أكذوبة الإلحاد (3)

 

شرعت هذه السلسلة بذكر الحوار بين موسى (عليه السلام) وفرعون في سورة طه، والتي افتتحت بقوله تعالى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} [طه: 49، 50]، فبدأ فرعون خطابه مستكبراً ومستهزئاً بموسى وأخيه (عليهما السلام)، وأضاف الربَّ إلى موسى وأخيه، ولم يضفه إلى نفسه وهو تجاهل وتغافل عن حقيقة مستقرة في أعماق نفسه، تقول له: إنك مخلوق ومملوك لخالق عظيم، فرد موسى عليه السلام على سؤال بذكر دليل الخلق والهداية، وهو من أعظم الأدلة التي حفل بها كتاب الله سبحانه وتعالى لما له من الأثر العميق في نفوس المخاطبين.

ثم تابع فرعون حواره بمخادعة ومراوغة مفضوحة، فقال:

قال تعالى: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾ [طه:٥١]:

لما جاء موسى عليه السلام بدليل قاطع لإثبات الربوبية لله، خشي فرعون أن يزيد في تقرير الحجة فيظهر للناس صدقه وفساد طريق فرعون، فأراد أن يصرفه عما يدعوه إليه وحاول شغله بما ليس له علاقة بما أرسل له ذلك؛ ليلبس على الناس أن الرسول يعلم الغيب ويسأله عن القرون الماضية وذلك ليفتح باباً للتخطئة والتكذيب بالعناد واللجاج، فقال باستفهام وتعجب وتعجيز: فما شأن تلك الأمم الخالية والقرون الماضية؟ ومن هو ربها؟ وكيف لم تعرفه؟ وهل هلكت دون أن تعرفه؟

وقيل إن سؤاله أراد به التشغيب على موسى عليه السلام حتى إذا قال: إن آباءهم في النار؛ ثارت ثائرة أبنائهم فصاروا معادين لموسى عليه السلام سلماً لفرعون وإذا قال هم في سلام، كانت حجة لنهوض راية فرعون وصحة مسلك. [منهج القرآن في دحض شبهات الملحدين، أفنان الغماس، ص٢٤٢].

قال تعالى: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾]طه:٥٢[:

قال تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ ]طه:٥٣[:

فمعنى ﴿جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ أي: سوّاها ومهدها لتكون صالحة لحياتكم ومعيشتكم عليها، وليس معنى مهّدها جعلها مستوية، إنّما سوّاها لمهمتها، وإلا ففي الأرض جبال ووديان ومرتفعات، وبدونها لا يستقيم لنا العيش عليها، سواء بالاستواء أو التعرج أو الارتفاع أو الانخفاض. [تفسير الشعراوي، ١٥/٩٢٩].

وهذا يدل على كمال قدرة الله واستحقاقه للعبادة وحده دون غيره، فهي من النعم العظيمة على بني آدم. [أضواء البيان، ٤/٢١-٢٤].

ودل قوله: ﴿أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ على حقيقة علمية ما عرفها الناس إلا في العصور الحديثة، وهي الزوجية في النبات وانقسامها إلى زوج مذكر، وزوج مؤنث، فقوله: ﴿أَزْوَاجًا﴾ أي: أصنافاً، سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض. [تفسير البيضاوي، ٤/٢٠٢].

ولو ضربنا مثلاً برجل انقطعت به السبل في صحراء دويّة لا يجد فيها ماء ولا طعاماً، حتى أشرف على الهلاك ثم غلبه النوم فنام، فلما استيقظ إذا بمائدة عليها ألوان الطعام والشراب بالله قبل أن يمد يده للطعام ألا يسأل: من أتى إليه به؟ وهكذا الإنسان طرأ على كون مُعَدّ لاستقباله: أرض، وسماء، وشمس وقمر، وزرع ومياه وهواء، أليس جديراً به أن يسأل من الذي خلق هذا الكون البديع؟ فلو تذكرت ما طرأت عليه من الخير في الدنيا لانتهيت إلى الإيمان. [تفسير الشعراوي، ١٥/٩٢٧٩].

وما من عقل مستقيم يتأمل هذا النظام العجيب إلا أيقن بوجود الخالق الحكيم العليم القدير الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وبعد أن بيّن سبحانه وتعالى للناس دلائل وجوده وفضله وإحسانه، وجّه الخطاب لهم بأسلوب المتفضل المحسن. [التفسير الموضوعي، ٥/٢٥٩].

ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: “موسى كليم الله”، للدكتور علي محمد الصلابي.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  1. منهج القرآن في دحض شبهات الملحدين، أفنان حمد بن محمد الغماس، الرياض، مركز دلائل، ط1، 1438ه/ 2017م.
  2. تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (774ه)، بيروت، دار ابن حزم، 1420ه/ 2000م.
  3. تفسير السعدي (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، السعودية، الدمام، دار ابن الجوزي، ط4، 1435ه.
  4. من حديث يوسف وموسى في الذكر الحكيم، محمد محمد أبو موسى، القاهرة، مكتبة وهبة، ط1، 1442ه/ 2021م.
  5. في ظلال القرآن، سيد إبراهيم قطب، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423ه/ 2003م.
  6. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، القاهرة، مكتبة الأسرة، ط1، 1992م.
  7. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت، 1393ه)، جدة، السعودية، مجمع الفقه الإسلامي، دار علم الفوائد، (د. ت).
  8. موسى (عليه السلام) كليم الله عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.
Exit mobile version