الأســرة‭..‬ بين‭ ‬حضارتنا‭ ‬وحضارتهم

 

عشت في بلد أوروبي تقريباً 6 سنوات، وكنتُ قريبة من الأُسر عامة والمرأة خاصة، بحكم أن عملي يستلزم ذلك، انبهرت وشعرت بالسعادة والحماس بالتقدم العلمي، والحرية؛ حرية الفرد في اختيار دراسته وعمله، والطريقة التي يختار بها حياته.

ولاحظت كيف تتقلص سلطة الدولة لتقف عاجزة أمام رغبات الفرد إلا في حالة التعدي على القوانين، ولكني لاحظت الوضع البئيس الذي تعيشه الفتيات والفتيان.

صيحات داخل المدارس يُنادي بها المدرسون بأنك حر، ولا يستطيع أن يُجبرك أي شخص -حتى ولو كان والدك- أن تعيش حياة لا ترغبها.

فتركوا السلطة في يد طفل، من حقه أن يقرر إن كان يريد العيش مع أهله -والديه- أو أن يعيش بعيداً عنهم، من حقه ألا يسمع إلا صوت رغباته والبحث عن الحرية واقتناصها من يد والديه؛ فأصبحت البيوت ساحات للتنازع على السلطة ولا وجود لقيم وأخلاق.

لاحظت الأب الذي يعرف جيداً أنه سيُربّي ابناً للدولة؛ فيخرج مواطناً صالحاً يُحافظ على قوانين الدولة، ويدفع الضرائب.. وفقط.

وإذا حاول أن يُغير من قناعات ابنه أو أن ينصحه بأمر قد يكون فيه خير للابن، فسيكون ابنه أول المُنقلبين عليه، وأول من يُنازعه ويعترض عليه، وقد ينادي الدولة لإنقاذه من والده!

فأخذ الأب وأخذت الأم جانباً مُحايداً، أو يمكن أن نقول: جانباً سلبياً خوفاً من الدولة وخوفاً من الابن، فسلطة الدولة أرهبت الأب والأم، وبالتالي تم نقض عُرَى الأسرة وهدم أعمدتها.

فصعب جداً أن ترى شاباً أو فتاة قد تجاوز الثامنة عشرة وما زال يعيش مع والديه، بل أقل من هذا العمر ويعيش وحده مع صديقة أو صديق، ويعمل حتى يكفي طعامه ومسكنه.

لاحظت سيدات عجائز فوق الستين، ينزلن في الثلج ليقدن الدراجة ليذهبن لعملهن، ليس لتحقيق الذات وليس للإنجاز والنجاح، بل ليجدن مأكلاً ومأوى.

لاحظت فتيات في عمر الزهور (18 عاماً) تعيش إحداهن مع صديقها بدون أي ارتباط، بالعكس؛ يتقاسمون السكن والتكلفة المادية، وفي المقابل تأخذ احتياجاتها من الحب والاهتمام الذي قد يُغدَق عليها في أول شهر، ثم يختفي ذلك الحب والاهتمام، كأي طبيعة بشرية دون التزامات أو مواثيق أو عهود.

لاحظت الفتاة التي تُساكن الشاب في غرفة واحدة، وعندما يذهبون إلى مطعم أو سوبر ماركت هي التي تدفع ثمن مشترياتها، وهو يدفع ثمن مشترياته.

لاحظت كم هي بائسة هذه الفتاة، لا تجد الأب ولا الأم ولا الخال ولا العم؛ فالدولة مارست سلطتها في إرهاب الأهل لانتصار الحرية ورغبات الفرد.

لاحظت الفتاة وهي تعيش مع كل شاب فترة زمنية مؤقتة، تبحث عن الاحتواء والحب والأمان مع شاب فلا تجد إلا الجحود والعنف.

فلا تنبهروا بالقُبلات في محطات القطارات، ولا يخدعنّكم شوق البدايات، كل هذا ينهار بعد بضع ساعات أو أيام على الأكثر!

لاحظت أيام السبت والأحد (أيام الإجازات)، كيف تخرج الفتاة في الشارع مثل القطط لتسرق لحظات من الحب والاهتمام.

كم هو وضع بائس ومُثير للشفقة! وعندها وجدت عقلي يعصف بالأحاديث والآيات الكريمة التي ترفع من كرامة المرأة كأم وزوجة وابنة؛ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} (الطلاق: 1)؛ فقد نهى الإسلام عن إخراج المرأة من بيتها حتى عند الطلاق.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك».

الإسلام باب النجاة للعالم، بالرغم من المآسي التي يعيشها عالمنا العربي والإسلامي، وبالرغم من الكوارث الموجودة في الأسر العربية والمسلمة، لكنَّ الإسلام شيء وما نفعله نحن المسلمين شيء آخر.

نداء للمُسلمين، ولكل قائم على شؤون الأسرة المسلمة:

هذه مسؤوليتنا أمام الله تعالى، أن نُحيي قيمنا وأخلاقنا قبل إحياء ديننا.

«خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».

عقلك أمانة؛ فإلى مَن تستمع؟ وماذا تُشاهد؟! وقلبك أمانة؛ فبمَ تملؤه؟! وأسرتك أمانة؛ فلنُحي قيمنا وأخلاقنا وديننا.

Exit mobile version