شبهات وردود.. الإسلام ظلم المرأة عندما أباح تعدد الزوجات (6)

 

لا يترك أعداء الإسلام في الغرب وأزلامهم في الشرق شاردة ولا واردة يظنون أنها تسيء إلى الإسلام إلا ألصقوها به، وشبهة اليوم ظن أصحابها أننا لن نستطيع أن نقف أمامها، خاصة أن التعدد كما يعتقدون جاء الأمر به في القرآن الكريم واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) (النساء: 3)، وادعى هؤلاء أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أباح تعدد الزوجات، وأنه نظام بدائي ينتقص من مكانة المرأة لصالح الرجل، وأنه بمثابة الأغلال والقيود التي تعوق حركتها، وتهضم حقوقها، وتهدر آدميتها، وأن تحريرها منه يعتبر خطوة في سبيل تقدمها.

تفنيد هذه الشبهة وبيان بطلانها

تعدد الزوجات عبر التاريخ

إن الإسلام لم يكن بدعاً عندما أباح تعدد الزوجات، حيث إن هذا الأمر كان معروفاً من قبل في عادات الشعوب والأديان السابقة، يقول الأستاذ عباس العقاد: “وينبغي أن ننبه إلى وهْم غالب بين الجهلاء والمتعجلين من المثقفين عن سنن الأديان في تعدد الزوجات قبل الإسلام، إذ الغالب على أوهامهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أباح تعدد الزوجات، أو أنه أول دين أباحه بعد الموسوية والمسيحية وليس هذا بصحيح كما يبدو من مراجعة يسيرة لأحكام الزواج في الشرائع القديمة وفي شرائع أهل الكتاب”(1).

ففي اليابان كان الرجل يتزوج زوجة شرعية فحسب لا يتزوج غيرها، ولكنه كان من حقه أن يعاشر عدداً من النساء في بيت آخر غير الذي تسكنه زوجته ويعتبر أولاده غير الشرعيين كأولاده الشرعيين سواء بسواء، وكان تعدد الزوجات أمراً معروفاً عند اليونان والرومان، وقد سمحت شريعة “ليكي” الصينية بتعدد الزوجات إلى مائة وثلاثين امرأة وكان عند أحد أباطرة الصين نحو من ثلاثين ألف امرأة(2).

أما عن قدماء المصريين: فقد كان تعدد الزوجات مشروعاً لدى المصريين القدماء، حيث أخذ به وتمادى فيه فريق من الفراعنة الأثرياء وأواسط الناس وفقرائهم، وزعموا أن الآلهة تتزوج وتنجب وتعدد الزوجات، ولم يكن لتعدد الزوجات عندهم حد لا عند العامة ولا عند الملوك(3).   

وفي اليهودية أبيح التعدد بدون حد، والناظر إلى العهد القديم يتأكد له هذا التعدد وإباحته عند اليهود، وتنص التوراة على تعدد الزوجات وأنه مباح مأثور عن الأنبياء أنفسهم، يقول “نيوفلد” مؤلف كتاب الزواج عند العبرانيين الأقدمين: “إن التلمود والتوراة معاً قد أباحا التعدد، وإن قوانين البابليين وجيرانهم من الأمم التي اختلط بنو إسرائيل بها كانوا جميعاً على مثل هذه الشريعة في اتخاذ الزوجات والإماء”(4).

وفي المسيحية: لم يرد نص صريح يمنع التعدد، بل جميع ما ورد في الأناجيل يشير إلى الإباحة في جميع الحالات إلا في حالة واحدة هي حالة الأسقف حين لا يطيق الرهبانية فيقنع بزوجة واحدة اكتفاءً بأهون الشرور، وقد ثبت تاريخياً أن من بين المسيحيين الأقدمين من كانوا يتزوجون أكثر من واحدة، ومن آباء الكنيسة من كان له كثير من الزوجات، وقد كان في أقدم عصور المسيحية من يرى إباحة تعدد الزوجات في أمكنة مخصوصة وأحوال استثنائية(5).  

أما العرب في الجاهلية فقد كان تعدد الزوجات معروفاً وشائعاً عندهم، ولم تكن له ضوابط معينة، ولا حدود معروفة، ومما يدل على ذلك ما جاء أنَّ غَيلانَ بنَ سَلَمَةَ الثقَفِيَّ أسلَم وتَحتَه عَشرُ نِسوَةٍ فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم “اختَرْ مِنهُنَّ وفي لفظٍ أَمسِكْ مِنهُنَّ أربعًا وفارِقْ سائِرَهُنَّ”(6).

وهكذا يتبين أن الإسلام لم يأت ببدعة فيما أباح من تعدد الزوجات.

