‏فقيه مصر والعالم الإسلامي.. الإمام الليث بن سعد

 

إن تتبع قامات بحجم عظماء التاريخ أمر مجهد وصعب للغاية خاصة وأن عملية التيقن من المعلومات تأخذ وقتاً طويلاً، لكن مع الانتهاء من العمل والحصول على النتيجة هو الثمر الذي نجهد للحصول عليه، هذا ما حدث حقيقةً في تتبع سيرة الإمام الليث بن سعد في مراحلها المختلفة، بغية التوصل إلى أهم مزاياه وعطاءاته التي وإن حُفظت جميعاً كانت لا تُقدّر بثمن.

كما أن الاهتداء إلى منهجه، وأصوله وضوابطه، يحتاج إلى مصادر كثيرة، أبرزها كتب السير والطبقات، إلا أن الغاية الأهم التي دفعتني لاختيار هذه الشخصية، أولاً، للتعريف بمنهجه وما نُقل عنه من مسائل فقهية فريدة، ثانياً، أسباب ثناء العلماء على فقهه وحديثه، رغم قلة المصادر كما أشرت، لضياع الكثير من علمه، فمن هو الليث بن سعد؟

الليث بن سعد هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفقيه الحافظ، شيخ الإسلام، المكنّى بأبي الحارث، وهو عالم الديار المصرية، تعود أصوله إلى قلقشندة إحدى قرى مصر، (713 – 791)، وقضى حياته كلها في مصر، ولندرة المعلومات، قيل إن أسرته ذات صلة وثيقة بالخلافة، وقد تبيّن في نسبه أنه كان مولى لآل خالد بن ثابت بن ظاعن الفهمي، ونقل الذهبي عن ابن الجزري فقال: (أحد الأئمة مولى قيس بن سعد كان يتيقن القرآن والحديث والفقه، والشعر والعربية والحساب وهو من الطبقة الرابعة من المحدثين والرواة)، بالتالي، إن روايته الوثيقة غير مؤكدة لكن بحسب السير والطبقات أوردنا ما ورد، خاصة وأن الروايات التاريخية قد تجاوزت طفولته وصباه، ووصلت به شاباً يميزه خُلقه ودينه وحسن سيرته وطيب نفسه ومعشره، إلى جانب كرمه الكبير فكان مقصداً لذوي الحاجة ولا يرد أحداً، كان عطوفاً بالناس، رحيماً بهم.

الليث بن سعد اشتهر منذ شبابه بالتدوين، ما يؤكد ذلك أن جميل بن يزيد مولى شرحبيل بن حسنة، قال: (أدركت الناس أيام هشام، وكان الليث بن سعد حدث السن، وكان بمصر عبيد الله بن جعفر، وجعفر بن ربيعة والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيب، وابن هبيرة وغيرهم من أهل مصر، وإن قدم علينا من فقهاء المدينة وإنهم ليعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه على حاثة سنه)، الليث نشأ نشاةً رقيقة مترفة، قرر أن يتجه في باكوره علمه إلى الحديث، فقد حفظ من الحديث الكثير، ولم يكن حافظاً وراوياً فحسب، بل كان فقهياً ناظراً، مستنبطاً، ومتبعاً لمنهج أهل الأثر، وقد سار على ضوابط وضعها لنفسه ستتبين معنا لاحقاً من آرائه الفقهية، فقد روى عبد الملك بن شعيب عن أبيه، قال: (قيل لليث: أمتع الله بك، إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال: أو كل ما في صدري في كتبي؟ لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب)، وإنما هذا يدل على قوة حافظته وقدرته الفائقة على الاستنباط، فقد اتجه في صغره إلى الحفظ من حفّاظ الحديث ورواته، بعد حفظ القرآن الكريم.

