الإسلام السياسي.. والإرهاب الصليبي!

مصطلح الإسلام السياسي من المصطلحات المراوغة الخبيثة

مصطلح الإسلام السياسي من المصطلحات المراوغة الخبيثة، وقد صدّره الغرب إلينا ليلحق بمصطلحات أخرى مشابهة في المراوغة والخبث، وحملت أكثر من دلالة مثل: الإسلام الشيعي، والإسلام السُّنّي، والإسلام المتطرف، والإسلام المتشدّد، والإسلام الإرهابي، والإسلام الوسطي، والإسلام المعتدل.. وهناك عشرات من المصطلحات الأخرى المراوغة تصب في استهداف الإسلام لا مجال للحديث عنها الآن. 

ويقصدون بالإسلام السياسي حركة المسلمين في سعيهم للحصول على الحرية والاستقلال والكرامة والعدل والمشاركة في تقرير مصائر أوطانهم ومستقبلهم ومعالجة شؤون حياتهم اليومية والاجتماعية، ويهدف من يستخدمون المصطلح في الغرب والموالين لهم في بلاد الإسلام إلى الفصل بين الإسلام والحياة العامة، بوصفه – من منظورهم – ديناً كهنوتياً قاصراً على الصلاة والدعاء، ولا علاقة له بما هو خارج الجدران الأربعة للمسجد أو المصلى! أي إن الهدف من المصطلح رفض بل تجريم كل ما يتجاوز العبادة الذاتية في الإسلام إلى القضية العامة، ولذا تكثر دعوات مستخدمي مصطلح الإسلام السياسي إلى اعتماد العلمانية والفصل بين الدين والدولة والدين والحياة، ووضع الإسلام في مواجهة مع المجتمع بدلاً من أن يكون موجهاً له وهادياً وحاكماً. 

لا يكف الغرب الصليبي عن تحريك الموالين له من أبناء المسلمين وغيرهم ممن يعيشون في بلاد الإسلام لاستخدام المصطلحات التي يصكها، والمفاهيم التي يروج لها لتحقيق أهدافه وغاياته السياسية والاقتصادية والإستراتيجية بأقل قدر من الثمن. 

وقد استطاع الغربيون أن يستثمروا حوادث رد الفعل على جرائمهم إلى إدانة المسلمين جميعاً، ووضعهم كلهم في دائرة الاتهام بسبب حوادث فردية أو جماعية قد يكونون طرفاً فيها عن طريق مخابراتهم أو أجهزتهم الأمنية أو عملائهم الذين يتحكمون في مقدرات المسلمين سواء كانوا حكاماً أو قيادات بعض الجماعات أو التنظيمات المنسوبة إلى الإسلام، وأطلقوا على ذلك “الإسلام الإرهابي”!

وقد استغلوا مؤخراً اختطاف جماعة “بوكو حرام” النيجيرية لمجموعة من الفتيات النصرانيات، وتنادت دول الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني الغاصب ومعها بعض الدول الإسلامية للأسف لمواجهة هذه الجماعة التي اخترقتها المخابرات الغربية بالتمويل والتوجيه لتنقض على نيجيريا أكبر بلد إسلامي في أفريقيا؛ بحجة مقاومة إرهاب الجماعة؛ بينما تسعى في حقيقة الأمر إلى الاستيلاء على ثرواتها الضخمة وفي مقدمتها البترول، فضلاً عن تغريبها وتنصيرها، بعد أن مكنت الأقلية النصرانية من حكمها والاستيلاء على مؤسساتها المهمة وفي مقدمتها الجيش والشرطة والتعليم والرئاسة والمخابرات. 

لقد انتفض الغرب من أجل الفتيات المخطوفات في نيجيريا، ولكنه ساعد الإرهابيين الصليبيين في أفريقيا الوسطى في عملية التطهير الديني التي طالت المسلمين هناك، ووظف القوات الفرنسية والأفريقية التي ذهبت إلى هناك لإقرار الأمن من أجل خدمة الجماعات الإرهابية الصليبية في عملية النهب والحرق والذبح التي قاموا بها ضد المسلمين حتى خلت بانجي عاصمة أفريقيا الوسطى من المسلمين، ومن نجا بنفسه هرب بلا متاع إلى تشاد التي أمرها الفرنسيون بفتح حدودها لاستقبال المطاردين المقهورين. 