الإسلام أباح تعدد الزوجات لحكمة

باستقراء المقاصد الشرعية للإسلام نجد أن الشريعة الإسلامية لا تُحِل إلا الطيب النافع، ولا تُحرِم إلا الخبيث الضار وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في وصف النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ) (الأعراف: 157)، فكل ما أباحته الشريعة فلا بد أن تكون منفعته خالصة أو راجحة وكل ما حرمته الشريعة فلابد أن تكون مضرته خالصة أو راجحة، وهذا ما راعته الشريعة في تعدد الزوجات، فقد وازنت بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، ثم أذنت به لمن يحتاج إليه بشرط أن يكون واثقاً من نفسه برعاية العدل غير خائف عليها من الجور والميل”(7).

ويمكن أن نحصر الحكمة من إباحة الإسلام للتعدد فيما يلي:

– المصلحة الاجتماعية وتظهر هذه المصلحة في حالتين لا ينكر أحد وقوعهما:

1- عند زيادة عدد النساء على عدد الرجال في الأحوال العادية. هناك حالات واقعية في مجتمعات كثيرة تبدو فيها زيادة عدد النساء الصالحات للزواج على عدد الرجال الصالحين للزواج، وفي هذه الحالة يكون التعدد علاجاً أخلاقياً واجتماعياً، وهو أفضل بكثير من تسكع النساء الزائد عددهن عن عدد الرجال في الطرقات لا عائل لهن ولا بيت يؤويهن، ولا يوجد إنسان يحترم استقرار النظام الاجتماعي يفضل انتشار الدعارة على تعدد الزوجات، إلا أن يكون صاحب هوى، كأن يكون رجلاً أنانياً يريد أن يشبع غريزته الجنسية دون أن يُحَمِل نفسه أي التزامات أدبية أو مادية نحو من يتصل بهن(8).

وحول هذا المعنى قال العلامة القرضاوي رحمه الله: “قد يكون عدد النساء الصالحات للزواج أكثر من عدد الرجال القادرين عليه وهنا تكون مصلحة المجتمع، ومصلحة النساء أنفسهن في أن يكن ضرائر بدلاً من أن يعيشن العمر كله عوانس محرومات من الحياة الزوجية.

إنها إحدى طرائق ثلاث أمام هؤلاء الزائدات عن عدد الرجال القادرين على الزواج، لا طريقة غيرهن:

– فإما أن يقضين العمر كله في مرارة الحرمان من الحياة الزوجية والأمومة، وهي عقوبة قاسية لهؤلاء، وهن لم يقترفن جُرماً.

– وإما أن يرخى لهن العنان ليركضن وراء شهواتهن، ويرضين أن يكن أدوات لهو لعبث الرجال المفسدين، الذين يأكلوهن لحما ويرمونهن عظماً بعد أن تذهب نضرتهن وشبابهن.  

– وإما أن يباح لهن الزواج برجل متزوج قادر على النفقة والإحصان، واثق من نفسه بالعدل كما أمر الله تعالى.

ولا ريب، أن هذه الطريقة الأخيرة هي الحل العادل الأمثل، والبلسم الشافي وذلك هو ما حكم به الإسلام (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة: 50).  

وهكذا يتبين أن تعدد الزوجات نظام واقعي جاء مطابقاً لواقع المجتمع الذي يزيد فيه عدد النساء على عدد الرجال في أغلب الأحوال(9).

2- عند قلة الرجال عن النساء نتيجة الحروب.

وإذا أضفنا إلى ما سبق تعرض الرجال لكثير من المهالك والأخطار لتحملهم أعباء الحرب وشئون الكدح في الحياة تأكد لنا أن الذكور أكثر تعرضاً للقلة من الإناث، وحسبنا أن نعلم أن عدد من قتل من الشباب في الحرب العالمية الثانية قد بلغ زهاء عشرين مليوناً على حين أن من قتل من النساء لأمور متصلة بالعمليات الحربية لا يتجاوز بضعة آلاف، وإذا صح هذا بالنسبة للأمم المتحضرة، فهو أصح في غيرها إذ تقل وسائل الوقاية والعلاج وتكثر فرص الحروب، وتشتد حدة الكدح، ويزيد عدد الضحايا من الرجال”(10).

نظام التعدد والأخلاق

إن نظام التعدد – كما شرعه الإسلام – نظاماً أخلاقياً، لأنه لا يسمح للرجل أن يتصل بأي امرأة شاء، وفي أي وقت شاء، إنه لا يجوز له أن يتصل بأكثر من ثلاث نساء زيادة عن زوجته ولا يجوز له أن يتصل بواحدة منهن سراً، بل لا بد من إجراء العقد وإعلانه، ولا بد أن يعلم أولياء المرأة بهذا الاتصال المشروع، ويستحب أن يولم الرجل عليه، وأن يدعو لذلك أصدقاءه مبالغة في الفرح والإكرام”(11).