قرر الليث ان تكون باكورة رحلاته إلى الحجاز، يُقال إنه التقى بأبي جعفر المنصور وهارون الرشيد، والزهري، فبداية الرحلة العلمية لليث كانت في مكة المكرمة، وكان اختياره للحجاز لأسبابٍ في نفسه منها أنها مهد النبوة ومهبط الرسالة ومقر الصحابة الذين شهدوا الوحي، وعاشروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واستمعوا إليه وأدركوا منبع التشريع مما لا تمكن الإحاطة به إلا من خلال التلقي عن أولئك جميعاً، وكانت محطته الثانية هي الشام، وأخذ عن علمائها، وقال أبو مسهر الغساني، شيخ أهل دمشق: (قدم علينا الليث، فكان يجالس سعيد بن عبد العزيز، فأتاه أصحابنا فعرضوا عليه فلم أرَ انا أخذ ذلك عرضاً حتى قدمت على مالك)، وكذلك ارتحل إلى العراق وأخذ عن علمائها، وفي مصر أخذ عن الكصير من العلماء، مثل يزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة، والحارث بن يعقوب، وعبيد الله بن أبي جعفر، وخالد بن يزيد، وخير بن نعيم وغيرهم، وقد كان لرحلة العراق بالغ الأهمية والأثر في نفسه، وعلمه ومنهجيته، خاصة وأنها كانت مقصد العلماء من كل أنحاء البلاد، وقد دوت مساجدها بحلقات العلم على اختلاف مشاربه، وأولوا حكامها وسلاطينها الأهمية الكبيرة للعلم والعلماء، والمناظرات العلمية.

إن الصلة وبحسب الروايات التاريخية، مبنية على الاحترام والتقدير بين الليث بن سعد ومالك، خاصة لجهة ما تلقاه الليث من علم على يد مالك، وعناية الأخير بالحديث والآثار واعتبارهما مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، وكان لمالك أسبقية في هذا العلم وكتاب “الموطأ” خير دليل على ذلك، ويظهر أن الإمام الليث بن سعد قد شعر أن الإمام مالك لم يكن له مصدر للرزق؛ لتفرغه للعلم والتعليم، وإن ما عنده لا يكفيه، وإن طلبه للرزق يمنعه من العناية بالحديث والسنة والآثار عامة، فكان يعينه ما واتته الفرصة ويدفع عنه ضرورات العيش، يقول ابن وهب في هذا الصدد: (كان الليث يصل مالكاً بمائة دينار في كل سنة، فكتب مالك إليه: عليّ دين، فبعث له 500 دينار)، هذه الأخبار تدل على أن الليث كان يقدر العلماء ويصلهم ويدفعهم بهذه الصلة إلى العمل الجاد فيما توجهت إليه أنفسهم من طلب العلم والفقه.

لليث بن سعد مناقب كثيرة وثبت أن الليث لما ارتحل إلى العراق سنة ١٦١هـ ولقي هناك ربيعة وناظره في بعض المسائل يبدو أنها كانت قد طالت واشتدت، وقال أبو الخطيب البغدادي بسنده إلى الحسن الخادم: (كنت غلاماً لزبيدة، وإني يوم أُتي بالليث بن سعد يستفتيه كنت واقفاً على رأس ستِّي زبيدة خلف الستار، فسأله هارون الرشيد فقال له: حلفتُ لي جنتين، فاستحلفه الليث ثلاثاً: أنك تخافُ االله؟ فحلف له، فقال الليث: قال االله تعالى: “ولمن خاف مقام ربه جنتان”، قال: فأقطعه قطائع كثيرة في مصر)، الحادثة أن الرشيد جرت بينه وبين زوجته زبيدة محاورة ومناقشة طويلة كان من آثارها اليمين التي ذكرها صاحب الحلية وهي: أنها طالق إن لم يكن من أهل الجنة، فكان أن جمع الفقهاء وطلب إليهم أن يلتمسوا له حيلة لهذه اليمين؛ وكان من الليث أن أصدر هذه الفتوى التي جاءت حيلة مشروعة لدفع الحرج عن موقف الرشيد وزبيدة، قال أحمد بن صالح: “أعضلت الرشيد مسألة فجمع لها فقهاء الأرض، حتى أشخص الليث فأخرجه منها”، وإذا صحت هذه الرواية فهي تدل على أن الليث واسع الحيلة وبارع التصرف، حيث كان دقيقاً في حيله إذ جعل الليث أصل الفتوى ومستندها شهادة المرء على نفسه وهو أعرف بدخائلها، وأبصر بما فيها، وهو وحده المتحمل تبعة هذه الشهادة وآثارها.

