حصاد الانقلاب

الحرب على الرئيس “مرسي” قد بدأت من قبل وصوله لكرسي الحكم، من خلال إعلان دستوري مكبِّل لصلاحياته

بعد مضي حوالي عام تقريباً على انقلاب 3 يوليو على الرئيس المنتَخَب “محمد مرسي”، لا يفوت كل لبيب إلا أن يتفكر قليلاً في نتائجه، وما حققه خلال 12 شهراً من حكم البلاد بالحديد والنار، بعد أن أطاحت الدبابة وما خلفها من نُخب علمانية بكل نتائج الصناديق في مصر، وبعد أن أقصوا الرئيس المنتَخَب الذي لم يمر على انتخابه العام، ولعلكم تذكرون جيداً كيف كانوا يحسبون على الرئيس “مرسي” أنفاسه، وكيف كانوا يعدون الدقائق والثواني من فترة حكمه، حتى قال أحدهم ذات يوم: “مر أسبوع منذ انتخاب مرسي ولم يحدث أي تغيير”!

والحقيقة التي ربما تغيب عن البعض أن الحرب على الرئيس “مرسي” قد بدأت من قبل وصوله لكرسي الحكم، من خلال إعلان دستوري مكبِّل لصلاحياته، ثم من خلال تمرد مؤسسات الدولة العميقة وعدم تعاونها مع الرئيس الذي اختاره المصريون، ثم التآمر والتخطيط للانقلاب عليه بعد عام من انتخابه.

ولأن الأيام دول، وكما تدين تدان، فقد انقلبت مع الانقلاب الأدوار، وعادت روح الثورة والثوار، ونحن الآن على بعد أيام من يوم غضب جديد تدافع فيه الثورة الحقيقية تلك الثورة المضادة التي أطاحت بأحلام المصريين وخياراتهم، ولذلك كان لزاماً علينا أن نذكِّر بحصاد عامٍ من الانقلاب، الذي أذاق المصريين الويلات، وأعادنا إلى عصور أسوأ من دكتاتورية “عبدالناصر”، ومساخر “السادات”، وفساد “مبارك”، وتخبُّط “المجلس العسكري”.

– كانت أول آثار الانقلاب الغاشم هو فقدان ثقة المصريين في صناديق الاقتراع؛ فقد أطاحت الدبابة بنتائج خمسة استحقاقات انتخابية تكلفت مليارات الجنيهات، وطوابير من البشر تعدت الكيلومترات في بعض اللجان، وقد رأينا هذا الأثر واضحاً في إحجام المصريين عن المشاركة في أي استحقاقات انتخابية بعد الانقلاب، فخرجت الأعداد هزيلة جداً تناقلتها وسائل إعلام مؤيدة للانقلاب، وخرجت أبواق الانقلاب نفسه تصرخ وتستجدي الشعب المشاركة بالتهديد تارة وبالترغيب تارة أخرى بلا جدوى.

– ومن حصاد الانقلاب أيضاً 50 مذبحة بحق المصريين في أقل من عام، وهو ما لم يحدث في التاريخ المصري الممتد عبر 7 آلاف عام, وكان في مقدمة هذه المذابح مذبحتا رابعة والنهضة، والتي راح ضحيتهما فوق الألف إنسان، بحسب تصريحات حكومة الانقلاب ذاتها، وفوق الـ5 آلاف إنسان، بحسب تقدير وإحصاء المستشفيات الميدانية، وحتى لو أخذنا بالرواية الانقلابية، فهذا الرقم هو أعلى رقم يسجل في تاريخ مصر كلها كأبشع وأفظع مذبحة مرت على المصريين، تم فيها حرق الجثث وإشعال النيران في المسجد والميدان كله بعد اصطياد آلاف البشر ومنهم نساء وأطفال, وما زال محرك البحث في “يوتيوب” يعج بفيديوهات مريعة لمشاهد تلك المذابح التي لن تمحى من ذاكرة المصريين أبداً.

– ولا ننسى بالطبع أن نذكِّر بالانهيار الاقتصادي المستمر الذي تسبب فيه الانقلاب، بعد توقف السياحة وهروب المستثمرين وإغلاق آلاف المصانع وتسريح العمالة وزيادة نسب الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى غياب الأمن وانتشار البلطجة وازدياد معدل انقطاع الكهرباء ونقص الوقود، وبالطبع لا يمكن لعاقل أن يتخيل أن تنتهي هذا المشكلات جميعها أو تخطو مصر خطوة للأمام بينما أغلب الشعب أو على الأقل نصفه ثائر في الشوارع والميادين يومياً.

– بالإضافة إلى ذلك كله، لا ننسى غياب الحريات وعودة البطش الأمني والتعذيب، وتغييب أكثر من 41 ألف إنسان في المعتقلات، هم من خيرة أهل مصر، فمنهم على سبيل المثال لا الحصر، 1232 طبيباً, 5000 شيخ أزهري، 2574 مهندساً, وأكثر من 200 عالم وأستاذ جامعي، بالإضافة إلى آلاف الطلاب، ومنهم قصَّر ونساء وأطفال.

