ماكينة التحريض تقتل أبو طير وتحرق جثته

منذ نشر الرواية “الإسرائيلية” عن خطف المستوطنين الثلاثة

منذ نشر الرواية “الإسرائيلية” عن خطف المستوطنين الثلاثة الذين تبين لاحقاً أنهم قُتلوا؛ ساد الجو السياسي والإعلامي “الإسرائيلي” حالة من التحريض الأعمى والعقاب الجماعي بحق أهلنا الفلسطينيين، من خلال تحميل “حماس” مسؤولية الخطف، ومن ثم اتخذت هذه الحالة لبوس محاربة البنية التحتية لحركة “حماس”؛ وهذا يعني محاربة جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني التي ترعى الحياة الاجتماعية الفلسطينية، وكان من أحد مظاهر ذلك إغلاق مصنع ألبان في مدينة الخليل تابع للجمعية الإسلامية، ويخدم أكثر من ثلاثة آلاف يتيم فلسطيني، وشهدت مدن الضفة الغربية اقتحامات واعتقالات جماعية واعتداءات على الناس والملكيات الخاصة، وتدمير وتخريب للبيوت، وإلقاء قنابل صوتية ومسيلة للدموع على المساجد خلال صلاة التراويح. 

باختصار شديد، شهد المجتمع “الإسرائيلي” حالة غير مسبوقة من التعبئة والتحريض اليومي، حيث ضخت الماكينة الإعلامية والسياسية يومياً رسائل مليئة بالتحريض على الإسلام السُّني، كما كتب غير واحد من المحللين السياسيين والعسكريين في محاولة منهم لاستغلال اتهامهم لـ”حماس” بالمسؤولية عن العملية، رغم عدم تبني “حماس” لها، استغلال ذلك للقضاء على كل مظهر من مظاهر العمل الأهلي الداعم للمجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية الذي يحمل طابعاً إسلامياً، بل أبعد من ذلك أدى هذا التحريض تلقائياً إلى جعل الفلسطينيين عناوين للانتقام؛ ولذلك كان الهجوم المتوحش والهمجي الذي شهدته مدينة القدس ليلة الثلاثاء من قبل جماعات تدفيع الثمن وكهانا حي والمستوطنين والمُحَرَّضين، والذي قام خلاله أولئك بالاعتداء على كل عربي، وعلى كل مظهر من مظاهر الحياة العربية في مدينة القدس طالته أيديهم، بل إنهم اقتحموا المحلات التجارية والأسواق ومواقف السيارات والقطار، وكل ما تمكنوا من الوصول إليه للاعتداء على العرب لكونهم عرباً، حتى تمكنوا من اختطاف الفتى محمد أبو طير صبيحة يوم الأربعاء وهو متوجه إلى صلاة الفجر ومن ثم قتله وحرق جثته، يحملون كمّاً هائلاً من الحقد الأعمى المتولد في صدورهم نتيجة ضخ كميات هائلة جداً من التحريض خلال قرابة الشهر عبر كل منبر ممكن، بدءاً من “بنيامين نتنياهو”، وصولاً إلى أصغر وسيلة إعلام “إسرائيلية”. 

ولأن “نتنياهو” فكر أن يستفيد – واهماً – من الحالة الإقليمية الراهنة، فقد حمل لواء التحريض على الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني أيضاً واتهمها جزافاً بتهم كبيرة والدعوة لحظرها، ولا شك أن هذا التحريض الصادر من أعلى هيئة سياسية سيقع على آذان ليست إلا زناد النار للفعل الإجرامي، وهذا ما كان نتيجته الاعتداء على طلاب عرب في صفد، والمظاهرات الغوغائية لليمين في عكا ضد العرب، ومحاولة سيارة مستوطنين اقتحام قرية عارة الخميس الماضي، والكتابات العنصرية في عسقلان (أشكلون) التي تشتم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتشتم العرب وتهددهم، ولمن لا يعلم؛ يدرس في عسقلان عدد كبير من الطلاب والطالبات العرب الذين بات هذا التهديد يمسهم بشكل مباشر، وغير ذلك من مظاهر الفعل الإجرامي المندفع بذخيرة كبيرة من المواد التحريضية التي غُذِّي بها طيلة قرابة الشهر. 

وليعلم “نتنياهو” أنه لا يمكنه الاستفادة من كل شيء، فإما أن يكون دولة قانون ويكف عن الملاحقات السياسية والتحريض على الهيئات والحركات والأحزاب التمثيلية لشعبنا، أو أن يكون كتلميذه دولة “سيسية” حتى يعرف العالم كيف يتعامل معه، أما نحن فقد خبرناه وعرفناه ونعلم ما هو. 

إن الاستمرار في هذه السياسة الرعناء من التحريض والتي تستقبلها آذان المتطرفين من المستوطنين وغيرهم بالرضا التام وتحولها مباشرة إلى أفعال إجرامية من شأنها أن تشعل البلاد ناراً سيحرق لهيبها كثيراً مما حرص “نتنياهو” على إبقائه سالماً.

إنه “نتنياهو” وحكومته ورسله المسؤولون عن مجمل الجرائم التي حصلت والتي قد تحصل لشعبنا الفلسطيني في كل أماكن وجوده، وعليه نقول: إن أي ضرر وقع أو قد يقع على أيٍّ منا يتحمل مسؤوليته “نتنياهو” ومعاونوه على اختلاف مسمياتهم، وربما يكون من نتاج ذلك مطالبة الهيئات الدولية القانونية والدفاعية أخذ دورها في الدفاع عن شعبنا في مجمل أماكن تواجده.

(*) كاتب فلسطيني- القدس

 

Exit mobile version