روايات الدعاية.. ضد الإرهاب أم ضد الإسلام؟

 

المشكل النقدي الذي يواجه الباحث هو ذلك العدد الهائل من الروايات التي تتحدث عن الإرهاب، وقد أحصى الكاتب الجزائري اليساري أمين الزاوي في بلاده وحدها سبعين وثلاثمائة رواية بالعربية والفرنسية، كتبت عقب الحرب الدامية التي شنها الجيش الجزائري ضد شعبه بدعوى مكافحة الإرهاب، فيما يسمى العشرية السوداء (العقد الأخير من القرن العشرين)، وكانت جبهة الإنقاذ الجزائرية (إسلاميون) قد فازت بأكثرية المقاعد التشريعية في الانتخابات التي أجراها الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وهو ما لم يرض عنه الجيش الذي قام بخلع الرئيس وإرغامه على الاستقالة، وإشعال الحرب الوحشية التي أهرقت دماء ربع مليون جزائري بريء على الأقل، وتساءل العالم: ماذا لو صبر الجيش الجزائري حتى يقول الناخب رأيه، فيوفر الدماء والأموال والسلاح، ويستلّ الغضب والكراهية من النفوس والقلوب كما حدث في انتخابات المغرب التشريعية 2021م؟!

اختيار عشوائي

ولأن أعداد الكتب التي تحمل اسم رواية كثيرة، نشير إلى بعضها عشوائياً، من بعض البلدان التي اهتمت فيها المؤسسة الثقافية بالترويج لمسألة الإرهاب.

نبدأ بالوطن الأم: مصر

نجد على سبيل المثال هذه الروايات التي ظهرت في الفترة الأخيرة، ويتواضع مستواها الفني، ويصل بعضها إلى حد المنشورات الدعائية التي تخاطب بعض الجهات أكثر مما تخاطب القارئ. 

«أساطير رجل الثلاثاء»، صبحي موسى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2013م:

تتناول الرواية واحداً من أشهر شخصيات العصر الحديث وهو أسامة بن لادن، الذي شيطنته الولايات المتحدة بزعم أنه قاد عملية تفجير برجي التجارة في نيويورك عام 2001م، دون تحقيق دولي محايد، وتتضمن تاريخ عائلة بن لادن وكيفية تحوّل مؤسسها إلى رجل أعمال مقرب من العائلة الحاكمة في الرياض، ثم مولد أسامة بن لادن ودراسته الجامعية في الغرب، ومن ثم تحوله كما تصوره الرواية إلى متطرف، وتتحدث عن سفره إلى أفغانستان والسودان وغيرهما.

الرواية تقدم رؤية دعائية للعلاقات داخل الجماعات المتطرفة والهرم الهيراركي والتراتبية كما يسميها بعضهم، وأكد الكاتب في حوار معه أن الرواية تأخر نشرها لسنوات بسبب خشية دور النشر من تناول حياة بن لادن روائيًا(؟)، قبل أن تقبل وزارة الثقافة المصرية بنشرها عبر إحدى سلاسلها الأدبية.

“نادي المحبين” رواية صبحي موسى، دار “سما” للنشر بالقاهرة. 2021م:

وتقوم على هجاء الإخوان المسلمين، والديمقراطية والحرية ضمناً، والشخصية الأساسية فيها مثقف مصري كبير لمع اسمه في الغرب والشرق، ويضع بدراساته وأفكاره خطط صعود الإسلام “السياسي”، وسيناريوهات الفوضى وتقسيمات الشرق الأوسط الجديد(!)، ويستغله تنظيم الإخوان في دعم وصولهم إلى السلطة، ليجد أن حلمه بدولة ديمقراطية حديثة انتهى إلى وصول القتلة (الإخوان!) لسدة الحكم، وجاءت الرواية في قسمين، الأول: بعنوان “الفقد”، وفيه نرى رحلة صعود ذلك المثقف بدءاً من عمله صحفياً في جريدة كبرى، ثم باحثاً في مركز دراسات مهم، قبل أن يحصل على الدكتوراة في العلوم السياسية من معهد في باريس، فيصبح محاضراً في معهد أمريكي للدراسات الإستراتيجية، أما القسم الآخر فعنوانه “الاستعادة”، وفيه يصحو هذا المثقف بعد أن خسر كل شيء، على مدى الكارثة التي شارك في صنعها، ويقرر أن يستعيد حياته وبلاده من براثن الإخوان وتنظيمهم!