– عودة الأحكام القضائية المسيَّسة والجائرة والتي كان أخطرها إعدام أكثر من 2000 إنسان، منهم أناس غير موجودين على وجه الأرض، فقد قضوا نحبهم في مذابح الانقلاب من قبل، إلا أن قضاة الانقلاب لم ينتبهوا للأمر؛ فأصدروا أحكاماً بالجملة على شهداء وقصَّر وعجائز، ومنهم مرشد الإخوان الذي حُكم عليه في أقل من شهرين بـ4 أحكام بالإعدام في قضايا ملفقة، بينما عمره تجاوز السبعين.. وكان من النتائج المترتبة على هذه الأحكام أن ضاعت ثقة المصريين في قضاء مصر بعد أن صار سوطاً في أيدي الظالمين، ولا شك عندي أنه حين تأتي ساعة الخلاص والثورة فلن يلجأ المصريون للقصاص عبر محاكم شاركت في الانقلاب، بل سيتحول الشعب نفسه إلى قاضٍ وجلاد في نفس الوقت، وسيعاقب الجميع حتى القضاة المشاركين في هذه الجرائم.

– قامت عصابة الانقلاب بالاقتراض الخارجي والمحلي بشكل غير مسبوق؛ حتى تجاوزت الديون الحكومية المحلية حاجز التريليونين من الجنيهات، بينما بلغ الدين الخارجي أكثر من 50 مليار دولار، بشكل يظهر أن مصر مُقْدمة على كارثة اقتصادية كبرى، وربما إشهار إفلاس، وبرغم المعونات والتمويل من بعض دول الخليج للانقلاب؛ فإن كل هذه المعونات تذهب هباءً تحت أقدام الثوار؛ لأن المنطقي أن عدم الاستقرار سيلتهم كل معونة وتمويل فيذهب إدراج الرياح، وبالطبع فلن تستمر دول الخليج في تمويل الكيس المخروم إلى الأبد, فهي دول تواجهها أيضاً تحديات ويتنامى فيها السخط الشعبي على إعانة من يقتل المسلمين ويسجن شرفاءهم ويغتصب نساءهم.

– وعلى الصعيد الدولي، عادت مصر مرة أخرى إلى دولة تحاصر غزة وتعادي الفلسطينيين، بينما تسالم الصهاينة وتسير في ركب التبعية الأمريكية مجدداً، كما كانت في عهد “مبارك” بل وأشد، فخرجت صحف الكيان الصهيوني اليومية، ومنها “هاآرتس” تصف “السيسي” بـ”بطل إسرائيل القومي”، وخرج زعماء الكيان الصهيوني يثنون على “السيسي” وعلى الانقلاب، ويطالبون العالم بدعمه، ناهيك عن دعم الانقلاب للسفاح “بشار” وإعادة العلاقات مع سورية، بعد أن أغلق الرئيس “محمد مرسي” سفارة الطاغية “بشار” دعماً للثورة السورية.

– ولعل من أخطر نقاط حصاد الانقلاب أيضاً الانهيار الأخلاقي للقطاع الشعبي المؤيد لـ”السيسي”، واستعلاء الفاسدين والراقصات؛ حتى صارت الأم المثالية راقصة شهيرة! بالإضافة إلى عودة الفلول وتبرئة نظام “مبارك”، بينما تم سجن الكثير من ثوار يناير، ناهيك عن زيادة هجرة العقول الشابة والعباقرة والمخترعين، بينما يُكرَّم الدجالون ويؤتمن الخائنون، وفي جهاز الكفتة ومخترعها أكبر مثال، وصدق ما قاله الحازم صلاح أبو إسماعيل: “إن مصر ستصبح أضحوكة العالم”، حين تنبأ بالانقلاب ودعا للحذر منه.

– محاربة شعائر الدين، ومحاولة نشر العلمانية بالقوة، ونرى ذلك واضحاً جلياً في تأميم المساجد، وتكميم الدعاة الشرفاء أو سجنهم، ومصادرة أموال الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تخدم الشعب، بالإضافة إلى استعلاء عملاء السلطان وشيوخ العلمانية؛ حتى رأينا الفنانين والراقصات يدعون إلى إسلام جديد، ويحاربون حتى الصلاة على النبي ويدعون لمنع الاعتكاف وإغلاق المزيد من المساجد، حتى باتت الحرب على الهوية الإسلامية واضحة لكل ذي لب سليم.

هذه بعض النقاط المجملة في حصاد الانقلاب نسوقها لكل باحث عن الحق لتذكِّره، كما نرسلها للصامدين والثابتين والقابضين على الجمر أن اصبروا فلن يستمر انقلاب يحارب الله جهرة، فاستعينوا بالله واصدعوا بالحق وأدوا ما عليكم مأجورين.

 

 

 

 

 

Exit mobile version