هل تعود إيران «كشرطي أمريكي» في المنطقة؟

منذ يناير عام 1979م وبرحيل الشاه (شرطي أمريكا القديم)، وبزوغ الثورة الإيرانية وعودة «الخميني» لإيران في أبريل من السنة نفسها،

حيث كان شعار الثورة الإيرانية «أمريكا الشيطان الأكبر»، والآن بعد مضي 35 عاماً يدشن اتفاق تعاون أمريكي – إيراني باتجاه تنصيب إيران (الثورة الخمينية وولاية الفقيه) «شرطياً جديداً للمنطقة»، لحساب الولايات المتحدة ومصالحها.

كيف حدثت هذه التحولات السياسية والأيديولوجية عند الطرفين بعد مرحلة من الصدام والتوتر؟ وفي الحقيقة إن استقصاء حقيقي لمسار العلاقات الأمريكية الإيرانية يثبت أن إيران (ولاية الفقيه) كانت تتعامل بكل برجماتية مع «الشيطان الأكبر»، وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتفاعل بكل أريحية مع «دولة الشر»؛ فالحقيقة، إن إدارة السياسة هي تقدير أكبر المصالح وتجنب أكبر الخسائر وليس هي الأيديولوجيا أو المبادئ.

لقد أدارت الولايات المتحدة وإيران الصراع باحتراف وبرؤية واضحة، ماذا يريد كل طرف من الآخر؟

فلم تتخل الدولتان عن تتبع ورعاية مصالحهما في المنطقة في أي لحظة صراع أو تفاهم، فقد تعاونتا عبر «إسرائيل» في الحرب العراقية الإيرانية؛ لإعادة التوازن الإستراتيجي العسكري ضد عراق «صدام» في منتصف الثمانينيات، كما تعاونتا عبر بعض القنوات الدبلوماسية في حرب الخليج الثانية لإبقاء إيران على الحياد، وكذلك عام 2001م لإسقاط نظام «طالبان»، فقد أدى هذا التعاون لإسقاط النظام المقلق لإيران، وفي الوقت نفسه رفع من ربحية إدارة «بوش» في تلك المرحلة في تحقيق نصر يرتضيه الأمريكيون ولاحتسابه في ميزان انتخابات الحزب الجمهوري.

وفي عام 2003م كان الانسجام والاتفاق عبر القنوات الدبلوماسية البريطانية، وأقسام رعاية المصالح في سفارات باكستان وسويسرا في واشنطن وطهران؛ لإسقاط نظام صدام، واستمر هذا التفاهم لحين الانسحاب الأمريكي من العراق؛ بحيث تؤدي إيران دوراً حيوياً لاستقرار الحكم الشيعي في العراق؛ لذا التزم النظام العراقي باتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة لرعاية مصالحها، وأخيراً يأتي التعاون والتفاهم الأمريكي الإيراني الأخير حول المشروع النووي الإيراني، وذلك بتمكين «إيران» لتكون «شرطياً» في المنطقة لرعاية المصالح الأمريكية دونما «حرب» أو «عبء» أكبر على الاقتصاد الأمريكي، فما هذه التحولات والظروف التي أدت إلى مثل  هذا التفاهم ليصبح تعاوناً إستراتيجياً؟

أولاً: التحولات في السياسة الأمريكية:

1- اقتضت السياسة الأمريكية في إدارة «أوباما» أولوية بالاتجاه نحو المحيط الباسفيكي، ولإيجاد توازن إستراتيجي مع القوة الجديدة الناهضة للصين؛ مما يجعل هذا الملف ذا الوزن الثقيل يستهلك القوة الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية الأمريكية.

2- انخفاض معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، وانعكاسه على دعم القوة الإستراتيجية، وخصوصاً العسكرية بما يقلل من استخدام القوة والحرب في المنطقة لإنهاء الملفات المزمنة في إيران والعراق وسورية.

3- نجاح السياسة الأمريكية والأوروبية في استهلاك إيران، وإضعاف اقتصادها بالحصار، وبانزلاقها في العراق وسورية واليمن، بما يستهلك جهودها في دفعها إلى الاستسلام للحل، والالتقاء في منتصف الطريق ولكن بشكل أضعف من السابق.

4- سنحت فرصة لتقليص حجم المشروع الإيراني النووي، وتقليل أخطاره على  «إسرائيل» دون حرب.

ثالثاً: التحولات في السياسة الإيرانية:

1- أدت سنوات الحصار إلى ضعف في الاقتصاد الإيراني؛ وأدى ذلك إلى تململ الشعب الإيراني، ووصل معدل الفقر إلى أكثر من 60٪.

2- نجح التيار الإصلاحي بقيادة «روحاني» في استلام رئاسة الجمهورية، بما شكل ضربة للسياسة الخارجية التي انتهجها المحافظون، حيث سارع للتفاهم – بوساطة عمانية – مع الولايات المتحدة، لملفات حساسة في المنطقة وخصوصاً الملف النووي.

3- أدت التغيرات التي حدثت في سورية، ونهوض الشعب السوري في ثورته ضد النظام، للإخلال بإحدى ركائزها الإستراتيجية، مما دفعها لهذا التفاهم؛ ليقلل فرص إخراجها من المنطقة.

4- عدم وجود قوة عربية قادرة على ملء الفراغ ومواجهة إيران بعد سقوط العراق تحت نفوذ السيطرة الإيرانية، وتعنت النظام السوري، وانقلاب العسكر في مصر، مما أعطاها فرصة للقيام بعرض إيجابي لخدمة مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

النتائج:

لقد أدت تلك التحولات والمتغيرات إلى تفاهم إستراتيجي بين إيران والولايات المتحدة في غياب عربي خليجي ورضا أوروبي – «إسرائيلي»؛ لتقوم إيران بدور شرطي في «منطقة الخليج»، وفي الوقت نفسه تقوم بدور مواجهة الجماعات السُّنية المسلحة الحقيقية، التي تؤرق الولايات المتحدة و«إسرائيل» في العراق وسورية ولبنان واليمن بدلاً من استنزاف الاقتصاد والدم الأمريكي، مع الاتجاه لرعاية المصالح الأمريكية في انسياب النفط في الخليج والشرق الأوسط بمشاركة مع حلفائها الخليجيين.

إن المحتوى السُّني (شعوباً ونُظماً) المقلق لـ«إسرائيل» والولايات المتحدة تم الإحاطة به للسيطرة عليه بشكل كامل.>

 

Exit mobile version