العراق يكشف نفاقنا!

هذا ما جاء في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية الشهيرة في 12/8/2014م، وبعد المجازر التي حلت بكافة طوائفه وأقلياته بدون استثناء، ولا يوجد أدنى اختلاف بين العراقيين كافة أن “داعش” صناعة استخباراتية دقيقة، غضت القوى العظمى – وخصوصاً الولايات المتحدة – الطر

هذا ما جاء في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية الشهيرة في 12/8/2014م، وبعد المجازر التي حلت بكافة طوائفه وأقلياته بدون استثناء، ولا يوجد أدنى اختلاف بين العراقيين كافة أن “داعش” صناعة استخباراتية دقيقة، غضت القوى العظمى – وخصوصاً الولايات المتحدة – الطرف عن نشوئها ونموها وتمويلها، وعندما كبرت وتمكنت بدأت تعض اليد التي ربتها، فجاءت عملية ذبح الصحفي الأمريكي “جيمس فولي” في 19 أغسطس لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير.

إن جذور “داعش” في منطقة الجزيرة الفراتية في الأعوام التي سبقت الثورة السورية كانت ضعيفة، تقوم أصلاً على أخذ الإتاوات من التجار والمزارعين والأطباء وكل ذوي المهن، باسم الإسلام وبرعاية المخابرات السورية وبعلم الأمريكيين وبتواطؤ أجهزة الأمن العراقية التي شاركتها في عمليات النهب والسلب والاختطاف، وهذا ما يعرفه سكان الموصل وما حولها خير معرفة.

منذ عام 2012م استغل النظام السوري “داعش” كما هو معلوم لضرب الحركات الجهادية في سورية ودولها، ودرب أعضاءها على استخدام الأسلحة المتطورة، وهو ما شاهدناه ولمسناه عندما انهزم جيش “المالكي” أمامها شر هزيمة في الموصل، واستولت “داعش” على أسلحته، وأخذوا باستخدامها بكفاءة في تطوير هجومهم نحو المدن الأخرى، فحين دخولهم الموصل شعروا بالقوة التي تمكنهم من التمرد على أسيادهم، ولخداع أتباعهم السذج الذين أوهموهم بقيام الخلافة؛ فكانت غلطتهم المميتة في هذه المدينة العريقة التي ستلفظهم كما لفظت كل الغرباء من قبل.

والظاهرة “الداعشية” ليست ظاهرة خارقة كما يعتقد البعض، إذا ما وضعنا في حساباتنا هذه المعطيات، فهي نموذج متطور للاستعمار الفكري والاقتصادي، والذي يطور نفسه جيلاً بعد جيل حسب ما تقتضيه مصالحه!

أما الغطاء الإيديولوجي الديني الذي مثله كبيرهم وهو على منبر نور الدين زنكي – رحمه الله – فهو غطاء ديني مزيف باسم السلفية الجهادية، رعته وشحذته المخابرات الأمريكية في سجن “بوكا” العراقي ذائع الصيت وباقي سجونها، حيث يدخل المتهمون ويعزلون في زنازين خاصة مع شيوخ ذوي لحى كثة، ثم تمارس في هذه الزنازين مختلف الشعائر المعدة سلفاً لتكريس الفكر المشوه الذي تمارسه “داعش” مع توفير كافة المطبوعات والمنشورات التي تعمل على غسيل أدمغة المتهمين فيخرجون كالدمى التي تتقاذفها الأمواج، وينفذون ما يطلب منهم بحذافيره على أساس طاعة الأمير والسير تحت لواء الجهاد حتى لو كان الجهاد بقطع الرؤوس.

لقد كانت فلسفة إشاعة الرعب بهذه الأساليب مرسومة بغاية الدقة والخبث، وانساق خلفهم جهلة التاريخ والدين حتى تحولوا إلى أداة لهدم الدين باسم الدين، وصاروا صورة قبيحة مشوهة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإسلامي.

وفي سجن “بوكا” وغيره علموهم بأن السرقة غنائم، وحشوا رؤوسهم بمفاهيم مغلوطة مشوهة عن الجهاد والجزية والحجاب وغيرها من الأمور، فصارت السرقة والابتزاز جزية، وقطع الرؤوس جهاداً، حتى بلغ الأمر حداً لا يمكن تخيله من السذاجة فمنعوا المخللات وبيع الكرزات والحفاضات النسائية وحفاضات الأطفال وإلى غيرها من الأمور التي جعلتهم مضحكة التاريخ.

إن الإخراج الاستعماري لهذه المسرحية المرعبة ركز أن يتم كل شيء باسم الدين وتحت رايته، ولو تأملنا بدقة الأفلام المعروضة لهؤلاء وهم يمثلون بضحاياهم ويستعرضون مسروقاتهم باسم الغنائم، وما يقومون به من أعمال انتحارية سبقهم إليها الحشاشون الباطنية والقرامطة قبل ألف عام لوجدنا التطابق الفكري الشديد بين الفئتين، فأولئك كانوا يطيعون أئمتهم، وهؤلاء يطيعون ما يسمونهم أمراءهم، وهم على طبقات، وأولئك انتمى لهم السذج والمغفلون واستغلوا فقر الشباب وحاجاتهم، وهؤلاء عملوا نفس الشيء تماماً.

لقد أحس الغرب وربما إلى حد ما بفداحة الجرم الذي ارتكبه وهو يتغاضى عن شذاذ الآفاق، ويجمعهم من كل مكان في العالم باستخدام وسائل الإقناع النفسية، وبالسهولة التي وفرتها لهم مواقع التواصل الاجتماعي، وبتمويل خفي؛ ليأتوا ويقاتلوا الكفر في بلادنا وهم قادمون من مستنقع الكفر!

سيكشف التاريخ زيف “داعش”، ويبين من صنعها وساقها إلى بلداننا، وسيكشف حجم النفاق والكذب الذي مارسته الأيادي الاستعمارية، قبل أن تمتد يدها لاستئصالها، فتكون هي المنقذ المنتظر، فهذا الدور قد عهدناه كثيراً، حيث يأتون إلينا محررين بعد أن يدمروا الدمى التي صنعوها بأيديهم ويدمروا معها الأخضر واليابس، وما أيام “صدام حسين” ونهايته عنا ببعيد، وكذلك من لف لفه من “القذافي” وغيرهم، وسيلحقهم “بشار الأسد” الذي سلم سلاحه الكيماوي بعد أن قتل الألوف به.

إن النفاق في الفكر الإمبريالي الغبي مسألة لا جدال حولها، ولكنه في عصرنا هذا تطور بشكل مدهش وخرج من ضيق الفكر إلى حيز التنفيذ، وأخرج لنا “داعش” وأخواتها، وشوهوا أسس ديننا ومرتكزاته الأخلاقية في المحبة والتسامح والتعايش الأخوي، وهو ما عجزوا عن فعله بأساليب شتى كالأفلام والمسرحيات والروايات والكتب التاريخية الكاذبة.

هذا الهدف الرخيص ليس هيناً، وإنما أمره عظيم، إلى أن امتدت اليد السافلة التي صنعوها إليهم، فشعروا بأن الكلاب المسعورة عندما تبدأ بالعض تنتهي بمن رباها ورعاها، لتأخذ مسرحية العراق والشام أبعاداً أخرى ستكشف عنها الأيام القادمة.

 

Exit mobile version