سامح الخطاري يكتب: الثورة المصرية ومعركة الوعي

تخوض الثورة المصرية منذ ثلاثة أعوام معركة شرسة على كافة الأصعدة، بين تيارين يتمايزان يوما بعد يوم في فرز مستمر

تخوض الثورة المصرية منذ ثلاثة أعوام معركة شرسة على كافة الأصعدة،  بين تيارين يتمايزان يوما بعد يوم في فرز مستمر، وسيستمر إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.. وحتى نحدد معا طبيعة المعركة وأوراقها ومستقبل الصراع علينا أن ندرك أولا ماهية الطرفين ومكونات كل منهما..

ولعل أي متابع لأخبار مصر سيدرك أن هناك تيار علماني مكون من نخب سياسية واعلامية وعسكرية واقتصادية، تتفق جميعها إلا قليلا على محاربة هوية الأمة المصرية الإسلامية، وهم مع ذلك يحاولون جاهدين أن يتشبثوا بكرسي الحكم ومؤسسات الدولة بدون انتخابات حقيقية، فلم يذكر التاريخ أن وصل العلمانيون في أي بلد اسلامي إلى مؤسسات الحكم إلا عبر فوهة الدبابة وبعيدا عن طريق الصناديق النزيهة، ولهذا فقد عزلوا التيار الإسلامي على مدار 60 عاما من المشاركة السياسية والاجتماعية أو الترقي لمناصب عليا، خاصة في مؤسسات هامة كالجيش والشرطة والقضاء والإعلام …وبالرغم من ذلك إلا أن هذا التيار فشل فشلا تاما في أن يجعل لنفسه ظهيرا شعبيا يؤيد وجوده خاصة مع تبنيه لقيم غربية وعلمانية تتنافى مع هوية شعب مصر الإسلامية.

وفي ظل صحوة دينية بدأت في منتصف القرن الماضي، عمدت النخب العلمانية التي أدركت هذه الحقيقة وهذا الوعي الشعبي المتشكل  إلى سلاحين هامين لتؤمن وجودها، ولقد كان أبرز هذه الأسلحة هو سلاح الإعلام  الذي استخدم لتغييب الشعب واعطاء صورة زائفة وهالة من التعظيم على تلك النخب، وتم استخدامه وتوظيفه في هذا السياق حتى قبل ظهور الفضائيات، فقد مثلت الأفلام والمسلسلات المصرية والغناء والدراما بشكل عام أسلحة فتاكة استخدمت تحت مسمى الإبداع لتظهر صورة غير تلك الصورة الحقيقية لشعب مصر الحر الأبي المسلم وتستمر في تغييب وعيه.

أما السلاح الثاني الذي تم استخدامه من قبل هذا التيار فكان الهيمنة على الجيش، ومنع أي أفراد ينتمون للتيار الإسلامي من الوصول لهذه المؤسسة، ولقد بلغ التعسف مداه لدرجة أنه لو كان هناك متقدما لكلية عسكرية، وكان من ضمن أقاربه حتى ولو من بعيد أي فرد ينتمي للتيار الإسلامي فإن هذا المتقدم لا يتم قبوله داخل الكلية، وكان من نتائج ذلك اقصاء ذلك التيار الأصيل الذي ثبت أنه يمثل غالب المجتمع، وصارت مصر محكومة بقيادات عسكرية علمانية تتجمع حولها نخب علمانية مدنية  في مشهد هزلي يضفي بعض التجميل لصورة حكم العسكر الذي كان من نتائجه أن صارت مصر المحروسة في ذيل الأمم.

والمقصود بحكم العسكر الذي ذكرناه، هو أن مؤسسات الدولة صارت محكومة في غالبها بعسكريين سواء من خريجي الكلية الحربية أو الشرطة، فالرئيس عسكري والمحافظين عسكريين سابقين وكذلك رؤساء مجالس المدن والمحليات والوزارات الهامة ورؤساء الشركات الكبرى التي تتحكم في معظم الاقتصاد المصري، أضف إلى ذلك أن ابناء العسكريين لهم الأولوية في الكليات العسكرية حتى صارت مصر الكبيرة العظيمة التي تعج بالكفاءات عبارة عن دولة داخل معسكر .

