بشائر‭ ‬الخير‭ ‬من‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لأُمَّته

 

هل تذوقتَ طعم الفرحة حين يبشرك أحدٌ بما يسُرّك، ويعِدك بما يسعدك، ويصور لك حياتك القادمة وأنت تعيشها في فرح وحبور، قد عمَّها البِشر والنور، وزانها الفرح والسرور، وأنت في هذا تتقلب مع أحبابك بين أنواع من النعيم الذي لا ينفد، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟! وكيف يكون حالك إذا كان مَن يبشرك هو خير الناس، وأصدق الناس، وأحبهم إلى الله عز وجل، وقد اشتهر بصدقه وأمانته فلم يُعهد عليه كذبة قط؟ أفلا يكون ذلك سبباً لأن تغمرك السعادة وقد أتاك بهذه البشائر الغالية التي تصدِّقه فيها، وتعمل من أجل أن تنالها؟

إن هذا البشير الصادق الأمين هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، السراج المنير، الذي أضاء الله تعالى به ظلمات الجهل والجاهلية وأزهق به الباطل والوثنية، فهو الهادي بإذن ربه إلى صراط الله المستقيم. 

لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبشر قبل أن ينذر، وأن يُرغِّب قبل أن يُحذر، قال الله تعالى له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً {45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً {46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً) (الأحزاب)، فبدأ دعوته مبشراً الناس بالفلاح ليؤمنوا قائلاً لهم: «يا أيُّها النَّاسُ، قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، تُفلِحوا» (رواه أحمد)، وجعل من البشارات حافزاً على الإيمان والالتزام وحسن العمل، فقال: «الإسلامُ يَجُبُّ ما قبلَه والتوبةُ تَجُبُّ ما قبلَها» (رواه البخاري).

وبشر صلى الله عليه وسلم بدخول المؤمنين العاملين الجنة، فقال: «مَن آمَنَ باللَّهِ ورَسولِهِ، وأَقامَ الصَّلاةَ، وصامَ رَمَضانَ، كانَ حَقًّا علَى اللَّهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ» (رواه البخاري)، وبشرهم بفتح أبوابها لهم فقال: «ما من عبدٍ يُصلِّي الصَّلواتِ الخمسِ، ويصومُ رمضانَ، ويُؤدِّي الزَّكاةَ، ويجتنِبُ الكبائرَ السَّبعَ إلَّا فُتِحت له أبوابُ الجنَّةِ» (حسَّنه ابن حجر).

البشير.. وبشائر الخير

كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك مجالاً تصلح فيه البشارة إلا وبشر فيه، وأهدى بشارته الطيبة، لتنشط النفوس لكل خير، وتعلم أن الإحسان ليس له جزاء إلا الإحسان.

فبشر خديجة رضي الله عنها: «بشَّرَها ببيتٍ في الجنَّةِ من قصَبٍ لا صخبَ فيهِ ولا نصبَ» (رواه الترمذي)، وهي بشرى لكل امرأة صالحة اتخذت من خديجة المَثل والقدوة وسارت على طريقها.

وبشر بعض أصحابه رضي الله عنهم بالجنة، كما روَى عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاء أبو بكرٍ، فاستأذَنَ، فقال: «ائْذَنْ له، وبشِّرْه بالجنَّةِ»، ثُمَّ جاء عُمَرُ، فاستأذَنَ، فقال: «ائْذَنْ له، وبشِّرْه بالجنَّةِ»، ثُمَّ جاء عثمانُ، فاستأذَنَ، فقال: «ائْذَنْ له وبشِّرْه بالجنَّة» (رواه أحمد).

وبشَّر معهم آخرين من أصحابه فقال: «أبو بَكْرٍ في الجنَّةِ، وعمرُ في الجنَّةِ، وعُثمانُ في الجنَّةِ، وعليٌّ في الجنَّةِ، وطَلحةُ في الجنَّةِ، والزُّبَيْرُ في الجنَّةِ، وعبدُالرَّحمنِ بنُ عوفٍ في الجنَّةِ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ في الجنَّةِ، وسَعيدُ بنُ زيدٍ في الجنَّةِ، وأبو عُبَيْدةَ بنُ الجرَّاحِ في الجنَّةِ» (رواه الترمذي).

