أبيدوا أطفال الشوارع

لا يستطيع كاتب مقال “أطفال الشوارع.. الحل البرازيلي” أن يعتذر عن مقاله، أو يبرر ما قاله

لا يستطيع كاتب مقال “أطفال الشوارع.. الحل البرازيلي” أن يعتذر عن مقاله، أو يبرر ما قاله في تلك المقالة الملعونة بعد أن أفتى قانونيو “المصري اليوم”، الصحيفة التي نشرت له ذلك الإفك، بوجوب حذف المقال لما يحتوي عليه من “تحريض على العنف”. 

والواقع أنني شخصياً لم يفاجئني أن يطالب أحدهم بإعدام أطفال أبرياء، هم في الأساس ضحايا لدولة الفساد والظلم والقهر القائمة في مصر منذ زمن بعيد، هذه أخلاقهم، مفضوحة فيما يقولون وما يفعلون، وإن ادعوا غير ذلك، ولكن الذي فاجأني هو:

• أولاً: أن الأستاذ الكاتب مثقف! وأستاذ للفلسفة، يدرس الفلسفة الأخلاقية! بجامعة سوهاج، وشاعر! وصحفي! وحائز على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2009م، وهذه صفات كان حرياً بصاحبها أن يكون أرفع أخلاقاً وأكثر إنسانية وإحساساً بالفقراء والمهمشين، وأقل تماهياً مع اللصوص والمستبدين.

• ثانياً: أنه يدعي أن جريمة إبادة جماعية قد وقعت لأفراد من الجنس البشري – كما تباد الكلاب الضالة – هكذا يقول الكاتب المحترم، على أيدي أبناء جلدتهم (المجرمين)، ولم تتحرك لا الدولة ولا المجتمع البرازيلي، ولا المجتمع الدولي! من أجل أن يعيش عليّة القوم في سلام وهدوء.

• ثالثاً: أن النخبة السافلة وصلت إلى مستويات غاية في الدناءة والخسة، بحيث تحاول أن تصنع لها “يوتوبيا” (مدينة فاضلة) على الأشلاء والجماجم، بدأت بأشلاء المعارضين وهم الأغلبية، وتتجه لإبادة المهمشين وهم أطفال خطاياها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

• رابعاً: أن الكاتب يؤسس لتمييز عنصري استئصالي على أساس اقتصادي، يتخلص من خلاله أصحاب السلطة المتزاوجة مع الثروة ممن لا يعجبهم من الفقراء والضعفاء الذين لا يجدون من يدافع عنهم ويتبنى قضاياهم. 

والحق أن الكاتب المحترم أستاذ الجامعة إما أنه جاهل أو كاذب، أو كلاهما، لسبب بسيط وهو أن البرازيل لم تفعل بأبنائها ما يدعيه، وما يدعو لفعله في مصر، فقد ادعى كذباً وزوراً أن أجهزة الأمن البرازيلية “لجأت إلى حل بالغ القسوة والفظاعة لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع؛ يتمثل في شن حملات موسعة للاصطياد والتطهير تم من خلالها إعدام الآلاف منهم بنفس الطريقة التي يجرى بها إعدام الكلاب الضالة توقياً للأخطار والأضرار المتوقعة منها”!

وهذا محض كذب وافتراء واختلاق؛ فالحادثة التي ربما يعتمد عليها كاتب المقال المبجل هي ما يعرف في البرازيل بـ”مذبحة كنيسة كانديلاريا”، وفيها – بحسب تقرير لصحيفة “إنترناشيونال بيزنيس تايم” الذي نشر في 25 يوليو من العام الماضي (2013م) بمناسبة مرور 20 عاماً على ذكرى تلك المذبحة – قتل ثمانية من أطفال الشوارع المشردين والمراهقين من قبل الشرطة في الجزء الأمامي من الكنيسة “كنيسة كانديلاريا” في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، ونجا أكثر من 60 طفلاً من إطلاق النار العشوائي في ليلة 23 يوليو 1993م.

o هذه أبرز الحوادث أو قل المجازر التي وقعت لأطفال الشوارع في البرازيل، قتل ثمانية فقط من أطفال الشوارع، وليس الآلاف كما زعم حضرة الكاتب المحترم! 

o والإفك الآخر في مقال حضرة أستاذ الفلسفة هو أن الدولة البرازيلية غضت الطرف عن الجناة من الشرطة الذين خططوا ونفذوا المجازر!

وهذا الإفك ينطوي على عدة أكاذيب: 

• أولها: أن الشرطة في البرازيل لم تخطط ولم تنفذ ما ادعاه كذباً وزوراً، ولم يكن لدى الشرطة فرق “الاصطياد والتطهير” التي اخترعها حضرة الكاتب الأديب.

الشرطة في البرازيل نعم، ارتكبت أخطاء ومجازر ولكنها لم تكن لا مخططة ولا مقصودة، مثلما فعلت الشرطة المصرية ومازالت تفعل بأبناء مصر. 

• وثانيها: أن الدولة والقضاء البرازيلي اقتص من مجرمي الشرطة الذين ارتكبوا مجزرة “كنيسة كانديلاريا”.

فقد جرت محاكمة عادلة للمتورطين من الشرطة، وأشارت شبكة “سي إن إن” خلال تغطيتها للمحاكمة في أبريل 1996م إلى أن تلك المحاكمة سبقتها ثلاث سنوات من التحقيق، ومحاولتان لاغتيال اثنين من الشهود الرئيسيين بالقضية، وهما المراهقان اللذان نجوا من الهجوم بعد إطلاق النار عليهما، ونجحت السلطات في إنقاذهما وإرسالهما إلى سويسرا لحمايتهما وعادا بعد عامين إلى ريو دى جانيرو تحت حراسة مشددة من الشرطة، يرتديان سترة مضادة للرصاص لتكون شهادتهما سبباً في إدانة ضباط شرطة بأحكام سجن تراوحت ما بين 204 – 300 عام.

• وثالث المغالطات: يقول الكاتب: إن البرازيل حلت مشكلة أطفال الشوارع بإبادة الأطفال، وهذه هي كبيرة مغالطاته، لأن البرازيل هي الدولة الثالثة عالمياً في الاعتناء بأطفال الشوارع بعد الهند وبريطانيا، ولها تجربة متميزة، نموذجية في القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع بتدريبهم وتعليمهم وتسكينهم وتشغيلهم عنوانها “الأطفال لا يريدون مؤسسة خيرية.. الأطفال يريدون المستقبل”، عرضتها “د. ديزي كوزاسترا”، رئيسة المنظمة العالمية للأسرة بالبرازيل في مصر، أيها الكاتب والصحفي المتابع في ورشة عمل في يناير الماضي (2014م)، أقامها المجلس القومي للأمومة والطفولة.

لم تحيرني دعوة الكاتب الشاذة لإعدام أطفال أبرياء ضحايا؛ لكي لا يزعجوا الجناة المفسدين في الأرض! فصحافة مصر مملوءة بالدعوات الشاذة التي تدعو للإعدام والانتقام من الأبرياء والعلماء والأتقياء والصالحين، ولكن الذي حيرني وما زال يحيرني هو: 

ما الذي يمهد له هذا المقال المجرم؟

قلبي عليكم أيها المساكين والمهمشون الذين أيدوا – وهم لا يدرون- الانقلاب المجرم في مصر، لا تدرون ماذا يراد بكم وأنتم الحلقة الأشد ضعفاً! 

ماذا يراد بكم أيها المساكين؟

وماذا يراد بمصر؟ 

اللهم أنقذ مصر.

 

 

Exit mobile version