كان دور الرئيس المصري “محمد مرسي” في المحادثات “الإسرائيلية” الفلسطينية كأنه شيء من الوحي!
قبل أقل من عامين، كان الوضع بين “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية على حافة الكارثة، في نوفمبر 2012م، شُنت الغارات الجوية “الإسرائيلية” على قطاع غزة، وأطلق النشطاء صواريخ على بلدات “إسرائيلية”؛ توفي العشرات من الفلسطينيين، واحتمت العائلات “الإسرائيلية” في المخابئ، ويبدو أن المجتمع الدولي كان منقسماً وغير متأكد من كيفية التعامل معها، وبدا الوسطاء الدوليون من ذوي الخبرة عاجزين.
والواقع، أن الرجل الوحيد الذي بدا قادراً على التدخل كان قائداً عالمياً ، لبضعة أشهر ،لسوء الحظ، وليس لفترة أطول.
في ذلك الوقت، كان دور الرئيس المصري “محمد مرسي” في المحادثات “الإسرائيلية” الفلسطينية كأنه شيء من الوحي! بعد انتهاء المحادثات، توصلت جميع الأطراف إلى قناعة بأن مصر قد مارست دوراً رئيساً في حل الأزمة. حينها قالت “الواشنطن بوست” على لسان “مايكل بيرنباوم” في عام 2012م:
النتيجة النهائية اتفاق بين “إسرائيل” و”حماس”، اللذين رفضا طويلاً الاعتراف ببعضهما بعضاً، بوساطة حكومة إسلامية مجاورة؛ وذلك لم يكن وارداً قبل إعادة تشكيل “الربيع العربي” في المنطقة قبل أقل من عامين، الذي أدى لإسقاط الحكام المستبدين الذين حاصروا الإسلام السياسي طويلاً وقاموا بتقوية الجماعات المعزولة.
وكان “مرسي” قد لعب لعبة مختلفة عن سلفه (حسني مبارك)، فمصر التي تفاوضت من أجل معاهدات السلام من قبل، كانت تُنتقد وتُتهم بأنها تنحني للضغوط “الإسرائيلية” والأمريكية لعزل قطاع غزة و”حماس”، و”مرسي” هو بطبيعة الحال جزء من جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية التي انبثقت عنها حركة “حماس”، بعد فترة وجيزة من دخول مكتبه، قال: إنه سهل سفر الفلسطينيين عبر معبر رفح جنوب قطاع غزة، وهو تغيير صغير لكنه ذو مغزى (كبير) بالطبع.
بدأت المفاوضات في نوفمبر2012م، لم يكن أحد متفاجئاً بأن “مرسي” انحاز لجانب الفلسطينيين، ما كان مفاجئاً، مع ذلك، كان يبدو قادراً على القيام بذلك دون استعداء “الإسرائيليين”، تعهد الرئيس المصري بالمحافظة على معاهدة السلام بين “إسرائيل” ومصر عام 1979م، وأبقى خطوط الاتصال مع “إسرائيل” والولايات المتحدة مفتوحة رغم تصاعد التوترات، آتت الاتصالات وحُسن النية أكلهما.
مجرد دقائق قبل دخول الهدنة التي توسط فيها حيز التنفيذ، قال رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” علناً: إنه يريد أن يعرب عن “تقديره للجهود التي تبذلها مصر للحصول على وقف إطلاق النار”.
تغير الزمن، و”مرسي” ليس موجوداً للمساعدة في التوسط في الأزمة “الإسرائيلية” الفلسطينية اليوم. اضطر أول زعيم مصري منتخب ديمقراطياً لترك منصبه قبل عام؛ وهو يواجه اليوم عدداً من التهم الجنائية المتعلقة بفترة حكمه. تم استبدال “مرسي” في نهاية المطاف من قبل القائد العسكري المصري “عبدالفتاح السيسي” في الانتخابات التي جرت هذا العام والتي لم يرتح لها العديد من المراقبين الدوليين.
ما يفعله “السيسي” بالوضع الفلسطيني متناقض وغير واضح، فلقد شدد الحصار، منذ انتخابه، بشكل كبير على قطاع غزة، ومع ذلك، قال قبل انتخابه: إنه لن يلتقي رئيس الوزراء “الإسرائيلي” من دون تنازلات للفلسطينيين، وقد حضر سفير مصر إلى الأراضي الفلسطينية، وائل نصر الدين، جنازة فتى فلسطيني يقال: إنه قتل على يد المتطرفين “الإسرائيليين” مؤخراً، وهناك حديث من نوع ما عن صفقة تتوسط فيها مصر، و”حماس” وهي بالتأكيد ليست حليفاً طبيعياً للحكومة المصرية الجديدة، ولكن، كما لاحظ العالم السياسي الفلسطيني علي الجرباوي في مقال افتتاحي لصحيفة “نيويورك تايمز”، لا يبدو أن “السيسي” ستكون له سياسة خارجية مستقلة تتناقض مع مصالح الولايات المتحدة، فالمزيد من الدعم للقضايا الفلسطينية قد يكون وسيلة لإظهار نفوذ مصر الجيوسياسي في مواجهة العمالقة الإقليميين الآخرين مثل تركيا وإيران.
هل كان “مرسي” سيقدر على نزع فتيل التوترات الحالية بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين؟ ربما لا، فالوضع الآن يختلف عن عام 2012م، ويمكن القول: إنه الآن أكثر تعقيداً، ولكن من الصعب أن ننكر أن الانقلاب العسكري الذي أطاح بـ”مرسي” أخمد بصيص الأمل الذي كنا في حاجة إليه في دبلوماسية الشرق الأوسط، ونحن لا نزال غير متأكدين تماماً إن كان هناك ما يعوضه.
ترجمة: جمال خطاب من الواشنطون بوست