هل يملك النظام القائم في مصر مقومات البقاء فضلاً عن النجاح في بناء الدولة؟

يحلو للكثير من الكتّاب والمحللين السياسيين سواء كانوا من الانقلابين أو حتى بعض من يقف على الحياد، أن يؤكد نجاح ما يسمى بـ”خارطة الطريق”، وأن هذا النجاح سيكلل بتتويج “السيسي” رئيساً، أما الحراك في الشارع فهو في تضاؤل وانكماش مستمر وسينتهي قريباً جداً. 

والحقيقة هي أن الانقلاب فشل فشلاً ذريعاً ولم يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام منذ الثالث من يوليو ولكنه لم ينكسر بعد، ولعل تأخر هذا الانكسار يكون في مصلحة الثورة، فطول الوقت مع كل هذه التضحيات هو الذي سوف يمكّن الشعب المصري الثائر من اقتلاع النظام العسكري الفاسد من جذوره العميقة.

النظام القائم الآن يستند في بقائه إلى ثلاث ركائز أساسية؛ وهي وجود الجيش في الشارع، وضخ المال الخليجي، والدعم السياسي الغربي الصهيوني، فإذا زالت هذه الركائز زال الانقلاب، أما الحديث عن شعبية جارفة لـ”السيسي” فهذا زيف يروج له إعلام الكذب والزور ومؤسسات الدولة العميقة، فكل المؤشرات تؤكد انهيار هذه الشعبية كما سنوضح لاحقاً، والسؤال: إلى متى يمكن أن تستمر المقومات الثلاثة سالفة الذكر؟ 

أما الركيزة الأولى، والتي تتمثل في وجود المدرعات وعناصر القوات المسلحة في الشوارع والميادين؛ فهذا الأمر غير طبيعي، ولا يمكن أن يدوم طويلاً؛ لأسباب عديدة، منها أن الحالة النفسية للأفراد لا تتحمل الوجود في الحياة المدنية خاصة بعد التورط في دماء أهليهم من المصريين، وجود الجيش في الميادين هو وقف حال للبلد ويضرب السياحة في العمق، وهو أيضاً دليل على فشل الانقلاب الذي لا يجرؤ على سحب المدرعات من الميادين، فالنتيجة الحتمية لذلك معروفة وهي انهيار آلة القمع الشرطية أمام طوفان البشر السلميين الذين سيتدفقون إلى ميادين القاهرة الكبرى بأعداد تتضاءل أمامها أعداد ثوار 25 يناير.

أما المقوم الثاني، المتمثل في أموال الخليج التي تعتبر بمثابة التنفس الصناعي للانقلاب الميت إكلينيكياً في محاولة يائسة لإحيائه؛ فهذه الأموال لن تستمر طويلاً، وإن استمرت فلن تقيم اقتصاداً منهاراً لدولة كبيرة بحجم مصر.

والمقوم الثالث والأخير، والمتعلق بالدعم السياسي الغربي الصهيوني؛ فهو بداية دعم مشروط بقدرة الانقلابيين على المضي قدماً في خارطة الطريق المتعثرة وتحقيق الاستقرار السياسي وبناء نظام ديمقراطي، وهذا أبعد ما يكون عن الواقع، ولا يبدو في الأفق أي بادرة أمل في تحقيقه، وحتى إن استمر هذا الدعم فلن يصمد أمام الحراك الثوري المتنامي والذي يزداد اشتعالاً بسبب الانهيار الحادث في كل شيء، وبسبب الأداء القمعي والفاشي للنظام القائم والذي لم يسلم منه حتى مؤيدو الانقلاب.

أضف إلى كل ما سبق، أن النظام الانقلابي يهدم نفسه بيده وبما يتمتع به قادته من غباء غير مسبوق حتى أصبحوا مثاراً للسخرية والتندر على مستوى العالم، وليس أدل على ذلك من الانتشار الواسع لـ”الهاشتاج” المسيء لـ”السيسي” معبود الانقلابيين والذي تخطى حاجز ملياري تغريدة (حسب آخر الإحصاءات)، و”اختراع الكفتة” معجزة العصر الطبية لشفاء كل الأمراض المستعصية، وتتوالى فضائح الانقلابيين الواحدة تلو الأخرى كالفضيحة المدوية لمدرب الكاراتيه (منسق حملة “السيسي”)، وكالأحكام القضائية القاسية التي وصلت إلى حد الإعدام الجماعي، وكالأحكام بالسجن على أطفال وفتيات وطلبة جامعيين، ولقد فشل النظام فشلاً ذريعاً في كل الملفات وعلى كل الأصعدة، كل هذا الفشل عبّر عنه وزير المالية الانقلابي حينما قال: “أشعر بالعار لأن معدل النمو في سنة “مرسي” ضعف السنة الحالية”، لقد رأينا نموذجاً من حكم العسكر لمدة تسعة أشهر أهلكوا فيها الحرث والنسل وأتوا على الأخضر واليابس، أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس والانهيار التام، كما أعلن “السيسي” حينما قال: “مفيش.. مفيش”، وكما جاء في التقرير الأخير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: لقد فك “السيسي” وديعة حرب الخليج وازداد الدين العام إلى ما يقرب من تريليوني جنيه. 

كل ما ذكر هنا هو غيض من فيض، وأمام كل ذلك فإن “السيسي” ومن يدور في فلكه لا يملك أي رؤية أو برنامج سياسي (كما قال أنصاره) للخروج من النفق المظلم الذي أدخلونا فيه، اللهم إلا اعتماد إستراتيجية “الفكاكة”، وبرنامج التضحية بجيلين، ومشروع “السيسي عذاب”، لا يملك “السيسي” إلا حلماً واحداً ظل يراوده لأكثر من 35 عاماً وهو كرسي الرئاسة، بعد كل ذلك؛ هل يبقى لهذا النظام “السيسي” من أي أمل في البقاء؟

 

Exit mobile version