ولم تقتصر البشارة على أصحابه رضي الله عنهم، بل تعدَّت إلى غيرهم من المؤمنين ممن لم يروه، فقد قال لأصحابه رضي الله عنهم: «إنَّ رَجُلاً يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَنِ يُقَالُ له أُوَيْسٌ، لا يَدَعُ باليَمَنِ غيرَ أُمٍّ له، قدْ كانَ به بَيَاضٌ، فَدَعَا اللَّهَ فأذْهَبَهُ عنْه، إلَّا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فمَن لَقِيَهُ مِنكُم فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «له وَالِدَةٌ هو بهَا بَرٌّ، لو أَقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ»، فحثهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يطلبوا من أويس أن يستغفر لهم، مع أن الصحابة لهم الفضل والسبق والصحبة، وهم أفضل هذه الأمة من الناس، لكنها بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأويس باستجابة دعوته وحب الله عز وجل له، رغم أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينعم بصحبته، وهي أيضاً بشارة لكل مسلم بار إلى يوم القيامة ممن كان حاله كحال أويس.

كما بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم كل من آمن به إلى يوم الدين فقال: «طوبَى لِمَنْ رآني وآمَنَ بِي، ثُمَّ طوبى ثُمَّ طوبى ثُمَّ طوبى لمن آمن بي ولم يرَني» (صحيح الجامع).

وبشَّرهم بشرف الأخوة في الله، واللقاء به على حوضه الشريف: فقال لأصحابه: «وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا»، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ألَسنا إخوانَكَ؟ قالَ: «بل أنتُمْ أصحابي، وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ، وأَنا فرَطُهُم على الحَوض» (رواه النسائي)؛ أي: وأنا سابِقُهُم ومتقدِّمهم على الحوضِ يومَ القيامةِ.

والبشائر كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، نجدها في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وقد تُذكر صراحة بلفظ التبشير كما في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) (البقرة: 25)، أو تُذكر بمعناها كما في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (المؤمنون: 1).

بشائر النبي صلى الله عليه وسلم لأمته

كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه رضي الله عنهم، ويرسل للجميع رسائل التبشير المفرحة ما يؤكد لهم أنهم على الحق، لينشطوا إلى العمل الذي يقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، ويستزيدوا منه، وكان يشجعهم على الاعتزاز بانتمائهم لأمته العظيمة التي ختم بها الأمم، واستجابتهم لرسالته الخالدة التي أتم بها الرسالات، فيسوق لهم من البشائر ما يثبتهم على إيمانهم ويحفزهم على الدعوة إليه وتحمل المشاق في سبيله.

بشرهم بالخيرية والكرامة، فقال: «إِنَّكم تُتِمُّونَ سبعينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ» (صحيح الجامع)، وذلك بما تأخذ به من أسباب الخيرية، كما قال الله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110).

بشرهم بأنهم نصف أهل الجنة: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: قالَ لنا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: «أما تَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ؟»، قالَ: فَكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: «أما تَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ؟»، قالَ: فَكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: «إنِّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ» (رواه مسلم).

بشرهم بدخول بعضهم الجنة بغير حساب: فقال: «وعدَني ربِّي سبحانَهُ أن يُدْخِلَ الجنَّةَ من أمَّتي سبعينَ ألفًا، لا حِسابَ عليهم، ولا عذابَ، معَ كلِّ ألفٍ سبعونَ ألفًا، وثلاثُ حثياتٍ من حَثياتِ ربِّي عزَّ وجلَّ» (رواه ابن ماجه).

وبشر المطيعين له من أمته فقال: «كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى»، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: «مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى» (رواه البخاري).

وبشر العاملين الصابرين من أمته فقال لأصحابه: «فإنَّ مِن ورائكُم أيَّامًا، الصَّبِرُ فيهنَّ مثلُ القابِضِ على الجمرِ، للعامِلِ فيهنَّ مثلُ أجرِ خمسينَ رجلًا يعمَلونَ كعملِكُم» (رواه الترمذي).

بشرهم جميعاً وقال لهم: «بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتيسيرِ، والسناءِ والرِّفعةِ بالدِّينِ، والتَّمكينِ في البلادِ، والنصرِ، فمن عمِل منهم بعملِ الآخرةِ للدُّنيا، فليس لهُ في الآخرةِ من نصيبٍ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).

فهو صلى الله عليه وسلم المحبِ لأمته، الحريص على هدايتها، أمرها بالتزام أمره واتباع سُنته، وسلوك طريقه والسير على منهجه، لتكون أهلاً لكل بشائر الخير، كما دعاها لتبشير الناس بما يسرهم، وإحياء الأمل في قلوبهم، فقال: «أبشِروا وبَشِّروا النَّاسَ؛ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، صادقاً بها دَخَلَ الجنَّةَ» (رواه أحمد)، وقال: «بشروا ولا تنفروا» (رواه أبو داود).

Exit mobile version