لكن من غير الممكن أن يحصد أي عالم سواء ديني أو أي تخصص آخر، إذا لم يتميز بالتواضع والمناقب الحميدة، لأن الناس تميل إلى التعلم من كل شخصية قريبة منها ومن بساطتها، وتبتعد عن المتكبرين والمغرورين، كما حال الأمة اليوم من أصحاب المناصب وعلى كافة المستويات تجد الغرور يصاحب خطاهم ما يسقط سبب وجودهم حتى، خاصة رجال العمامات أو ما أسميهم عادةً بكهنوت السلطة، فالدين معاملة وأخلاق تترافق جنباً إلى جنب مع العبادات، والإمام الليث بن سعد خير مثال على ذلك، ولعل مناقبه الخلقية هي من أهم العوامل المؤثرة في علمه وشخصيته وعلو شأنه، من ورع، وزهد، وكرم، وتقوى، وصفاء نفس، وتواضع، فمن تواضعه ما روى عبداالله بن صالح قال:”صحبت الليث عشرين سنة، فكان لا يتغدى وحده ولا يتعشى وحده إلا مع الناس”، وذلك من تقواه الشديدة وعدم منع الناس من الاستفادة من علمه أو خيره، ومن تواضعه أيضاً أن جعل له في كل يوم مجلسين للناس من مجالسه واحد للأسئلة والثاني للمحتاجين، ومن زهده أن أبا جعفر المنصور عرض عليه ولاية مصر فرفض، أما عن كرمه فذلك منه الكثير، فقد كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وتلك الأخلاقيات العالية والمناقب الراقية كان لها أثر عظيم في تكوينه العلمي وبناء شخصيته لاسيما في احتكاكه مع أصناف البشر ومعالجته لشتى القضايا، ساعد على ذلك نشأته المتدينة والخلوقة والثرية في نفس الوقت، فهذه العوامل ساعدت على أن يحظى بمكانة مرموقة عند الناس عامة وعند العلماء والخلفاء خاصة.

هذه المناقب لم يتغافل عنها العلماء الذين مدحوه وأثنوا عليه بشكل كبير، هناك الكثير من الثناء والإعجاب بفقيه مصر الليث بن سعد، وتفضله على غيره؛ لما له من منزلة علمية رفيعة ونفس صافية متواضعة، وروى عبدالملك بن يحيى بن بكير عن أبيه قال: ما رأيت أحداً أكمل من حديث الليث، وقال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة، فما يزال يذكر خصالاً جميلة ويعقد بيده، حتى عقد عشرة: لم أر مثله، لنتمعن قليلاً كم تشبه صفاته صفات الإمام محمد بن إدريس الشافعي التي وضعته في المكانة التي حظي بها، مع فارق بسيط أن الليث بن سعد ظُلم بحيث لم ينتشر علمه أوسوةً بغيره من العلماء، فأصحابه لم يقوموا بحفظ علمه من الضياع، لكن رغم ذلك وبحسب شهادات العلماء به كان الأفضل في زمانه، وقال عنه الإمام أحمد بن حنيل: “الليث كثير العلم، صحيح الحديث”، فقد كان الليث فقيهاً قوياً إذ أن المتتبع لفقهه يجده فريداً، ويسير بفقهه على أصول مقررة لديه، لكنها أدهشت العلماء والمجتهدين، وقال الإمام الشافعي في فقه الليث: “الليث أتبع من مالك، لأنه ه يقدم الأثر على عمل أهل المدينة، بل ولا يعتبر عملهم حجة”، وما أكد ضياع فقهه رواية للإمام الشافعي: “ضيعه قومه” وفي رواية أخرى “ضيعه أصحابه”.