“جزيرة الورد”، إبراهيم فرغلي، منشورات المتوسط، (ميلانو- إيطاليا)، 2018م:

ويرصد فيها الكاتب، وهو يساري، التحولات الاجتماعية والثقافية التي أصابت مصر والمصريين في مدينة المنصورة، وتبدل قيم التعايش وعدم التسامح أو قبول الآخر بعيداً عن الدين والمذهب إلى قيم التطرف الفكري الذي وصل ذروته بالإرهاب المسلح، وبدلاً من انتشار أكشاك الموسيقى ونوادي الجاليات الأجنبية الآمنة المطمئنة التي يؤمها شباب المنصورة، ويعيشون من خلالها في صداقات مع شباب هذه الجاليات، فقد انخرطوا من وجهة نظره في التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها الجماعة الإسلامية التي اغتالت السادات(!)، والرواية تؤكد حكماً عاماً بتحول الشباب إلى إرهابيين لأنهم حاولوا التعرف على دينهم، الذي يرفض الصداقات مع غير المسلمين ويمنع الموسيقى، وصار  قريناً للإرهاب!

“القداس الأخير”، ولاء كمال، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2020م:  

تهاجم الرواية المراكز الإسلامية في أوروبا لأنها تقوم بتجنيد الغربيين(!) للتنظيمات الإرهابية سواء “القاعدة” و”داعش” أو غيرهما، وتقدم شخصية “ماري” غير المسلمة التي تتحول إلى إرهابية عقب زواجها من “محمد قابل”، أحد المسؤولين بالمركز الذي يلقي فيه الدروس الدينية على رواده، سواء من أبناء الجاليات العربية المسلمة، أو الغربيين الذين يرغبون في اعتناق الإسلام، صارت “ماري” إرهابية بعد أن تزوجت مسلماً!

“أشباح ميلانو”، رواية محمد زيان، المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2021م:

وترصد حركة التنظيم الدولي للإخوان في أوروبا، وتغلغله في مناطق عدة بالعواصم الأوروبية، وتكوينه شبكات التمويل وجمع وتهريب الأموال من أوروبا إلى مصر لتنفيذ العمليات الإرهابية ضد الدولة ومؤسساتها، وتنفيذ اغتيالات ضد شخصيات سياسية وإعلامية وصحفيين ورجال الجيش والشرطة، وتركز على مدينة ميلانو العاصمة الاقتصادية لإيطاليا، ومجموعات الشركات التابعة للتنظيم والمحلات المصرية والعربية المنتشرة في الدول الأوروبية لمحاربة اقتصاد مصر، وطرق إدخال الأموال إلى أوروبا من عدة دول عبر المطاعم والفنادق والمدارس والجمعيات التي تتبع التنظيم، ومن ثم تحويل هذه الأموال إلى مصر بشكل مختلف تماماً لتمويل عمليات الجماعة الإرهابية ومخططاتها.

وتوضح أشباح ميلانو كيفية تجنيد الشباب الأوروبي للسفر إلى معسكرات الإرهاب في صفوف “داعش”، وتجنيد الفتيات الأوروبيات للسفر إلى سورية من أجل جهاد النكاح(!)، فضلاً عن مناقشة موضوع التدين الظاهري، من خلال شاب تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، سافر إلى ميلانو للعمل هناك، وصار حلقة وصل بين أوروبا وعدة عواصم لخدمة التنظيم، وتهريب الأموال للإرهابيين في الداخل.

