مشاهد من رحلتي للاجئين الآراكانيين في الهند

بين الألم والفرح، كثيراً ما كنت أقرأ تلك الجملة، لكني ما كنت أعرف يوماً معناها، إلا ذلك اليوم عندما حملت أوراقي وحقيبة سفري متجهة إلى هؤلاء التي دمعت عيني لحالهم قبل أن أراهم

بقلم: جنان العنزي

بين الألم والفرح، كثيراً ما كنت أقرأ تلك الجملة، لكني ما كنت أعرف يوماً معناها، إلا ذلك اليوم عندما حملت أوراقي وحقيبة سفري متجهة إلى هؤلاء التي دمعت عيني لحالهم قبل أن أراهم 
أو أتعامل معهم عن قرب في مأساتهم، جمعني بهم إنسانية الروح ووحدة الدين وصدق المشاعر وتشابه الحلم.

لقد ذهبت إلى مسلمي آراكان اللاجئين في الهند ضمن المرحلة الأولى لحملة صرخة بلا صوت، وكانت السفرة لتنفيذ البرنامج الإغاثي، لست هنا لكي أصف الواقع وفقط، بل لكي أؤكد لكم أن ما قلته لكم بالأمس وقبله عبر شاشات التلفاز وعبر اللقاءات الصحفية والمقالات والحوارات والندوات والمؤتمرات لا يمثل إلا جزءاً بسيطاً من مشهد إنساني مؤلم، لولا حرصي على عدم الانهيار ما كان لي أن أتحمل.

أطفال حتى ابتسامتهم مملوءة بالخوف، بشر مثلنا خلقوا لكنهم يعيشون بقسوة، فاقدين لكل ما تعنيه الحياة من معنى، شباب يخيم الصمت على نفوسهم، فلا تكاد تسمع لهم صوتاً، رجال أعياهم الصراخ والألم وعجز الحال، نساء لم تضع فقط أحلامهن، بل ضاعت أحلام صغارهن في عيش كريم وشعور بالاستقرار.

في مخيمات الهند هناك 7 مخيمات تختلف في عددها وتعدادها، ولكنها تتفق في همومها وآلامها، في تلك المخيمات قصص لمأساة شعب كل إشكاليته أنه مسلم يدين بالإسلام، هجروا من أرضهم، ومورس ضدهم كل صنوف الظلم والطغيان الروهينجيا في فترة السبعينيات، مات ما يقر ب من 250 ألف لاجئ في دول اللجوء التي تمتد من الهند إلى تايلاند وبنجلاديش والفلبين، عرفت الآن لماذا مات هؤلاء بعد أن رأيت أوضاعهم وواقعهم.

استطعنا أن نوفر لهم بدعم أهل الخير عشرات الأطنان من المواد الغذائية التي قد تكفي لشهر أو أكثر بقليل كانت لهم سعادة وفرح وبشارة رأيتها في عيون الأطفال، كما قمنا بتنظيم حفل إنساني لأسر الأيتام حضره ما يقرب من 5 آلاف أسرة، وقد كانت فرحتي لا توصف في هذا الحفل؛ لأنني رأيت السعادة في عيونهم، جلست بقربهم، أكلت معهم، وضعت يدي على رؤوسهم، شعرت بأن الدنيا تتسع لي.

لن أتوقف، سأظل أحاول كي أقدم لهم ما يعينهم، هي قضيتي نعم، ولكني أضعها بين أيديكم، فلن يستطيع شخص مهما بلغ أن يعيد إليهم حقوقهم المسلوبة، لذلك هي مناشدة لكل مؤسسات العالم الحر، وكل ضمير إنساني أن نتحرك من أجل أن ننقذ من تبقى منهم على قيد الحياة، إنهم لاجئون، بلا هوية، بلا وطن، بلا سكن، بلا طعام أو شراب، فقط ينتظرونكم ينتظرون أياديكم.

 

Exit mobile version