أما منزلته في الحديث، فقد اعتنى الليث به منذ صغره حفظاً ورواية ودراية مما جعله يحتل المراتب الأولى والسبق في الحديث، وقد أثنى عليه في ذلك العلماء وأهل الجرح والتعديل، فمن ذلك: قال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة: الليث يحتج بحديثه؟ قال: أي لعمري” وقال يحيى بن معين: “ثبت” وقال آخرون: ثقة”، وقال الذهبي: “قد روى الليث إسناداً عالياً”، وهذا ما كنا نرمي إليه دائماً، باتباع السند الصحيح، الليث نابغة زمانه، لقد انفرد عصر الليث باتجاه فقهي مميز، كان يتبع الدليل، ولعل ما يؤكد ذلك رسالته إلى الإمام مالك، التي كشفت عن الاتجاه الفقهي وهي جامعة بين فقه الرأي والحديث جمعاً متناسباً، حيث يلاحظ في تلك الرسالة أن الليث يعتبر التاريخ أساساً في الحكم وفي التأصيل، فعلى سبيل المثال نورد جزءاً في هذه الرسالة، حول عمل أهل المدينة، هو حجة عند مالك ويقدمه على الآثار، ويقول: إنه عمل متواتر؛ جماعة عن جماعة فهو حجة، لذلك ترك العمل بكثير من الأحاديث لمخالفتها لعمل أهل المدينة، وقد ناقشه الليث حول هذه المسألة في رسالته بشكل واضح ومفصل، فبين له أن الصحابة تفرقوا في الأمصار، فإذا جاء أمر عمل فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بمصر والشام والعراق على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يزالوا عليه حتى قبضوا، لم يأمروهم بغيره فلا نراه يجوز لأجنادهم المسلمين أن يحدثوا اليوم أمراً لم يعمل به سلفهم من أصحاب رسـول الله والتابعين لهم، مع أن أصحاب رسول االله اختلفوا بعد في الفتيا في قضايا كثيرة، ثم اختلف التابعون في أشياء بعـد أصحاب رسـول الله، ثم اختلف الذين كانوا من بعدهم فحضرتهم في المدينة وغيرها؛ فإذا كان أهل المدينة اختلفوا فكيف يكون عملهم حجة؟

هذه الرسالة تأخذنا إلى أن المناظرات والمناقشات كانت متاحة بين العلماء خاصة تقبل الآراء المخالفة، أيضاً نستطيع ربطها بواقع اليوم ونسف الآخر ليس فقط عدم تقبل رأيه، فهل هناك أبلغ من جدال إمامين في مسألة شرعية عميقة، لو حدثت في عصرنا الحالي لربما حدثت حرباً بين المختلفين، بالتالي، قديماً الجدل بين الفقهاء كان يجري في كل مسائل الفقه المتشعبة، وأن ذلك الجدل كان يسوده طلـب الحقيقة، لا التعصب، للرأي، ولذلك سادته نزاهة القول، ورفق الخطاب، وهدوء النفس؛ الليث في رسالته تلك يبين آراء الصحابة والتابعين المختلفة، ثم يختار من بينها ما يراه رأي الكثرة واعتناقه لا يعد شذوذاً، وهذا يدل على أن الدراسة في ذلك الوقت كانت تشمل دراسة آراء الـصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، ويوازن الدارس بينها، ويختار ما يكون أصلح للناس، والطريق الذي سلكه الليث في ذلك سلكه الشافعي لذلك فـضله على مالك، والحق أن الليث يمثل التدرج التاريخي لنشأة النظرية الفقهية المتكاملة والتي مهدت السبيل لما كتبه الشافعي في رسالته، ولهذا العلم والتدين والأخلاق، كان لليث تلاميذ كثر منهم عطاف بن خالد، وعبداالله بن المبارك، والوليد بن مسلم، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، ، وأبو سلمة الخزاعي، والحسن بن سوار وغيرهم.

