علماء‭ ‬ودعاة‭ ‬لـ«المجتمع»:‬ رحيل‭ ‬الإمام‭ ‬القرضاوي‭ ‬خلَّف‭ ‬ثُلْمة‭ ‬لا‭ ‬تُسد

 

رحل عن دنيانا عَلَم من علوم العلم الشرعي والاجتهاد الفقهي الذين أضاؤوا سماء العالم الإسلامي بعلمهم واجتهاداتهم وتجديداتهم في مجالات الفقه المعاصر في شتى فروع العلوم الشرعية، رافعاً لواء الدعوة إلى الله تعالى والتصدي للحكام المستبدين ومناصرة ضعفاء المسلمين في مختلف ربوع الدنيا في كشمير وبورما ووسط أفريقيا والهند وسريلانكا وأوروبا وأمريكا.

رحل رائد فقه الأقليات والحضور الإسلامي في المجتمعات الغربية، رحل ابن قرية صفط تراب بمحافظة الغربية في مصر، وهو مهاجر منفيّ مُبعَد عن وطنه الصغير، فلقي ربه في حضن وطنه الكبير العالم الإسلامي الذي طالما بشَّر به ضد الحدود الضيقة التي نصبها الاستعمار بين بلدان العالم العربي والإسلامي؛ فلقي ربه في سماء الدوحة عاصمة قطر لتكون نقطة حياته الأخروية.

وفي هذه السطور، سنلقي الضوء على بعض مناقب الشيخ العلاَّمة المجدّد د. يوسف القرضاوي وخصاله على ألسنة بعض تلامذته ومحبيه.

البداية من ألمانيا، مقر المجلس الأوروبي للإفتاء الذي أسسه الإمام القرضاوي، يقول الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث د. خالد حنفي، لـ«المجتمع»: إن الإمام العلاَّمة الفقيه المجتهد المجدد الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله وتقبله في الصالحين، من أوائل العلماء المعاصرين الذين أسسوا ونظّروا لفقه الأقليات؛ بما كتب في كتابه «فقه الأقليات»، وبجملة الفتاوى التي بثها ونشرها في كتبه بأجزائه المختلفة «فتاوى معاصرة»، ثم بلور كل هذا في مؤسسته الكبرى التي أسسها وترأسها حتى عام 2018م، وهي المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الإسلامية.

وأضاف حنفي: لا شك أن القرضاوي بهذا الإسهام حقق جملة من المقاصد والفوائد والمنافع الكبرى سواء للمسلمين في الغرب، وللمجتمعات والحكومات الغربية، وللفقه المعاصر وحركة الاجتهاد بشكل عام غير عابئ بما تعرض له من الهجوم والاعتراض والتشنيع والأذى الذي تعرض له بسبب هذه الفتاوى، سواء من علماء مشهود لهم بالعلم، أو من حكومات ومؤسسات ودول، أو من تيارات نَصّية سلفية لم يرُق لها طرح الشيخ القرضاوي، رحمه الله تعالى.

واستطرد: وأهم المقاصد التي حققها ببناء فقه الأقليات الذي تبلور بعد ذلك، وصرنا نصطلح عليه بفقه الحضور الإسلامي في الغرب، واستبعدنا مصطلح فقه الأقليات بمعية شيخنا القرضاوي.

ومن المقاصد التي تحققت للمسلمين في الغرب أيضاً، يضيف حنفي، أنه أسس لهذا الوجود، ومكن المسلم الأوروبي من العيش بدينه والحفاظ على هويته والقيام بدوره ورسالته الحضارية في المجتمعات الأوروبية، وكان يرفع الشيخ شعار «محافظة بلا انغلاق واندماج بلا ذوبان»، ونجح، إلى حد كبير، في تحقيق هذه المعادلة من خلال طرحه وخطابه والأدبيات التي أنتجها المجلس الأوروبي للإفتاء.

الحضور الإسلامي بالغرب

ثم انتقل الشيخ من هذا الشعار إلى شعار «المواطنة الصالحة»؛ أننا أمام مواطن أوروبي مسلم له حقوق وعليه واجبات، ورسخ لهذا المبدأ وهذه الفكرة من خلال كل الفتاوى التي صدرت للمسلمين في أوروبا، وعمل على توطين الإسلام في الغرب، وهذا يتجلى في العديد من الفتاوى كالتأسيس الشرعي للمشاركة في الانتخابات النيابية وفتوى شراء البيوت بالقروض من البنوك التقليدية في الغرب، وهي من الفتاوى التي رسخت وجود الإسلام في الغرب.