وحين ننظر إلى الجانب الاخر، نرى أن التيار الإسلامي مع بعض شرفاء الوطن من التيارات الأخرى قد مثل جل هذا الفريق المقاوم للظلم والإستبداد والعلمنة والعسكرة، دافعا فاتورة باهظة ومقدما لكثير من التضحيات، كان من ضمنها مئات الشهداء وآلاف المعتقلين إلى جانب التضييق الأمني والمنع من السفر والوظائف الهامة ومصادرة الأموال .. ومع ذلك فقد اكتسب التيار الإسلامي شعبية كبيرة داخل المجتمع نظرا لتبنيه لثقافة الشعب ودفاعه عن هويته الإسلامية، والبحث الدؤوب عن مساعدة الناس طلبا لرضا الله اولا وحرصا على مستقبل ومقدرات هذا الوطن. وكان سلاح التيار الإسلامي الوحيد في هذا هو التواصل المباشر مع الناس وخدمتهم وشرح قضايا الأمة لهم على أرض الواقع .

ثم جاء عام 2011 بعد أن انسدت كل طرق التغيير السلمي ومل الشعب من تزوير الإنتخابات وإهدار الكرامة وسوء الأحوال من الله علينا بثورة يناير، فخرج  المصريون مستبشرين بثورة تونس، التي شكلت بارقة أمل وشرارة نور لكل الشعوب التي تئن من الظلم والجور، وصمد الناس  في الميادين وتزايدت الأعداد، فما كان من المؤسسة العسكرية إلا ان ضحت برأس النظام لتحتفظ لنفسها بتلك الإمبراطورية العظيمة وتهيمن على مشهد الثورة مؤدية دور الناصح الأمين …

ولسنا هنا في معرض الحديث عن اخطاء الثورة ، لكن مما لا ينكر أن أكبر الأخطاء كان وثوق الثوار في هذه المؤسسة وفي أولئك القادة الذين اختارهم مبارك بنفسه وتربوا على عينه، فلقد اسقطت الثورة رأس النظام لكن ظل جسم النظام كما هو متحكما في كل شبر في مصر ، ويأبى أن يترك مكتسباته لمن انتخبهم الشعب ليديروا هذه الدولة بما يرضي الله .

والآن؟

عادت  الكتلة الصلبة لثورة يناير والتي كان جلها من التيار الإسلامي لسلاحها الرئيسي من أجل اسقاط الإنقلاب وهو التواصل المباشر مع الشعب من خلال المسيرات اليومية، لاستدعاء الأغلبية العظمى من الناس وإزالة الزيف والركام الذي صنعه الإعلام ، وتشكيل وعي كبير حول الانقلاب وأخطاره تمهيدا لاستكمال اهداف الثورة.

وبرغم القمع والإعتقالات والمذابح الدموية التي لم تشهد المحروسة مثيلا لها طوال التاريخ ، إلا أن المزيد والمزيد ينضم لصفوف الثورة يوميا، ولعل البعض يعتقد ان الزخم الشعبي قد قل عدديا في الآونة الأخيرة … لكنه حقيقة (توسع) – فبعد أن كان لدينا  نقطتين للتظاهر هي رابعة والنهضة – وكان الحضور فيهما بمئات الالاف، لجأ التيار الإسلامي لفرد الكتلة الثورية على انحاء الجمهورية ، انهاكا لقوات امن الإنقلاب من ناحية ، ونشرا للوعي الثوري من ناحية اخرى.. لهذا توزعت المسيرات على عواصم المحافظات في الفترة الماضية، فقل الظهور العددي الإعلامي، لكنه في حقيقة الأمر يتوسع ويستدعي المزيد في هذه العواصم.

ثم انفرد الحراك بعد ذلك  ليشمل كل مدن الجمهورية بدلا من التظاهر في العواصم فقط، ثم انفرد اكثر ليدخل القرى لأول مرة ،  وبدلا من أن يسافر أهل القرى للمدينة ليتظاهروا أو لعاصمة المحافظة،  صاروا يتظاهرون أمام قراهم  ويستدعوا المزيد من الناس للإنضمام للثورة لتكون الحاضنة الشعبية أكبر وأوسع ، ثم يأتي بعد ذلك أيام حاسمة يكون الحراك فيها قد قلب مصر بطولها وعرضها ،  وكسب معركة الوعي الثوري، لتتحول الثورة إلى تسونامي كاسح لا تستطيع أي قوة على وجه الأرض أن تواجهة .. قل متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.

Exit mobile version