الشيخ محمد الغزالي.. قلعة الإسلام الحصينة

 

تصادف اليوم الذكرى الـ 27 لوفاة المفكر الإسلامي البارز الشيخ محمد الغزالي ـ السبت 20 شوال 1416 هـ / 9 مارس 1996م ـ الذي عاش حياته كلها للإسلام، مدافعاً وداعياً وأديباً لا يخشى في الله لومة لائم.

ولادته ونشأته

ولد الشيخ محمد الغزالي في قرية نكلا العنب، بمحافظة البحيرة المصرية، في 22 سبتمبر 1917م.

نشأ في أسرة متدينة، وله 5 إخوة، فأتم حفظ القرآن بكتَّاب القرية في العاشرة، وقال الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنساً في تلك الوحدة الموحشة.

سمي الشيخ «محمد الغزالي» بهذا الاسم رغبة من والده بالتيمن بالإمام الغزالي، فلقد رأى في منامه الشيخ الغزالي وقال له: إنه سوف ينجب ولداً ونصحه أن يسميه على اسمه الغزالي، فما كان من الأب إلا أن عمل بما رآه في منامه.

دراسته وعمله

حصل الغزالي على شهادة الثانوية الأزهرية عام 1937، ثم التحق بكلية أصول الدين في العام نفسه، تخرج فيها سنة 1941 حيث تخصص بالدعوة والإرشاد، حصل على درجة العالمية سنة 1943.

انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتأثر بمرشدها الأول حسن البنا، سافر إلى الجزائر سنة 1984م للتدريس في جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، درس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ البوطي، حتى تسعينيات القرن العشرين، نال العديد من الجوائز والتكريم؛ فحصل على جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية عام 1409هـ/ 1989م.

وقد تلقى العلم عن الشيخ عبدالعظيم الزرقاني، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبو زهرة، ود. محمد يوسف موسى، والشيخ محمد محمد المدني.. وغيرهم من علماء الأزهر.

اعتقل الغزالي مع من اعتقلوا بعد حلّ جماعة الإخوان المسلمين سنة 1948، وأودع في معتقل الطور.

عمل إمامًا وخطيبًا، وفي عام 1971م أعير للمملكة العربية السعودية أستاذًا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ودرّس في كلية الشريعة بقطر، وفي سنة 1981م عُيِّن وكيلاً لوزارة الأوقاف بمصر، كما تولى رئاسة المجلس العلمي لجامعة الأمير عبدالقادر الجزائري الإسلامية بالجزائر لمدة 5 سنوات، وكانت آخر مناصبه.

في ميدان الدعوة

كان الميدان الذي خُلق له الشيخ الغزالي هو مجال الدعوة إلى الله على بصيرة ووعي، مستعينًا بقلمه ولسانه؛ فكان له باب ثابت في مجلة «الإخوان المسلمون» تحت عنوان «خواطر حيَّة»، جلَّى قلمه فيها عن قضايا الإسلام ومشكلات المسلمين المعاصرة.

وقد أثرى المكتبة الإسلاميّة بمؤلفاته التي بلغت نحو 60 كتابًا على امتداد 50 عامًا، فقد أبدع الشيخ الغزالي في كافّة ميادين الدعوة، وقد آتاه الله عدّة أدوات للدعوة، منها: منبر الخطابة، ومنبر الصحافة، ومنبر الإذاعة والتلفزة، وقد مثّلت المادة التي وزعها الشيخ الغزالي على هذه المنابر مجتمعة مدرسة إسلاميّة في فهم الإسلام من ينابيعه النقيّة من الشوائب.

