

ثاني الروايتين: أن القتلة استخدموا الرادع الشخصي (لعلهم يقصدون العصا الكهربائية) للسيطرة على السجناء وتخليص الضابط الأسير لدى السجناء! وهل يقتل الرادع الشخصي 37 شخصاً دفعة واحدة!

الآمرون بالمجزرة والمنفذون لها معروفون بالاسم وبالصفة، ويمكن الإتيان بهم بسهولة، لو كانت في مصر دولة، ولو كان في مصر قضاء!

لقد ورثت جمهورية الانقلاب مؤسسات فاسدة دأبت على التلفيق والتبرير للفساد والإهمال واللصوصية والعمالة والقمع، من بينها ومن أهمها مؤسسة القضاء الفاسد أباً عن جد منذ مذبحة “دنشواي”، مذبحة دنشواي التي تتوارى خجلاً أمام المذابح اليومية التي يتستر عليها قضاء “الزند” الذي يقوم بدور التيس المستعار لجرائم الانقلاب.

لقد قيَّد قضاء “مبارك” الفاسد قضية قطار العياط في عام 2009م ضد جاموسة! فكم من الجاموس سيحتاج قضاء “السيسي” لتقييد جرائم الانقلاب اليومية!

ولا عزاء للبهائم!

 

 

 

 

 

 

 

Exit mobile version