هل قررت “إسرائيل” القضاء على المقاومة الفلسطينية؟

اشنطن التي كانت تتوسط منذ أسابيع هي التي تدعم هذه العملية دون مواربة

الغارات “الإسرائيلية” على غزة منذ نهاية يونيو 2014م بعد اتهام “حماس” بأنها خطفت وقتلت ثلاثة من الصبية “الإسرائيليين” دون أن تقدِّم سنداً صحيحاً واحداً؛ تثير الكثير من القضايا، خاصة وأن الغارات الجوية “الإسرائيلية” أدت إلى مقتل الكثيرين، فضلاً عن إحراق المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية لصبي فلسطيني (محمد خضير) حياً؛ بذريعة الانتقام للصبية “الإسرائيليين”.

الملاحظة الأولى: أن “إسرائيل” أدت دوراً بارزاً في تطورات المنطقة التي تخدم “إسرائيل”، وتفتت العالم العربي، وتحرم الفلسطينيين من المساندة العربية؛ حتى تخلو الساحة لـ”إسرائيل” للانفراد بالفلسطينيين، فأصبحت العلاقة طردية بين تفتيت العالم العربي وإضعافه وبين قوة “إسرائيل”، وتمزيق الصف الفلسطيني، ولهذا السبب يتمسك الفلسطينيون بأن الأمة العربية أمة واحدة، وأنهم جزء منها، وأن الجسد العربي يجب أن يحمي الجزء الفلسطيني الذي يقتطعه الذئب الصهيوني، بينما الجسد عاجز عن الدفاع، عازف عن الاشتباك تماماً كالفريسة التي تستسلم للوحش المفترس عندما يأتي على مواطن القوة والحركة فيها في الغابات والبراري.

الملاحظة الثانية: هي أن هناك الكثير من الإشارات على أن “إسرائيل” اختلقت فكرة خطف الأطفال الصهاينة، بالاتفاق مع واشنطن، حتى تعيد إلى الأذهان قضية “شاليط”، فإذا كان “شاليط” قد استخدم ذريعة لأعمال الإبادة الصهيونية ضد غزة، ودفع الفلسطينيون أراوح المئات، في محرقة 2008 – 2009م، وعاد “شاليط” رغم ذلك إلى أهله وذويه، رغم كل الخسائر الفلسطينية مقابل إطلاق وهمي لعدد من الأسرى لم تلبث أن أعادتهم إلى الأسْر، فإن فكرة الخطف في ذاتها مألوفة عند الفلسطينيين حتى خارج غزة، من وجهة نظر تركيب الصورة الذهنية التي رتبتها “إسرائيل”، كما أن الخطف لواحد أدى إلى حملة “الرصاص المصبوب”، فما بالنا بخطف ثلاثة من الفتيان وقتلهم، إلا أن يكون الرد هو اقتلاع المقاومة وإبادة العرق الفلسطيني؟ وإذا كانت “تسيبي ليفني” قد اتفقت مع “مصر مبارك” على عملية “الرصاص المصبوب”، وأعلنت ووجها يفيض حبوراً مع وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط، وقررت يومها في 25 ديسمبر 2008م قبل بدء العمليات بيومين أن “إسرائيل” قررت تغيير قواعد اللعبة، فإن “إسرائيل” هذه المرة – فيما يبدو – قررت إنهاء اللعبة ذاتها وإنهاء صفحة القضية، وهذا يقودنا إلى تقصي دوافع “إسرائيل” للعملية، والآثار والنتائج التي ترجوها منها بقطع النظر عن النتائج.

الملاحظة الثالثة: هي أن دوافع “إسرائيل” من العملية هو تصفية المقاومة، وإعادة احتلال غزة؛ تمهيداً لاتفاق نهائي يفصل بين “إسرائيل” ومشروعها الصهيوني النهائي ببضع خطوات، وأما حساباتها تعتمد على خمس ركائز:

الركيزة الأولى: هي أن واشنطن التي كانت تتوسط منذ أسابيع هي التي تدعم هذه العملية دون مواربة، وقد كانت واشنطن أيضاً تدعم “الرصاص المصبوب”.

الركيزة الثانية: هي أن تفتيت العالم العربي وإضعاف دوله وشغلهم جميعاً، خاصة مصر، دفع “إسرائيل” إلى تقدير الموقف على أنها صارت طليقة إزاء أهدافها، صحيح أن “مصر مبارك” كانت سنداً لـ”إسرائيل” وعملياتها، على أساس أن “مبارك” كان كنزها الإستراتيجي، فإن “مصر مبارك” شهدت معارضة شعبية كاسحة ضد سياسات الحكومة، وكانت المعارضة تتمتع بحرية كاملة في التصدي للغزو الصهيوني مما كان عاملاً مهماً في حسابات “إسرائيل” المرحلية.. أما مصر الآن الرسمية والشعبية في حال مختلف تماماً، بعد أن مارس الإعلام دوراً مهماً في شيطنة غزة بـ”حماس” أو بغيرها، وإذا كان الحد الأقصى لطموح “إسرائيل” هو القضاء على المقاومة، فإن حده الأدنى هو إحباط المصالحة الفلسطينية، رغم أن “حماس” صارت جزءاً من الكيان السياسي الجديد لحركة سياسية، بعيدة عن حركة مقاومة، بحجة أن السلطة لا يجوز أن تحتوي على حركة “إرهابية”، وفقاً للوصف المصري و”الإسرائيلي”.

