«إنغريد ماتسون».. حينما تتحول المرأة إلى طاقة دعوية

 

لا تزال الكثير من المقاعد شاغرة لتمارس المرأة المسلمة دورها القيادي في مجال الدعوة، ورغم ذلك هناك من يظن أنها قليلة البضاعة في هذا المجال، لكن هناك نماذج لداعيات دحضن هذه الأفكار، مثل البروفيسورة أنغريد ماتسون، المختصة في علوم القرآن والفلسفة ومقارنة الأديان، وإحدى القيادات الدعوية في قارة أمريكا الشمالية. 

فمنذ اعتناقها للإسلام، وهي في العشرينيات من عمرها، تحولت إلى طاقة دعوية طيلة أربعة عقود، دفاعاً عن الإسلام في المجتمع الغربي، ودعوة إليه بين الغربيين، وتعليماً للمسلمين دينهم، وتطويراً للدعاة من خلال الدورات المتخصصة، وحواراً مع أهل الأديان الأخرى وصولاً لكلمه سواء، وقيادة لأكبر المؤسسات الإسلامية في الغرب.

طريق الإيمان

ولدت أنغريد، في 24 أغسطس 1963، بمدينة أنتاريو الكندية، لعائلة كاثوليكية، وكان والدها محامياً، وكانت أسرتها كبيرة مكونة من 7 أطفال، وفي السادسة عشرة من عمرها، تحولت عن الكاثوليكية لتكون لا دينية، واعتنقت الفلسفة الوجودية أثناء دراستها الجامعية. 

وفلسفياً شكل سؤال المعنى قلقاً للإنسان، فمنذ طرح الكاتب توماس كارلايل عام 1834 سؤال المعنى، لم تشفِ إجابات الفلسفة ظمأ الباحثين عن معنى لوجودهم، فكان تغييب المُقدس والإيمان، من أقوى الأسباب لزيادة القلق الوجودي، وفي ظل هذا الصراع كانت الأسئلة تتصاعد بلا إجابات في أعماقها، تقول: «لقد تعجبت تعجباً طفولياً من جمال ومجد الخلق، والشعور بالجلال، والشعور بأن الكون يعمه المعنى والهدف، وهذا حقًا ما أتى به القرآن، قبل أي شيء، كان هذا الإدراك الإلهي قبل أن يعطيني أي إرشادات محددة لكيفية عيش حياتي كمسلمة».

كانت تلك الفترة القلقة من حياتها سبباً في تحولها السريع للإسلام، واختيارها الحر للإيمان، فرأت أن الإسلام يركز على المسؤولية الإنسانية، ولا يعفي الإنسان من مسؤولية أفعاله، ورأت أن تحمل المسؤولية يمنح شعوراً بالسلام، ففي زيارة لباريس، في سنتها الأخيرة بالجامعة، التقت مع فتيات مسلمات من السنغال، وأثرن فيها تأثيراً عميقاً، لتعلن إسلامها، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، وأبدت تعجبها من الغربيين الذين يظنون أن الإسلام مرتبط بذوي البشرة السوداء، وقالت: «عندما ينتقل الأمريكيون من أصل أفريقي إلى الإسلام، يعتبر هذا أمرًا صحيحًا، وعندما أفعل ذلك، فإن ذلك يعتبر ردة ثقافية، كما لو أنني بطريقة ما تخليت عن بياضي لأصبح شخصاً آخر».

وبعد حصولها على البكالوريوس عام 1987، ذهبت لباكستان وأمضت عاماً بين اللاجئات الأفغانيات، وتزوجت هناك من مهندس مصري، ثم حصلت على الدكتوراة عام 1999 من جامعة شيكاغو في لغات وحضارات الشرق الأدنى، وتنوعت اهتماماتها الثقافية والبحثية والأكاديمية بين الدراسات الإسلامية، وحوار الأديان، فكانت أستاذة للدراسات الإسلامية والعلاقات الإسلامية-المسيحية، وشغلت منصب مديرة مركز ماكدونالد لدراسة الإسلام(1).