ويشير حنفي إلى ما أحدثه وجود فقه الأقليات وجهد الشيخ القرضاوي في هذه الدائرة؛ حيث أحدث حراكاً فقهياً على الساحة الاجتهادية بشكل غير مسبوق، وهيأ البيئة الفقهية لقبول الاجتهادات الجديدة؛ لأنه جمع بين الاجتهادين؛ الانتقائي والإنشائي، فالأمة في بداية الأمر والساحة العلمائية والدائرة الفقهية اعترضت وانتقدت كثيراً حتى فكرة الاجتهاد الانتقائي وفكرة الخروج عن دائرة الأئمة الأربعة والدائرة الفقهية المعروفة، لكن المجلس الأوروبي للإفتاء بقيادة الشيخ القرضاوي بدأ يتجه للاجتهاد الانتقائي المنضبط بأدلته، ووفق قواعده من خارج المذاهب الأربعة كمذاهب الفقهاء أو غيرهم من الأئمة المتبوعين أو فقهاء الصحابة أو التابعين كأئمة السلف مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن الجوزي.. وغيرهم؛ فالشيخ القرضاوي كان يتبنى هذه المدرسة، وهو ما عمل عليه المجلس الأوروبي للإفتاء مثل ميراث غير المسلم من المسلم، وبقاء المرأة المسلمة تحت زوجها الكافر إذا سبقته بالإسلام وغير ذلك من الفتاوى.

ويختم د. حنفي: ثم انتقل بعد ذلك إلى الاجتهاد الإنشائي والإبداعي أيضاً، وإن كان أقل من أخيه إلا أنه أحدث حراكاً فقهياً على الساحة الاجتهادية والعلمائية العامة سواء في الشرق أو الغرب، أيضاً نظّر الشيخ لفقه الحضور الإسلامي في الغرب والانتقال من فقه الترخيص إلى فقه التأسيس؛ لأن الوجود الإسلامي اختلف، وقد حمى هذه المجتمعات وتلك الدول من خطر الغلو والتطرف والتشدد والعنف على نحو مبكر جداً، وهو الأثر الملموس بصورة كبيرة جداً للمجلس الأوروبي للإفتاء ولمؤسسه الشيخ القرضاوي.

إمام الوسطية

ومن العراق، يقول الباحث والكاتب السياسي العراقي حسين صالح سبعاوي: إن مآثر الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله، كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ إذ يعتبر الشيخ القرضاوي إمام الوسطية في هذا الزمان، ومؤسساً لهذا النوع من الفقه؛ فهو وسطي دون ذوبان، وحازم بدون تشدد، كما أن ما يميز الشيخ أنه رجل موسوعي وليس متخصصاً بنوع واحد من العلوم؛ فهو فقيه وأديب وعالم باللغة وشاعر، وداعية ومفسر، وعالم في الأصول وعلم الحديث، وبرزت اجتهاداته في علوم الآلة كما برزت في علوم الشريعة والجهاد.

ويضيف: كما أن من مآثر الشيخ القرضاوي أنه لم ينشغل في خلافات المسلمين الفرعية، ولم ينشغل بالرد على خصومه؛ بل كان يعرف ما يريد ويسير بخطى ثابتة نحو هدفه الذي رسمه في نصرة الإسلام والمسلمين ولا يلتفت إلى المخالفين، ولا سيما دوره الرائد في مواجهة الظلم والظالمين لكي ينال المسلمين حريتهم ويتخلصوا من العبودية، في ظل مفهوم الإسلام الوسطي الذي نشره لكيلا يترك جمهور المسلمين فريسة للغلو التكفير والتطرف.

وأشار الباحث سبعاوي، لـ«المجتمع»، إلى أن وسطية القرضاوي منبعها الكتاب والسُّنة وأقوال السلف، وليس كما يريد الحكام الظلمة والمتلونون، أو كما يريد الناس على هواهم، وكان يحترم المخالف لكنه لا يتنازل لإرضائه؛ بل كان يقف عند الدليل وما تقتضيه مصلحة المسلمين العامة، وكان، يرحمه الله تعالى، لا تأخذه في الله لومة لائم في قول كلمة الحق خاصة في وجه الدكتاتوريات بكل أنواعها وأشكالها، ووقف بجانب الشعوب المظلومة وساندها في مطالبها ولا سيما مواقفه من «الربيع العربي» الذي انحاز فيه إلى الشعوب ولم يركن إلى فيه إلى طغمة الحكام الظلمة.