 فأين هذا من التعدد الواقع في حياة الغربيين؟

“إنه واقع من غير شرع ولا قانون.. إنه لا يقع باسم الزوجات، ولكن يقع باسم الصديقات والخليلات، إنه ليس مقتصراً على أربعة فحسب، بل هو إلى ما لا نهاية له من العدد، إنه لا يقع علناً تفرح به الأسرة، ولكن سراً لا يعرف به أحد، إنه لا يُلزم صاحبه بأية مسؤولية مالية نحو النساء اللاتي يتصل بهن، بل حسبه أن يلوث شرفهن ثم يتركهن للخزي والعار والفاقة.

إنه لا يلزم صاحبه بالاعتراف بما نتج عن هذا الاتصال من أولاد، بل يعتبرون غير شرعيين يحملون على جباههم خزى السفاح والعار ما عاشوا.

إنه تعدد خال من كل تصرف أخلاقي، أو يقظة وجدانية أو شعور إنساني، إنه تعدد تبعث عليه الشهوة والأنانية ويفر من تحمل كل مسئولية، مما جعل المنصفين من الغربيين في أوائل هذا القرن ينادون بأن منع تعدد الزوجات بالطرق الشرعية ينشأ عنه تشرد النساء، وانتشار الفحشاء وكثرة الأولاد غير الشرعيين، وأعلنوا أنه لا علاج لذلك إلا السماح بتعدد الزوجات(12).

3- المصلحة الشخصية.

أما المصلحة الشخصية فإنها تعود إلى مصلحة الشخص بالذات وهي كثيرة منها:

– أن تكون الزوجة عقيمة لا تلد والرجل يرغب في الذرية.

– قد يحدث أن تصاب الزوجة بمرض عضال يقعدها عن واجباتها.

– أن يكون عند الرجل من القوة الجنسية ما لا يكتفى معها بزوجته(13).

ثناء المفكرين الغربيين على التعدد:

هذه بعض أقوال مفكري الغرب الذين بحثوا في هذا الموضوع واعترفوا بحكمة الإسلام في تشريع التعدد:

يقول د. جراهام: إن الإسلام يُعد ديناً شريفاً يسمح للمسلم أن يتزوج زوجة ثانية علناً ويُحرم عليه اتخاذ أية عشيقة سراً، وإنما ذلك لبقاء المجتمع الإنساني طاهراً من الناحية الخلقية.

ويقول المفكر الإنجليزي ويلز: إن نظام تعدد الزوجات صان الممالك الإسلامية من نساء نبذهن المجتمع، صرن يتجولن في شوارع باريس ولندن ولا ريب أن نظام تعدد الزوجات المحكم خير ألف مرة من ارتباط المرأة برجال لا يحصيهم العدد وشتان بين زوج وعشيق.

ويقول المفكر الإنجليزي الشهير برنارد شو: إن أوربا لو أخذت بنظام تعدد الزوجات في الإسلام لوفرت على شعوبها كثيراً من أسباب الانحلال والسقوط الخلقي والتفكك العائلي(14).

فهل يجوز بعد هذا البيان لأحد أن يعترض على إباحة الإسلام لتعدد الزوجات، أو يقول: إن الإسلام ظلم المرأة عندما أباح التعدد؟!

 

 

 

 

 

____________________________

(1) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه – المؤلف: عباس محمود العقاد – 1/131.

(2) المرأة بين الفقه والقانون – المؤلف: د. مصطفى السباعي – 1/71.

(3) بتصرف من كتاب: محاسن تعدد الزوجات – المؤلف: هاشم بن حامد الرفاعي 1/13

(4) بتصرف من كتاب: المرأة المسلمة وفقه الدعوة – المؤلف: د. علي عبد الحليم محمود – 1/393.

(5) بتصرف من كتاب: “المرأة بين الفقه والقانون” – د. مصطفى السباعي – 1/72.

(6) أخرجه الترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، وأحمد (4609) باختلاف يسير.

(7) بتصرف من كتاب: “مركز المرأة في الحياة الإسلامية” – د. يوسف القرضاوي – 1/ 134،133.   

(8) المرأة بين الفقه والقانون – د. مصطفى السباعي – 1/81.

(9) مركز المرأة في الحياة الإسلامية – د. يوسف القرضاوي – 1/125:124.

(10) مشكلات المجتمع المصري – د. علي عبد الواحد وافي – 1/62:61.

(11) المرأة بين الفقه والقانون – د. مصطفى السباعي – 1/93.

(12) المرأة بين الفقه والقانون – د. مصطفى السباعي – 1/95:94.

(13) تعدد الزوجات – هاشم بن حامد الرفاعي – 1/30.

(14) جريدة العالم الإسلامي ص 12 عدد 3 شعبان سنة 1413هـ – 25 يناير سنة 1993م.

Exit mobile version