العدواني يكتب: سالم الحالم!.. (2ـ2)

مازال سالم يتحفنا بعبير أفكاره في مقالنا الثاني بعد أن مهد لآرائه في حديثنا الأول

 مازال سالم يتحفنا بعبير أفكاره في مقالنا الثاني بعد أن مهد لآرائه في حديثنا الأول، ما يميز سالم أنه سلس في خطابه يتكلم بلغة “دوانية” أو مجلس اجتماعي فيها من الأريحية والتبسط في المفردة والتشويق الملهم الذي يجعلك مشدودا نحو المستقبل دون أن تتحسر على فتات الماضي بل أن تعيد بناء الحاضر بتلبية حاجاته ورفده سنويا بمبادرات الريادة الاجتماعية ليتحصن ويتقوى ويزداد مناعة فيواجه المستقبل بقائمة من مؤسسات القطاع الثالث التي تكون عضيدا للمجتمع ومعينا للدولة في المضي ببرامجها الوطنية وخططها التنموية.

إليكم بعض الأمثلة التي ساقها سالم متحدثا عن تجارب عايشها ومشاهد مارسها وقصص نقلها من رحاب العالم..، كانت تجربة بنك جرامين “الفقراء” في بنغلاديش الذي نال عليها المبادر محمد يونس جائزة نوبل للسلام 2006 ، وحظي بلقب أكثر المفكرين تأثيراً على مستوى العالم الإسلامي من مجلة الفورين بولسي 2008 – حصل على المركز الثاني والعلامة القرضاوي الثالث، استطاع هذا القادم من أسرة ميسورة لا تعاني الفقر والحاجة بل كانت والدته من أكثر الناس إنفاقا وعطاء – توصف بأنها لا تكاد ترد سائلا يقال هي سر تأثره وتوجهه لخدمة الفقراء، استطاع أن يقيم أحد أكبر المنظومات الاقتصادية في بلده حين لبى للمجتمع حاجاته ونقل أفواج الحائرين من دوامة الفقر والعوز إلى رحاب الإنتاج والعمل.

يتوقف سالم طويلا عند هذا النموذج معتزا بإنجازه من عدة أوجه كونه من أسرة ميسورة لم يتناسى هموم أبناء أمته الفقراء، وبرغم أنه درس في جامعة فاندربيلت Vanderbilt بولاية تينيسي الأمريكية، إلا أنه سخر ما تعلمه في علوم الاقتصاد لبناء منظومة إقراض تنتشل أبناء مجتمعه، مسيرةُ كفاحٍ طويلة ضد الفقر لم تمنعه ابتسامات الاستعلاء التي جادت بها أفواه أرباب البنوك وملاكها حين رفضت مبادرته، بل خاض غمار التجربة بجلد وجسارة وهي اليوم من أكثر المنظومات تأثيرا في حياة ملايين البشر.

بدايات مبادرات الريادة الاجتماعية ليست عفوية لكنها تتطلب استدامة مالية وأثرا اجتماعيا واستقلالية في القرار وتناميا في شريحة المستفيدين  لتكوين سوقٍ رائجة، فـ”توماس” ذلك الشاب الأرجنتيني الذي واجه مشكلة الأمراض التي يصاب بها آلاف الأطفال بسبب المشي حافيا قرر أن يبني نموذجه حين قدم ” حذاء” ذي مواصفات خاصة تتناسب مع هذه الشريحة وقدم في مقابلها صنفا آخر بمواصفات تجارية ربحية، حين تشتري الثاني فإنك تلقائيا تكون قد منحت الأول حذاء مجانيا يقيه أمراض المشي حافيا، أحذية ” توماس” اليوم متوافرة في أكثر من 20 بلدا حول العالم، وليست قصة محلات Goodwils المتخصصة بإعادة تدوير الملابس المستعملة ببعيد ذلك أنها حققت استدامة وشكلت سوقا رائجا في الولايات المتحدة الأمريكية.

يسترسل سالم بنماذج متنوعة يقول عندي منها مئات، وقد أحصيت في جلستي معه أكثر من 28 نموذجا، تحدث عن تلك الكنيسة التي شارفت على الإغلاق بسبب وضعها المادي وهجر أهلها لها، فجاء مبادر حولها لمدرسة يتعلم فيها الطلاب الفقراء، شاهدت عرضا فلميا كيف يخصص الطلاب من أوقاتهم لإنتاج بعض السلع التي تدر على مدرستهم دعما لتسييرها وتسديد تكاليفها.

وأما عن النماذج التي في ساحتنا العربية فكانت نجاحات المملكة حاضرة أكثر من غيرها، على سبيل المثال مشروع “جنى” الذي يدار بعقلية احترافية برعاية كريمة من مؤسسة الراجحي تقوم على فكرة إدارة مشروع القروض الحسنة الذي تنامى اليوم ليصل إلى أكثر من 100 مليون ريال تخيلوا أن هذا النموذج بعد أن نجح جاءت شركة سابك المعروفة لتطلب من إدارة “جنى” تشغيل ما قيمته 10 مليون ريال سعودي، إنه النجاح يفتح أبواب النجاح!

نموذج ثاني وثالث ورابع جمعها سالم في قالب تشويقي يجعلها أكثر إثارة وإبهارا، يتحدث عن شركة العليان السعودية التي وضعت 4 ملايين ريال في تصرف العاملين لتنفيذ مبادرات ريادة اجتماعية فما كان من إحدى العاملات أن تبنت 10 أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة – متلازمة داون – الذين يتميزون بقدرة فائقة على اتقان الأعمال النمطية المكررة وبساعات عمل تفوق الآخرين فنجحت بإقناع أحد مطاعم الفاست فود وباشروا أعمالهم وكانت فاتحة خير لها لتوسيع رقعة المشروع على أماكن أخرى.

ومن أجمل النماذج التي استوقفتني تلك البادرة المميزة التي سعى لها بنك الجزيرة حين أراد تكريم بعض عملائه المتميزين عبر إهدائهم مشاريع خيرية تدون بأسمائهم في بعض البلدان الإسلامية الأكثر فقرا وطلبوا استشارة سالم في آلية تنفيذ فكرتهم فما كان منه إلا أن أثنى على خطوتهم وغير مسار تنفيذها حين أشار عليهم بمرافقة أفضل عشر عملاء يرغب البنك في تكريمهم وأخذهم في جولة على أهم عشر مؤسسات أوروبية متخصصة في مبادرات الريادة الاجتماعية وإحاطتهم بأدوات إنجازها لمواجهة البؤس ومكافحة الفقر في عالمنا فتحولوا من مجرد عملاء كانت ستسجل بأسمائهم مساجد وآبار محدودة الأجر والأثر إلى أن تملكوا بأنفسهم آليات الريادة الاجتماعية وأصبحوا من روادها!

في جعبتي الكثير لأقوله عن هذا السالم الذي عمق أحلامنا حتى صارت تتراءى لنا في واقعنا، لكن حيز الكلمات محكوم في مقالي أترك أبعاد مضامينه تتوسع في أذهانكم حتى تتبلور أولى خطواتكم في طريق الريادة الاجتماعية حين تنتقل من حالة الوعي إلى مرحلة السعي!

s-madwani@hotmail.com

 

 

 

Exit mobile version