وبالنسبة لجهود الشيخ في مواجهة الإلحاد، أضاف الباحث العراقي أن القرضاوي كان صخرة وسداً منيعاً في وجه الموجات الإلحادية والطائفية وأفكار الجماعات التكفيرية، وكان عطاؤه العلمي والدعوي لا يتوقف رغم كبر سنه.

وأوضح سبعاوي أن القرضاوي لم يكن عالماً كهنوتياً ولا مقلداً ولا جامداً؛ بل كان إماماً مجتهداً أسس للفكر الوسطي مدرسة كبيرة لها أتباع بالملايين، ففي الحقيقة يعجز الباحث أن يلم بجميع مآثر الشيخ، ويعجز أن يجد الكلمات التي تليق برثائه، فالمصاب جلل، والفقد عظيم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

من ليبيا، يوجه خالد الشريف، وكيل وزارة الدفاع السابق بأول حكومة ليبية بعد ثورة 2011م، العزاء للأمة العربية والإسلامية في العلاَّمة الراحل د. يوسف القرضاوي، رحمه الله، مؤكداً أنه من العلماء الذين أمضوا حياتهم دعاة إلى الله تعالى منذ شبابه، وكان من الذين يحملون هَمَّ الدعوة ونصرة المسلمين بما أوتي من علم، وما زلنا نتذكر كيف كنا نقرأ كتبه عندما كنا شباباً ونستفيد من علمه وتجربته، رحمه الله.

وأضاف، لـ«المجتمع»، أن الشعب الليبي كذلك لا ينسى دوره في مناصرة قضايا الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها، وكلما واجه بلد من بلاد المسلمين محنة كان الشيخ له موقف المسلم الغيور على دينه وإخوانه المسلمين، مناصراً لهم، وداعياً الأمة إلى الدفاع عنهم.

مصاب جلل

ومن مصر، يقول عضو برلمان ثورة 25 يناير 2011م د. محمد عماد صابر: أصبحت الأمة الإسلامية أمام حدث عظيم ومصاب جلل هزّ وجدانها وزلزل كيانها وألهب مشاعرها؛ وهو خبر رحيل العلاَّمة المجدّد الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله تعالى، الذي أحبه الجميع كبيراً كان أم صغيراً، ولا سيما القائمين على العمل الإسلامي في مختلف أنحاء العالم عموماً، وفي الساحتين الإسلامية والعربية خصوصاً.

وأضاف صابر، لـ«المجتمع»، أن الشيخ القرضاوي يعرفه الشعب المصري ويعرفه العرب والمسلمون ويعرفه العالم أجمع، يصدح بالحق مهما كانت التضحيات في قوة وذكاء، لا يخاف من أحد ولا يخوف أحداً، أسلوبه رقيق وفهمه عميق وكلامه دقيق، ويدلك على الخير من أقصر طريق، يبهرك ويمتعك ويقنعك، وتسمع منه الجديد والمفيد، فهو شاعر وأديب ومفتٍ وفقيه، جهده متواصل لا ينقطع ولا ينفصل، زياراته تاريخية إلى كل بلدان العالم، لقاءات وحوارات ترجمت إلى أفكار وبرامج وخطط وأعمال.

وأشار إلى أن قضايا الأمة الإسلامية لم تغِب عن وجدان وضمير العلاَّمة الرّاحل؛ فكان دائماً في حركة مستمرة وعمل دؤوب وزيارات لا نظير لها لمختلف الأقطار يلازمه حب وترحيب في كل مكان.

وعن صفات الإمام القرضاوي، يضيف صابر أنه كان الأديب الملهم، والداعية الرباني، والسياسي المحنك، والشاعر المرتب؛ فتارة نراه يعلم النّاس الحلال والحرام، وما يجوز وما لا يجوز، وتارة أخرى يُفصّل لهم في مقاصد الشريعة وفقه الواقع، وكثيراً ما نراه يوضح السياسات الشرعية، ويركز من أجل الحفاظ على الثوابت ومراعاة الاجتهاد والتجديد، وكل ذلك ينهله نهلاً من معين القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة وبأسلوب سهل ومبسط، وبالطبع، وفي كل الأحوال لم تغب عن فضيلته القضية المركزية والأهم وهي فلسطين المحتلة وبيت المقدس.