لقد أدانت الدول العربية عدا بعضها عملية “الرصاص المصبوب”، فهل هناك اتفاق أم انشغال أو عدم اكتراث تجاه الحملة الأخيرة على غزة في شهر رمضان وتحت الحصار والضيق؟ فهل يتناسب هذا الموقف مع الجدوى الوهمية لاجتماع مجلس الأمن، أم أن الكل متفق على تقديم غزة قرباناً للتحالفات الجديدة في المنطقة؟ وقد حذرنا عدة مرات بأن إدخال “حماس” في معادلة الصراع بين الأطراف في الأزمة المصرية سوف يغري “إسرائيل” بما تقوم به في غزة، ونؤكد مرة أخرى أن الكراهية لـ”حماس” لأي سبب يجب ألا يجر مصر إلى موقف يضر أمنها القومي على المدى الإستراتيجي، فمقاومة “إسرائيل” في فلسطين صمام أمان لمصر، مهما بدت بعض الحسابات الوقتية مغرية، ومهما كان الخلاف بين غزة و”حماس” ومصر الجديدة، فإن “إسرائيل” هي العدو الحقيقي لمصر الدائمة على مر العصور، ولنلاحظ أن العدوان على غزة هو أحد شُعب إستراتيجية العدوان على كل الأراضي الفلسطينية، وعلى عموم الشعب الفلسطيني، الفارق هذه المرة بين موقف “مصر مبارك”، ومصر الحالية من الحملة الصهيونية الأمريكية على الفلسطينيين هو أن “مصر مبارك” تواطأت مع “إسرائيل”، بينما مصر الحالية أدانت بشكل ما هذه الحملة، وحاولت الوساطة والتهدئة، ثم أبلغت فلسطين بنية “إسرائيل” وتهديدها، ولكن “إسرائيل” تعلم جيداً حدود التأثير المصري الرسمي حتى لو أراد، كما تدرك جيداً أن الشعب المصري اليوم مشغول عن محنة الفلسطينيين، ولكني أحذر أيضاً بأن الجينات المصرية الطبيعية عربية إسلامية، وأن تحريف هذه الجينات لا تلبث أن تنقلب، ولتتأملوا معي إمعان نظام “مبارك” في علاقته بـ”إسرائيل”، وإمعان “إسرائيل” في الإضرار بمصر وبمصالحها؛ ثم انفجر الشعب في ثورة عارمة في 25 يناير على النظام وتحالفاته.

وليس هناك ما يشير إلى أن الشعب سوف يفقد شعوره بالمخاطر الصهيونية، مهما حاول الإعلام المضلل لدرجة أن أحد القيادات الصحفية في أقدم جريدة مصرية امتدح على صفحته الخاصة “نتنياهو” وحملته ضد الفلسطينيين، ودعا شيطانه أن يكثر من أمثال هؤلاء السفاحين، نكاية في “حماس”، للأسف الشديد جميع الدول العربية لديها ما يشغلها؛ ليبيا واليمن والسودان وسورية ولبنان والعراق.

لم تعد القضية هي غزة و”حماس”، بل هي نضال شعب مظلوم ضد الظلم الصهيوني والأمريكي والتمزق العربي، ولذلك فإن السكوت على العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني حسابات خاطئة، وسوف تحول الشعوب العربية دفاعاً عن القدس والشعب المظلوم بعد أن أصبح ينافس بقية الفلسطينيين في محنة اللجوء في أوطانهم وفي ربوع وطنهم الكبير.

المطلوب بصفة عاجلة فتح معبر رفح كالتزام قانوني على مصر، والتمييز بين المصلحة العارضة في النظام والمصلحة الدائمة في الوطن، كما أن المقاومة تدافع عن الشعب الذي يتعرض للعدوان، والمطلوب دفع العدوان وليس مساندة المقاومة.

والمطلوب أيضاً أن يقوم الإعلام المصري والعربي باستعادة وعيه وشرح الحقائق الثابتة للشعوب العربية.

والمطلوب رابعاً أن يتجاوب المصريون مع حملات الدعم بكل شيء لمساندة الشعب الفلسطيني ضد “إسرائيل”، ولكن المطلوب العاجل هو بحث أدوات التأثير على قرار “إسرائيل” باستمرار العدوان، ومن العار أن نتحدث تحت النار عن التحقيق ووقف الاستيطان كما ورد في البيانات الرسمية.

وأخيراً إذا أرادت مصر الجديدة أن يكون لها موضع محترم في العالم العربي؛ فهذه فرصتها الوحيدة حتى تفلت من استعباد الآخرين لها، وحتى لا تكون مصر الجديدة في الشؤون الداخلية والخارجية نقطة سوداء في تاريخ مصر المعاصر.

Exit mobile version