” نادر”

الدول لا تُقاس بمساحتها الجغرافية ولا بعديد سكانها، بل بامتدادها وتأثيرها وحفاظها على الحقوق الإنسانية.. !

الدول لا تُقاس بمساحتها الجغرافية ولا بعديد سكانها، بل بامتدادها وتأثيرها وحفاظها على الحقوق الإنسانية.. !

كان الطفل في سن التكوين الأول وفي محضنه العلمي يقتات على (مجلات) كانت هي النافذة الواسعة على العالم، وبالكاد يحصل على أعدادها.

أربع مجلات هي زاده الثقافي، إحداها مطبوعة بحجم كتاب وبألوان زاهية ومقدمة علمية لرئيس تحريرها تخلب الألباب، مع شغب غير محبب لديه حول أحاديث البخاري..

(مجلة العربي) التي كان يحصل عليها سراً ويقرؤها بنَهَم..

والأخرى مجلة (الوعي الإسلامي)؛ التي مصدرها وزارة الأوقاف، حيث يقرؤها مسترخياً شديد الوثوق لتوافقها مع ثقافته الشرعية وبيئته العلمية، ويسعد حين يجد مقطوعة شعرية تخفف كثافة المادة، فيبادر بحفظها.. ولم لا؟ .. والذاكرة طريرة.. ومتلمظة!

والثالثة (مجلة البلاغ)؛ ذات الأوراق العريضة والعناوين الفتانة.. وكانت تزاحم أختها الأطول عمراً (مجلة المجتمع) في موضوعاتها واتجاهها..

استمرت صلته قارئاً دائماً، فقارئاً متقطعاً حتى إذا وقعت الواقعة واجتاح العراق الكويت وجد نفسه في فراغ غريب.. أهكذا وبهذه السهولة يفقد الإنسان أصحابه؟ وتتوقف مصادره؟

الأسماء التي قرأ لها محفورة في الذاكرة لا تبرح..

“نادر النوري” كان أحدها..

* تجده أمامك دون عناء في روحانية العمل الخيري الإنساني وبركته الربانية لكل من تلبّس به، أو شقي في سبيله..

* في تواضع الكبار وقربهم من الأجيال الجديدة، وتحطيم الحواجز المصطنعة مع الشباب، والاندماج العاطفي والفكري معهم عبر النزول إلى عالم أفكارهم وألعابهم ولغتهم وهمومهم..

* في القدرة على تحويل المشاريع النظرية إلى مؤسسات وبرامج عملية قائمة تلمسها اليد وتراها العين، ويقرأ القلب آثارها الجميلة على المستفيدين..

خصيصة تفوقت بها (الكويت) في تكاثر العاملين المخلصين في الحقل الإنساني، يتجاوزون الحدود الإقليمية، ويرتفعون عن العنصرية الضيقة ببرهم.

تجدهم إلى جوار المعوزين والجياع والبائسين، ليس عبر إرساليات كريمة من المال فحسب، بل بشخوصهم وأرواحهم، يقومون بالدور مباشرة، ويتعلّمون الإنسانية عبر مشاركة الفقراء وجباتهم وأكواخهم وحياتهم المرهقة!

* في الوفاء لأساتذته ومعلميه والثناء على عطائهم وبذلهم، وهي سجية رائعة تحقق تواصل الأجيال بحبٍ وإيمان: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {10})( سورة الحشر).

وهكذا يجد هؤلاء ألسنة تلهج بالثناء عليهم كلما مر ذكرهم.

أَعِدْ ذِكْرَ نعمانٍ لَنَا إنَّ ذِكْرَهُ *** هُوَ المِسْكُ مَا كَرَّرْتَهُ يتضوُّعُ!

كانوا يدأبون في التاريخ مجتهدين حتى أصبحوا في التاريخ مكتوبين..

أصبحت أجد متعة في الكتابة عن الخالدين بآثارهم، ليس من باب الوفاء لهم فحسب، ولا لصناعة القدوة وترميزها فحسب، بل لأُكرِّس في نفسي قراءة الوجه الجميل للحياة ولبُناتها البررة ومهندسيها المهرة!

* في الوقوف الصلب أمام التحديات التي تعترض عمل الخير.. (نحن لا ننافسكم في ميدانكم.. فدعونا وما نذرنا أنفسنا له..)!

* وأمام إغراءات الراحة والخمول والدّعة.. نعم؛ للأسرة حقها وللنفس حقها.. وللإنسان حيث كان حقه في التعليم والخدمة والدعوة.. وعمل الخير مما يزكي هذا وينميه ويضاعف فرحته وسعادته.

* وأمام وطأة المرض حيث يُقعِد عن الكثير من المهام المباركة حتى يصبح التواصل عبر موقعٍ أو حساب شخصي في تويتر عندما يُغرِّد “نادر النوري” بكل معنى جميل..

(https://twitter.com/NaderAlNouri)

رَحِمَ الله الشيخ فقد كان نوريَّاً ونادراً، وتقبَّله في المهديين.

 

Exit mobile version