وواصل صابر: لقد خسر العالم الإسلامي اليوم قامة كبيرة من قامات العلم والفقه والاجتهاد، وخسرت أيضاً مصر المحروسة ابنها البار، العالم الأزهري والفقيه المستنير، مصر التي أحبها وأخلص لها وعشق ترابها، وما هجرها إلا رغماً عنه من ظلم حكامها، والتي كان يزورها في فترات متقطعة من ستينيات وتسعينيات القرن الماضي، فلطالما أحبّها وأحبّته واشتاق إليها واشتاقت إليه؛ ثم زارها عقب ثورة 25 يناير المجيدة إماماً وخطيباً لصلاة الجمعة بميدان التحرير فيها وخلفه الملايين.

الإمام الثائر

ومن المغرب، يقول العضو المؤسس للهيئة المغربية لنصرة القدس بالرباط محمد الرياحي الإدريسي: إن لكل أمة رموزها وروادها وأوتادها، ومن بين رموز هذه الأمة العلاَّمة القرضاوي، رحمه الله وأجزل له العطاء على ما قدم خدمة للإسلام والمسلمين، لقد كرس حياته في العلم والمعرفة والدعوة، فكان سبباً في التزام الآلاف من الشباب وابتعادهم عن التطرف والعصبية المقيتة.

وأضاف الإدريسي، لـ«المجتمع»، أن الشيخ لم يكتفِ بهذا، بل كان مجاهداً ثائراً على الظلم والطواغيت، رافضاً للاستبداد والمستبدين، داعياً لحرية الشعوب وحقها في العدل والحرية والكرامة الإنسانية، كما كان محباً لفلسطين ومدافعاً عن المسجد الأقصى المبارك، متهماً بالقضية ومسانداً لها في كل المحافل والمناسبات، ويكفيه قولته الشهيرة التي أعلنها بعد الثورة المصرية عام 2011م خلال خطبته بميدان التحرير: «أتمنى أن أصلي في المسجد الأقصى محرَّراً».

كما كان، رحمه الله، قامة علمية استثنائية كبيرة ومنارة خير في الأمة، ألَّف في مجالات عدة، واستطاع بفطنته ويقظته أن يكون مؤلفاً وفقيهاً وأديباً ألمعياً ومفتياً، استطاع تطويع الفتوى لما يقتضيه زمانه، ويكفيه فخراً أنه ترك مكتبة غزيرة ثرية ستبقى صدقة جارية يرثها جيل بعد جيل، رافعاً شعار «لا يضرنا أن نعمل ونخطئ، بل يضرنا أن نتقاعس ونقعد، وقد رفع الله الجناح عن المخطئين، ولم يرفعه عن القاعدين».

وأوضح الإدريسي أن العلاَّمة الراحل كان وسطي المنهج، مبشراً غير منفّر، داعياً إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، مصلحاً لأحوال الأمة منغمساً في همومها، حتى ذاق من محنها وشدائدها التي لم تنل من عزيمته وفكره وهمته، فهو بلا منازع إمام الوسطية في عصر انتشر فيه الانحلال والغلو العلماني والديني، وهنا تقف كتبه وتنظيراته في تحرير المفاهيم الإسلامية الصحيحة في فهم القرآن وضوابط التعامل مع السُّنة وأصول فقه الحلال والحرام ومستجدات الزكاة المعاصرة والحج ونوازله، ومقاصد السياسة الشرعية وفقه الأقليات وغيرها تقف شاهدة على وسطيته واعتداله، رحمه الله تعالى.

ومن لبنان، يقول المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس والشمال إيهاب نافع: إن الشيخ القرضاوي كان شيخاً مجاهداً، قضى شطراً من عمره في سجون الطغاة؛ لأنه كان يحمل فكراً نيّراً، يضيء الطريق لشباب الأمة، فرغم السجن والتعذيب خرج من سجنه يدعو للوسطية والاعتدال، وينبذ التطرف والغلو أينما وجد، أصّل لفقه الاغتراب، وألَّف كتباً بهذا الخصوص حيث لم يسبقه أحد لذلك، وناصر قضية فلسطين والمسجد الأقصى، ولم يخضع لسياط السلاطين الظلمة.

ربح البيع!