“قنص الأفاعي”، رواية هيثم القليوبي، دار الزيات للنشر والتوزيع، القاهرة، 2021م:

وتسجل ما حدث مع صبري علم الدين، الذي انضم إلى جماعة متطرفة فأضر بنفسه وابنته وزوجته وأضاع مستقبله وحياته، وفقد فلذة كبده (خلود)، الطفلة البريئة، فانقلبت حياته إلى جحيم وتأنيب الضمير.

تطرق الكاتب إلى الأفكار الرجعية (ما هي؟!) التي ساقت الإنسان السوي إلى الانحراف والتطرف، وأدت إلى ضياعه وفقدانه استقرار حياته ومستقبله.

“الناب الأزرق”، رواية روضي الشريف، دار زين للنشر والتوزيع، القاهرة 2021م:

الرواية الأولى للكاتبة، وتدور أحداثها حول “عاصم” الضابط الذي يتعرض لعمليات إرهابية مما يوقعه تحت ضغوطات وصراعات تصل به إلى ذروة الأحداث. 

وتحرص روايات إبراهيم عيسى، المعتمدة على التاريخ أو الواقع، على صبغ الإسلام والمسلمين بصبغة دموية منذ مرحلة الصحابة، أو من يسمّيهم بالقتلة الأوائل حتى الجماعات الإسلامية المعاصرة، وقد وقف موضوعاتها لمعالجة قضية العنف المنسوب إلى الإسلام، وسوف يأتي تناولها في وقفة خاصة، مع إحداها “رصاصة في الرأس”، لنرى مدى توفيق الكاتب في معالجة فكرة الإرهاب معالجة فنية جيدة، أو إن ما كتبه مجرد منشور في سياق حملة الدعاية ضد الإرهاب الاسم الكودي للإسلام عند اليساريين، ويستوي مع مقالات الصحف، وبرامج الإذاعة والتلفزيون وهي تهجو خصوم النظام ليل نهار، وتؤسس لفكر مناقض للحرية والشورى والمشاركة؟  

سؤال بلا جواب  

السؤال الذي لم تجب عنه هذه الروايات: ألا يوجد في الإسلام جانب طيب يحض على الرحمة ويتبنى الإنسانية، ويؤسس لمجتمع مسالم متعاون على البر والتقوى؟ لماذا خلت هذه الروايات وغيرها من إشارة- مجرد إشارة- إلى روح الإسلام المتسامحة مع كل البشر، المبادرة إلى المودة والتعارف والتشارك؟ لماذا تتحول المرأة الغربية إلى الإرهاب بعد أن تعتنق الإسلام؟

ثم، أين موقع الإرهابيين الكبار في خرائط هذه الروايات الفنية؟ ألم تسمع عن سحق الروس للشيشان والأفغان وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء دون ذنب إلا أنهم مسلمون يرفضون الحكم الشيوعي؟ ألم تسمع هذه الروايات عن الوحشية الغربية بقيادة الولايات المتحدة وهي تسحق شعب العراق، وتقتل مئات الألوف من أهله الأبرياء، وتزرع بينهم الفتنة والكراهية والبغضاء، وتحول أعظم عاصمة في القرون الغابرة (بغداد) إلى حطام يضج بالنار والألم والجراح؟ ألم تسمع روايات الدعاية هذه ومعظم مؤلفيها إن لم يكن كلهم من الرافضين للإسلام ومنهجه وقيمه عن دور التحالف الغربي الباطني في تدمير عاصمة الخلافة الأخرى (دمشق) وتفريغ أرضها من نصف السكان، بالقتل والتهجير والتطهير المذهبي؟ هؤلاء إرهابيون كبار-أم إرهابيون مبتدئون- أم رسل رحمة وسلام؟

ثم ماذا بعد التهويل في تصوير الوحشية الإسلامية في روايات دعائية تسعى لمخاطبة بعض الجهات وإرضائها من أجل الجوائز أو الشهرة أو المنافع الصغيرة؟ هل كشك الموسيقى ومخاصرة الفتيات في الميادين حل لمشكلة الإرهاب؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى وقفات أطول وأعمق من أجل الإجابة!

Exit mobile version