11 عاماً على رحيل فارس المنابر الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله

أمس الجمعة التاسع من مارس الجاري، مرت الذكرى الحادية عشرة لوفاة فارس المنابر الشيخ محمد الغزالي السقا، يرحمه الله تعالى، وفي هذه المناسبة نستذكر طرفاً من حياة الشيخ المجاهد، عسى الله أن ينفعنا بها.

نشأته:

ولد الشيخ الغزالي عام 1335هـ/ 1917م، في قرية نكلا العنب، إحدى قرى مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة (شمال الدلتا) بمصر، وكان أبوه تاجراً صدوقاً يحب الدين، فسماه تيمناً باسم الإمام أبو حامد الغزالي، وكان أكبر أبنائه، وفي العاشرة أكمل محمد الغزالي حفظ القرآن الكريم، فانتقل به والده إلى مدينة الإسكندرية، ليلتحق بالمعهد الديني الأزهري، وأكمل تعليمه ليلتحق بجامعة الأزهر وليحصل على العالمية في عام 1941م، ثم اشتغل خطيباً في مساجد مصر وتأثر بالشيخ محمود شلتوت، أستاذه في المعهد، الذي أصبح شيخاً للأزهر فيما بعد، وكان تأثره الأكبر بالشيخ حسن البنا، حيث ظل وفياً لمدرسته في الاعتدال ولمنهجه الوسطي.

مساهماته العلمية:

كان الشيخ محمد الغزالي شغوفاً بالقراءة منذ الصغر، محباً للتأليف في سن مبكرة، فكتب العشرات من الكتب، منها: “خلق المسلم”، “عقيدة المسلم”، “فقه السيرة”، “الإسلام في مواجهة الزحف الأحمر”، “قذائف الحق”، “دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين”.. وغيرها، بالإضافة إلى آلاف المقالات في الصحف والمجلات ومئات الخطب والمحاضرات واللقاءات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية.

زار الشيخ الغزالي عشرات الدول، أستاذاً في جامعاتها، ومشاركاً في مؤتمراتها وندواتها، وأسس جامعة الأمير عبدالقادر الإسلامية في قسنطينة بالجزائر التي أمست منارة للإسلام في شمال أفريقيا، وظل يديرها حتى ضعفت صحته، فاعتذر عنها، وكان له دوره الكبير في ترشيد الصحوة الإسلامية هناك.

جرأة في الحق:

اشتهر الشيخ الجليل بعلمه الغزير، وأفقه الرحب، وقلمه السيال، وعباراته المتدفقة وحماسته المخلصة، وجرأته في عرض ما يقتنع به، وتشخيصه الدقيق لأمراض الأمة، ومهارته في الدفاع عن الحق الذي يعتقده وتقريع المخالفين له، وحدته في مواجهة الخصوم وأعداء الإسلام.

ثقافة واسعة:

كان، يرحمه الله، موسوعي الثقافة، يتابع الأحداث في العالم، ويقرأ لكبار الكتَّاب والمفكرين، حتى كأنه عالم في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع، مثلما كان فقيهاً في العقيدة والشريعة وأصول الدين.

كان يرى أن الداعية يجب أن ينهل من كل المعارف والثقافات، ويناقش كل الأفكار والاتجاهات، حتى يعمق رؤيته، ويخدم دعوته، كان فارساً في الحرب ضد التدين الفاسد، الذي ينشغل بقشور المسائل عن أصولها، وألَّف عشرات الكتب لتعميق فهم الأمة لدينها وتبصيرها بما يحيط بها.

أقام منهجه على تربية العقل بحسن التفكير، وتربية القلب بحسن الإيمان، وتربية السلوك بحسن الخلق، وتربية الوجدان بحسن الأدب.

لم تقعده سنوات الشيخوخة والمرض عن أداء رسالته، حتى خطب عيد الفطر في مسجد محمود بالمهندسين قبيل وفاته بأيام.

وكان يتوافد إليه الآلاف من الشباب ينهلون من علمه، ويتغذون من حماسته.

زهد في المناصب:

كان زاهداً في الدنيا، لا يطرب لمنصب، ولا يحزن لفقده، وعندما عين وكيلاً لوزارة الأوقاف المصرية لشؤون الدعوة، وجد أن أعباء المنصب لا تناسبه، فاعتذر عنه، وفي شهر رمضان الأخير في حياته (رمضان 1416هـ) اعتكف طوال الشهر في مسجد صغير بإحدى القرى النائية في مصر.

نهاية جهاده:

أكرمه الله بالعمل لخدمة الإسلام حتى آخر رمق من حياته، حيث لقي ربه مساء السبت 19 شوال 1416هـ/ 9 مارس 1996م، بينما كان يلقي كلمته في ندوة عن الإسلام والغرب ضمن فعاليات مهرجان “الجنادرية”، الذي أقيم بالرياض بالمملكة العربية السعودية، حيث فاجأته أزمة قلبية نقل على إثرها إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة، ليطوي بذلك صفحة من صفحات الجهاد والبذل والعطاء، نهلت من معينها الفياض، شعوب الأمة المسلمة في أرجاء المعمورة، وليكون آخر عهده بالدنيا، وهو الذي قارب الثمانين من عمره، أن يكون فارساً يصول ويجول دفاعاً عن الإسلام وجهاداً في سبيله، وقد دفن بالبقيع في المدينة المنورة بناء على وصيته.

وللشيخ الغزالي سبعة من الأبناء: د. علاء، وم. بهاء، وخمس من البنات، إحداهن زوجة الكاتب الصحفي محمد عبدالقدوس، يرحم الله العالم الجليل، ونسأل الله أن ينزله منازل الأبرار.


([1]) العدد (1742)، 20 صفر 1428هـ/ 10 مارس 2007م.

Exit mobile version