بين الإيمان والتعايش

في الرابع من سبتمبر 2001، انتخبت أنغريد نائباً لرئيس الجمعية(2) الإسلامية لأمريكا الشمالية (إسنا)(3)، ومع ذروة تنامي مشاعر «الإسلاموفوبيا» في الولايات المتحدة، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سعت أنغريد لخلق مساحة يتنفس فيها المسلمون بحرية، من خلال مكافحة العنصرية المتصاعدة ضد المسلمين، ورأت فيها كراهية يجب أن تُكافح، وقالت: يبدو أن المسلمين في أمريكا اليوم فقدوا حقهم في أن يكونوا أفراداً، نحن نُعامل كجماعة/مسؤولين كمجموعة عن أي جريمة يرتكبها مسلم آخر أو ترتكب باسم الإسلام، وطلبت من المسلمين ضرورة أن يُبدوا التزماً أكبر برفض الإرهاب والعنف الذي يُرتكب باسم الإسلام، ورأت أن الصمت مؤشر على الرضا، وأنه إذا لم يرفض المسلمون التفسيرات المنحرفة للقرآن، فإنهم بذلك يكونون قد تهربوا من مسؤوليتهم الدينية والتاريخية، ومسؤولية تحديد المعنى الحقيقي للإسلام.

وتقول عن تلك الفترة: «بذلت المنظمات الإسلامية الأمريكية جهودًا غير عادية للإعلان عن رفضها للإرهاب والتطرف باسم الإسلام؛ لقد نظمنا العرائض، وكتبنا فتاوى وأوراق مواقف، ووزعنا كتيبات، وعقدنا مؤتمرات، ونشرنا بيانات صحفية، ونُشرت مقالات رأي، وتحدثنا في الإذاعة والتلفزيون.. ومع ذلك، يسألون: لماذا لم يتحدث المسلمون المعتدلون ضد المتطرفين؟ لقد تحدثنا، لكننا لم نُسمع، لأن الأخبار الجيدة لا تحظى بتغطية كبيرة، والأسوأ من ذلك، هناك العديد من الأشخاص الذين يعارضون الإسلام، بسبب أيديولوجياتهم الدينية أو السياسية المتطرفة؛ بغض النظر عما يفعله المسلمون الواعون للعيش كمواطنين مسالمين».

رفضت أنغريد أن ينزوي المسلمون في معازل خاصة، وقالت: «في الماضي، جادل العديد من المسلمين -مثل المسيحيين الإنجيليين من قبلهم- بأنه يتعين عليهم عزل أنفسهم عن السياسة والثقافة الأمريكية من أجل الحفاظ على إيمانهم طاهرًا.. إن المسلمين لم يعد لديهم هذه الرفاهية، نحن بحاجة إلى تشكيل محور للخير مع جيراننا، نحن 2% من سكان الولايات المتحدة، كيف سنكون فعالين ما لم نُقم تحالفات؟!»، لذلك سعت للحوار بين الأديان، ورفعت شعار «مثقفون إسلاميون، حركات سلام إسلامية، حقوق إنسان إسلامية.. هذا نحن»، ولهذا وصفت بأنها أحد بناة الجسور في العلاقات بين الأديان، وبأنها «الصوت المسلم المثالي».

وفي 23 أغسطس 2006، انتخبت رئيساً لـ«إسنا»، وكانت نموذجاً للمرأة المسلمة غير المهاجرة الداعية، والقائدة لمؤسسة إسلامية، وقالت عقب انتخابها: «إن المرأة يجب أن تشارك مشاركة كاملة في الحياة الإسلامية»، وظلت تشغل المنصب حتى العام 2010.

وألقت كلمة باسم المسلمين أثناء تنصيب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2009.

وقد نشطت في التأليف والمحاضرات والدورات التدريبة، وتركزت كتابتها حول القرآن الكريم، ودوره في الحياة الإنسانية، وفي مجال العلاقات بين الأديان.

ومن أهم كتبها «قصة القرآن: تاريخه ومكانه في حياة المسلمين»(4)، الذي قدمت فيه شرحاً عميقاً ومبسطاً عن تاريخ القرآن الكريم، وتأثيره في المجتمع المسلم، ويعد هذا الكتاب من المؤلفات التي نجحت في تقديم القرآن بشكل موجز ووافٍ للغرب، رغم أن صفحاته لا تتجاوز 262 صفحة، وكان أهم ما يشغلها التنبيه على تأثير القرآن في إضفاء المعنى على الحياة الإنسانية، وأن الإسلام يضفي المعنى على تلك الحياة.

 

 

 

 

____________________________

(1) مركز دونكان بلاك ماكدونالد لدراسة الإسلام والعلاقات المسيحية-الإسلامية، أنشئ عام 1973 بالولايات المتحدة للدراسة الأكاديمية للإسلام وتنمية العلاقات الإسلامية-المسيحية.

(2) تضم في عضويتها أكثر من 20 ألف شخص، ويتبعها أكثر من 350 مسجداً ومركزاً إسلامياً.

(3) Islamic Society of North America – ISNA

(4) عنوان الكتاب The Story of the Qur’an: Its History and Place in Muslim Life 

Exit mobile version