بعد أن تعرفنا على هذا الفقيه الجليل ومآثره ومناقبه، لفتني أمر غاية في الأهمية، أمر كان يجب ان يدرّس في العالم كله، وخصوصاً العالم الإسلامي، ألا هو التعايش السلمي، وكنت قد كتبت سابقاً عن الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى بلاد بعيدة، كان الإسلام ولا يزال الدين السمح والرحب الذي يحترم الآخر، ويحترم الديانات الأخرى ويشجع على التعايش المشترك، لا بل كان الدين الإسلامي يحض على احترام المكونات الأخرى وعدم ظلمها لأن المبدأ قائم على أنه “لا إكراه في الدين”، وأن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

بالتالي، إن الإمام الليث بن سعد، كان من هذه الفئة التي تعمل على جعل التعايش السلمي من الإيمان، حيث اشتهر باحترامه وتقديره للأقباط، فلما جاء والي على مصر قام بهدم الكنائس، راسل خليفة المسلمين وقتها يشتكي هذا الوالي ويطلب عزله لهدمه ما بناه الصحابة الفاتحين لمصر فلبي طلبه وعزل هذا الوالي، وأمر الوالي الجديد ببناء الكنائس التي هدمت، بل وبناء كنائس جديدة متى طلب أقباط مصر ذلك، فالكنائس التي كانت قائمة في مصر، بناها الصحابة ممن قادوا جيش الفتح الإسلامي، وبهذا الفكر المستنير انطلق الإمام الليث يعظ المسلمين ويوثق العلاقات بين مواطنيه من مسلمين وأقباط ليكونوا رحماء بينهم، وكانت له هو نفسه صداقات وثيقة مع الأقباط الذين عرفوا صدق الأخوة من المسلمين بحسن إسلامهم، رغم أن ذلك أثار حفيظة المسلمين المتعصبين في مواقع التأثير، وما كانوا لينالوا من الإمام وهو حي يملأ الأجواء من حوله بالمحبة والخير ونور العلم، فانتظروا حتى إذا مات وثبوا على ذكراه، وثاروا على فقهه، وحاولوا أن يطمسوا كل آثاره، وأن يهيلوا التراب على آرائه وأفكاره،ولربما هذا الأمر أحد أهم أسباب ضياع إرثه.

الليث بن سعد هو من أفتى بأنه لا مانع من إنفاق الدولة على تعمير وبناء الكنائس، خاصة وأن حرية الاعتقاد يكفلها الإسلام، الإمام الليث بن سعد، أكد وعزز هذا التوجه القائم على احترام الآخر وهو التوجه الصحيح الموافق للدين الحنيف، خلافاً لأفكار فئات إرهابية منحرفة تكفر الجميع حتى المسلمين، وتدمر الكنائس والمساجد دون تفرقة كما يحدث في عالمنا اليوم.

من هنا، لا يعرف الواحد كيف يندثر أثر رجل كهذا كانت له من المكانة ما جعلته مقصداً للعامة والخاصة والصفوة والملوك والفقراء والمحتاجين، لماذا لم ينتهج تلامذته نهج تلاميذ الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم ويحافظوا على إرثه، هل كان محارباً يريدون دثر علمه أم هي مسألة جهل؟ لقد أضاعت مصر الإمام الأعظم الليث بن سعد، ثلاثة عشر قرناً خبَا خلالها اسم الإمام، وبدلاً من أن يتصدّر الأئمة الخمسة، سطع الأئمة الأربعة، وغاب الليث وتراثه، كأن لم يكن، ليكن الليث درساً لنا، لندون كل ما نكتب مما يخدم أبناء أمتنا حفاظاً عليها من الضياع، وكما كتبت سابقاً إن تراث الأمة في خطر، لقد أخطأنا كثيراً ومنذ أكثر من ألف عام، فهل نقدر على حماية تراثنا اليوم من الضياع؟

 

ـــــــــــــــ

(*) كاتب ومفكر كويتي.

Exit mobile version