شكراً غزة..!

لقد كانت مدرسة “غزة” حافلة بعشرات المنافع والفوائد، وكم تردد على لسان أكثر من ناشط وراصد مقولة “شكراً غزة”؛ لكثرة الخير الذي جناه انتصار ثباتها وصمود رباطها، فقد أعادت في نفوسنا جذوة العمل لفلسطين كلها، ومنحتنا وقوداً طال انتظاره لتذويب الفروقات والا

لقد كانت مدرسة “غزة” حافلة بعشرات المنافع والفوائد، وكم تردد على لسان أكثر من ناشط وراصد مقولة “شكراً غزة”؛ لكثرة الخير الذي جناه انتصار ثباتها وصمود رباطها، فقد أعادت في نفوسنا جذوة العمل لفلسطين كلها، ومنحتنا وقوداً طال انتظاره لتذويب الفروقات والانتماءات أمام مواجهة أعداء غزة والأمة، كم تلمسنا ذلك في تعليم أبنائنا ما علمه إياناً آباؤنا ومن استقينا عنهم حب الجهاد والنضال في سبيل الحقوق والمكتسبات، لقد أراد الله لنا في غزة صحوة جديدة رشيدة تستلهم من بطولات الماضي وتحديات الحاضر ما يعين على استكمال الدرب ومواصلة السير نحو النصر والتحرير.

إن هذه المهمة السامية تتطلب مزيداً من البذل والجهد، وإن ما تحقق في غزة يرفع من سقف طموحنا؛ الأمر الذي يستلزم رفع مستوى التعبئة العامة للأمة؛ لأن شرارة المواجهة مازالت موقدة، وقد تحين أي لحظة لتعود الكرة مرة أخرى، فنحن نتعامل مع عدو متجبر متغطرس لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة.

أخذ الحيطة والحذر تتطلبها كل مرحلة وتؤكدها الإهانة التي تلقاها جيشه على إثر انتصار الرباط والثبات في معركة “العصف المأكول”، ونعتقد أن المحافظة على شعور الحماسة التي اتقدت في واقع الأمة والعالم الحر من أهم فروض هذه المرحلة؛ بتحويل هذا الانتصار إلى مشروعات تعزز من مواجهة صلف الصهاينة ودنس مخططاته، وتحقيق المطالب العادلة لشعب غزة وفلسطين، والتأكيد على أن اندحار الاحتلال هو مفتاح الاستقرار للمنطقة وشعوبها، وأن عداءنا للمشروع الصهيوني لن يبدله ويغيره مشاريع التخاذل والاستلام.

إن ما حدث في العالم الحر إبان حرب “العصف المأكول” من جهود تضافرت لأجلها القوى الحية، وتلاحمت مع الرسميين بشكل مباشر وأحياناً غير مباشر؛ تؤكد أن في هذا العالم روحاً تحيا بقيمها، وتجالد تحت راية مبادئها وتعاليمها، وتستشرف في مشروع التحرر الوطني الذي تمثله المقاومة أفقاً نابضاً يمكن أن يستعيد ما افتقدته عبر عقود ولَّت ومضت، فتحقق الريادة والسيادة لشعب أثخنته التغريبة وتجرع المر مرات على ما جنت أيدي الصهاينة والمتخاذلون من بني جلدتنا في حقه المسلوب. 

قبل أكثر من نصف قرن وتحديداً عام 1956م، كان “بن جوريون” أحد أهم رجالات الحركة الصهيونية، وأبرز من أدى دوراً في إنشاء “إسرائيل”، وأول رئيس لوزرائها، يتحدث إلى “ناحوم جولدمان”، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية (1956 – 1968م)، قائلاً: إن “الدولة اليهودية ستستمر في العشر أو الخمس عشرة سنة القادمة، ولكن احتمالات وجودها بعد ذلك هي 50%”!

إن الأيام التي قضيناها في مدرسة غزة – وما زلنا في مراحلها – أضافت لرصيدنا الكثير؛ علمتنا هذه التجربة أن مسار التاريخ يستجيب للإرادة الصلبة التي تستمد قوتها من الحق، وأنها لا تنكسر أمام الباطل مهما انتفش وتعددت وسائل إظهاره بالمنعة والقوة؛ لأن ضعفه يكمن فيه، والحق قوته مؤيدة بالله.

إننا مطالبون بالبناء على ما تحقق، وعدم الركون لما أنجز، فالله الناصر يطالبنا بأن نبذل غاية وسعنا حتى لو كنا أقل عدداً وعدة، فقد قال سبحانه: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال:60)، ولم يشترط لنصرنا أن نكون أكثر منهم منعة وإعداداً، (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ) (البقرة:249)، فالغلبة للتقوى لا للأقوى طالما أنه استفرغ وسعه في الإعداد.

ستبقى مدرسة غزة نبراساً نستقي منه المستقبل الموعود، ونرسم لنصر الأمة القادم جيلاً يستلهم من الجيل الذي قبله حتى يأذن الله بفرجه ونصره، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، سائلين الله سبحانه أن يرزقنا جميعاً صلاة في مسرى رسوله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

Exit mobile version