مشروعه الفكري.. الحجة والبرهان في الرد

جسّدت سلسلة المؤلفات التي صاغها الشيخ محمد الغزالي التي بدأت عام 1947 بكتابه «الإسلام والأوضاع الاقتصادية» معالم مشروعه الفكري الذي يتميز بالاستجابة الإيجابيّة الفاعلة والمباشرة للتحديات التي واجهت الأمّة في طريقها نحو التقدم والخلاص، ومن أبرز هذه التحديات التي تعرّض لها الشيخ الغزالي في مؤلفاته:

– القوى المعادية للإسلام:

تصدى الشيخ الغزالي لجميع التيّارات المعادية للإسلام ووقف في وجه أخطارها وآثارها، ففي مواجهة الاستعمار كان كتابه «الاستعمار أحقاد وأطماع»، وفي مواجهة الصهيونيّة العالميّة كان كتابه «حصاد الغرور»، وفي مواجهة التنصير كان كتابه «صيحة تحذير من دعاة التنصير»، وفي مواجهة الشيوعيّة كان كتابه «الإسلام في وجه الزحف الأحمر».

– الاستبداد المالي والظُلم الاجتماعي:

في مواجهة هذا التحدي الذي شلّ قدرات الأمّة الإسلاميّة وعطّل مواهبها الماديّة والأدبيّة، صاغ الشيخ محمد الغزالي عددًا من المؤلفات، منها: «الإسلام والأوضاع الاقتصادية»، و«الإسلام والمناهج الاشتراكية»، و«الإسلام المُفترى عليه بين الرأسماليين والشيوعيين».

– الاستبداد السياسي:

في مواجهة هذا التحدي الذي جنى على الأمّة الإسلاميّة وحرمها من ثمرات الشورى، صاغ الشيخ محمد الغزالي عددًا من المؤلفات، منها: «الإسلام والاستبداد السياسي»، و«حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة»، و«الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية».

– تحديات الحضارة الغربيّة:

خاض الشيخ محمد الغزالي عددًا من المعارك في مواجهة التحديات الغربيّة التي كانت تحاول طمس التمييز الحضاري الإسلامي، ونسخ هويته، ومسخ روحه، فكتب عددًا من المؤلفات، منها: «من هنا نعلم»، و«حقيقة القوميّة العربيّة»، و«ظلام من الغرب».

– الذات الإسلاميّة:

بعد أنّ تشوّهت منظومة الفرد الفكريّة إثر الرواسب الموروثة من عصور الانحطاط وموجات التغريب والتشويه الغربية، صدرت للشيخ الغزالي العديد من المؤلفات في مجال التنوير والتبصير بحقائق الإسلام وكشف التدين المغشوش ومطاردة الأفهام السقيمة للإسلام، وتضمنت هذه المؤلفات إعادة صياغة للذات الإسلاميّة، منها: «خلق المسلم»، و«عقيدة المسلم»، و«جدد حياتك»، و«في موكب الدعوة» و«هذا ديننا»، و«تأملات في الدين والحياة»، و«ركائز الإيمان بين العقل والقلب»، و«ليس من الإسلام».

– الجمود والتقليد:

في مواجهة هذا التحدي الذي قلل من شأن العقل الإسلامي وقلل من إمكانيّة التعامل مع المستجدات المطروحة في هذا العصر، قدّم الشيخ محمد الغزالي منهجًا إسلاميًّا في كيفية التعامل مع النصوص، وميّز بين مصادر الإسلام المعصومة والفكر الإسلاميّ غير المعصوم، ورفض إغلاق باب الاجتهاد بدعوى أنّ الأولين لم يدعوا مجالًا للاجتهاد والتجديد في عددٍ من مؤلفاته، منها: «السنّة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث»، و«دستور الوحدة الثقافيّة بين المسلمين».

الداعية الأديب

إن المتابع لكتابات الشيخ لا بد أن يلحظ أن جلها مطبوع بالطابع الأدبي، وإن كان موضوعها هو الفكر والعقيدة والدعوة الإسلامية، ويتجلى هذا الطابع الأدبي في جانبين:

أولهما: توظيف النماذج الأدبية الراقية في خدمة الفكر الإسلامي.