قارن ذلك بما فعلته فرنسا من أجل البنات المخطوفات، حيث قامت صديقة رئيس فرنسا “أولاند” السابقة بقيادة وقفة لفرنسيات في باريس ضد “بوكو حرام”، وقام “أولاند” نفسه بالدعوة إلى مؤتمر قمة في باريس أعلن بعده الحرب على «بوكو حرام»، وقد ضمت القمة التي انعقدت بقصر الإليزيه عدداً من قادة الدول الأفريقية وهم الرئيس النيجيري “جودلاك جوناثان” ورؤساء تشاد والكاميرون والنيجر وبنين، وأعلن وزير الدفاع الفرنسي “جان إيف لودريان” أن فرنسا تستعد لنشر قوة عسكرية قوامها 3000 جندي في منطقة الساحل الأفريقي، تخص بها دولة مالي، النيجر وتشاد، وبوركينا فاسو، وذلك ضمن عملية إعادة تنظيم القوات العسكرية الفرنسية المنتشرة في المنطقة، لمواصلة “مكافحة الإرهاب”! مؤكداً أن قوات فرنسا ستبقى هناك حسبما تقتضي الضرورة، وكانت فرنسا قد تدخلت في مالي عسكرياً في يناير 2013م ضد عناصر إسلامية زعمت أنهم “تنظيم القاعدة” بشمال مالي، دون انتظار المظلة الدولية، بناء على طلب الرئيس المالي كما ادعت!

إن فرنسا القيادة الصليبية العريقة منذ بداية الحملات الصليبية القديمة عام 1095م، تستعيد دورها الآن في الغزو الصليبي الجديد لإرهاب المسلمين وقتلهم تحت دعاوى مكافحة الإرهاب الإسلامي، ويساعدها على ذلك إعلام قوي، في الغرب والدول الإسلامية الخاضعة للنفوذ الغربي الصليبي، ويردد هذا الإعلام ليل نهار حديثاً مملاً عن الإرهاب الإسلامي والتنظيمات الإسلامية التي تقوم به، ويهيئ لعقاب جماعي تدفع ثمنه أمة الإسلام من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلنطي، وانظر على سبيل المثال ما حل بالأمة الإسلامية منذ أحداث سبتمبر 2001م حتى الآن.

لقد تدخل الغرب بقيادة الولايات المتحدة في دول إسلامية عديدة، فقتل من شعب أفغانستان قرابة مليون مسلم، ومن شعب العراق أكثر من مليون ونصف مليون مسلم، ومن شعوب الصومال وفلسطين ولبنان ومالي عشرات الآلاف ومازال الدم الإسلامي البريء يسيل في كل الأرجاء بيد الصليبيين، أو بمعرفة عملائهم وخدامهم في العالم الإسلامي، فضلاً عن الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المحتلة. 

إن الإرهاب الصليبي يمارس جرائمه تحت مظلة القوة الساحقة التي لا تعبأ بقانون أو أخلاق أو ضمير، وهو يحرك عملاءه من الحكام والنخب ليتمدد في العالم الإسلامي، ويعيد مراحل السيطرة والنفوذ على أرض الإسلام بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويحرم المسلمين من أدنى درجات الحياة الحرة الكريمة، وهو في الوقت نفسه بارع في استخدام العبارات الرنانة عن حقوق الإسلام والقانون الدولي والقيم الإنسانية، وكلها أمور يطرحها تحت قدميه استجابة لتعصبه ومصالحه الإستراتيجية. 

إن نيجيريا المسلمة التي ستكون منطلقاً للإرهاب الصليبي القادم في أفريقيا تملك ثروات اقتصادية طائلة، ومع ذلك يزداد فيها الفقر والتخلف، إن الاقتصاد النيجيري أحد أكبر الاقتصاديات الصاعدة في أفريقيا، وبلغ إجمالي الناتج المحلي منه عام 2012م وفقاً لبعض الأبحاث نحو 273 مليار دولار بمعدل نمو يقارب 6.6% سنوياً مقارنة بنحو 34.5 مليار دولار فقط عام 1999م، وهذا يعني أن نيجيريا تضاعف ناتجها المحلي بنحو 700% مقارنة بما كان عليه عام 1999م، فإن معدلات البطالة في نيجيريا ارتفعت بما يزيد على 50%، كما أن هناك نحو مائة مليون مواطن يعيشون على أقل من دولار واحد يومياً؛ بمعنى أن 70% من جملة سكان العملاق الأفريقي يعيشون تحت خط الفقر.. ولا يخفى أن الاقتصاد النيجيري لا يزال تحت رحمة الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات والتي تعمد دائماً إلى نهب ثروات البلاد، وذلك بمساعدة النخب الوطنية التي تحصل على الفتات، طبقاً لتعبير الاقتصادي الجنوب أفريقي “موليتسي مبيكي” في كتابه عن “هندسة الفقر”.

الإرهاب الصليبي يعمل للقضاء على الإسلام ووصمه بالإرهاب، وينهب الثروات، ويستبيح الكرامة، وتحميه القوة والإعلام الكذاب والعملاء من النخب والحكام.

 

 

Exit mobile version