ثانيهما: اختيار الأسلوب الأدبي الجميل في التعبير والإنشاء.

أما الجانب الأول، فإن الشيخ كثيراً ما كان يوظف النماذج الأدبية الراقية، سواء أكانت شعراً أم نثراً، في خدمة فكرة يريد بثها، وغرسها في النفوس، فهو يختار بحسه الأدبي ما يراه مناسباً من الموروث القديم، ومن الإنتاج الحديث، ويمزجه بالحقائق الدينية ويعرضه في وقته ومكانه المناسبين، ليلائم به أذواق الناس ويلبي حاجتهم إلى القيمة الفكرية والمتعة الأدبية، وهو يدرك بلا شك أن الأدب في هذا العصر أصبح بفنونه وأساليبه المختلفة يجذب قطاعاً عريضاً من الناس، وأصبح الذوق بشكل عام ميالاً إلى اكتساب المعرفة والثقافة بطرق فيها يسر واقتصاد، وفيها -أيضاً- جاذبية وإمتاع.

 البُعد الأخلاقي

في دراسة للكاتب د. جمال نصار بعنوان «البعد الأخلاقي في فكر الشيخ محمد الغزالي»، ذكر أن الشيخ رحمه الله أولى للجانب الأخلاقي أهمية كبيرة في كل مؤلفاته ومحاضراته ومقالاته، حتى إنه جعلها من أعمدة الإسلام، بل أكثر من ذلك أنه جعل الأخلاق من صميم الجهاد والأساس الذي يقوم عليه، وربط السياسة والاقتصاد بالقيم والأخلاق، بل جعل المدخل الطبيعي لمعرفة الإسلام من خلال الأخلاق، وربط الإيمان والحياة بالأخلاق، فحياة الإنسان كلها تدور في إطار الوازع الأخلاقي، ولم يخلُ مؤلَّف من مؤلفاته، أو كتاب من كتبه إلا وأشار إلى دور الجانب الأخلاقي في ذلك.

قالوا عنه

وقال الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله عنه: عرفت الشيخ الغزالي فعرفت رجلاً يعيش للإسلام، وللإسلام وحده، لا يشرك به شيئاً، ولا يشرك به أحداً، الإسلام لُحمته وسُداه، ومصبحه وممساه، ومبدؤه منتهاه، عاش له جندياً، وحارساً يقظاً، شاهر السلاح، فأيما عدو اقترب من قلعة الإسلام يريد اختراقها، صرخ بأعلى صوته، يوقظ النائمين، وينبِّه الغافلين، أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكيه على الله.

وكتب عنه د. محمد عمارة، رحمه الله، فقال: «لم يكن الشيخ الغزالي مجرد عقل مجتهد ومجدد، ولا مجرد داعية حامل هموم الأمة، ومرابط بفروسية على ثغور الإسلام، على امتداد خمسين عامًا ترك لنا فيها قرابة ستين كتاباً، وذلك غير المقالات والخطب والمحاضرات والحوارات، التي ستبقى ديواناً للجهاد الفكري في سبيل النهضة والاستنارة والتقدم والتجديد، و«جامعة الفكر الإسلامي» تتربى فيها الأجيال، لم يكن الشيخ الغزالي كل هذا فقط، وإنما كان -مع ذلك- قلباً نورانياً عاش في سناه عارفوه، الذين أسعدهم الله بالاقتراب منه، والأنس بهذا النور الذي كان يفيض من هذا القلب الكبير.

وقد أجرت «المجتمع» مع الشيخ الغزالي حواراً قبيل رحيله بأسبوع.

للاطلاع عليه اضغط هنا


 

 

 

 

__________________

1- موقع «إخوان أونلاين».

2- موسوعة «مداد».

3- موقع الشيخ يوسف القرضاوي.

4- موقع «الجزيرة.نت».

5- موقع «عربي 21».

6- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

Exit mobile version