ومن السويد، قال أمين عام رابطة علماء الأزهر الشريف بالخارج الداعية أشرف غالي، لـ«المجتمع»: ربح البيع أبا محمد، وبورك لك في صفقة يمينك، مضيفاً: الإمام القرضاوي من أعظم ما منَّ الله به على البشرية في عصرنا هذا؛ فقد تمتع بالعمر الطويل المملوء بالعطاء والإنتاج، والميراث الضخم من الفكر والمؤلفات والدواوين والكتب، والتفاعل مع قضايا الأمة في كل ربوع الكوكب، والثبات على الحق والرباط حتى الممات طيلة هذا العمر.

وأضاف أن خسارة الأمة كبيرة؛ فالإسلام خسر واحداً من أكبر وأذكى وأشهر من دافع عنه في العصر الحديث، وخسر العلم رائده الذي ينفي عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، وخسرت القدس وفلسطين ابنها البار الذي لم ينسَها ولم يتوقف نبض قلبه عن حبها إلا حينما توقف القلب تماماً، وهو ما يدعو تلاميذ ومحبي الشيخ أن ينتفضوا ويحملوا فكره وعلمه وهمه وينفروا ليكملوا مسيرته ويستنيروا بسيرته حتى يرفع ذلك قدرهم كما رفع قدر شيخهم.

ومن اليمن، يقول الكاتب والباحث ياسين التميمي: إن الشيخ يوسف القرضاوي إمام عصره، وفقدانه في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ الأمة خسارة فادحة؛ فقد كان ملء الدنيا في حضوره العلمي واجتهاده الشرعي، من غير غلو أو تطرف، وهو بهذا النهج نجح في أن يكون رائد مدرسة فقهية معاصرة عمقت وعي الأمة بدينها وأدمجتها في عالم يتغير بسرعة البرق، وتتعرض فيه القيم الدينية والأخلاقية لاختبارات صعبة.

وأضاف التميمي، لـ«المجتمع»، أن العلامة القرضاوي لم يتوانَ في جمع الأمة على كلمة واحدة، يشهد له في ذلك الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي شكل مبادرة للنوايا الحسنة هدفها جمع المذاهب على كلمة سواء، قبل أن تتزايد التحديات أمام مسعى نبيل كهذا، كما تكمن عظمة هذا الرجل وسره في هذا الحضور الكبير الذي لم تسعه بلده مصر، حينما انتدبته الأقدار لمقارعة الظلم والفساد والمساهمة المؤثرة في إنجاح دعوة العصر التي أحدثت تغيرات هائلة في وعي الأمة بدينها وتاريخها ودورها.

واختتم التميمي بقوله: يحق للأمة أن تبكي وتحزن لرحيله، يرحمه الله، ويحق لها أن تفخر بالإرث العلمي والفقهي الشرعي وبإبداعاته المتعددة في شتى صنوف المعرفة التي ستبقى خالدة ومعها اسمه وذكراه.

موقفه من وحدة اليمن

بينما يقول الكاتب الصحفي اليمني وديع عطا، تلقى غالبية الشعب اليمني بأسف وحزن بالغ نبأ وفاة الشيخ الجليل د. يوسف القرضاوي، لما يعنيه لهم من رمزية تعكس عظمة العالم العامل والداعية المثالي في فكره وأسلوبه العقلاني الفريد؛ حيث مثَّل الشيخ القرضاوي بالنسبة له شخصياً مشعلاً استنار بأفكاره وآرائه، وكان له التأثير المباشر في أبناء جيله من خلال منتجاته الفكرية سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية.

وأوضح أن مواقف العلامة القرضاوي، رحمه الله، مع اليمن واليمنيين لا تُنسى مهما طال الزمن؛ حيث إنه من موقعه رئيساً لاتحاد علماء المسلمين أبدى حرصه على منع الفتنة، وأعلن، في يناير 2010م، مبادرته للصلح بين السلطة ومليشيا الحوثي، لكن الرئيس المخلوع الراحل علي صالح لم يتفاعل مع تلك المبادرة، وحين قامت ثورة الشباب الشعبية السلمية، في فبراير 2011م، باركها الشيخ القرضاوي وحثَّ على التمسك بسلميتها.

وحين نجحت الثورة في إزاحة صالح قال الشيخ، في تصريح شهير: نريد للشعب اليمني أن يسترد حريته وكرامته بعد أن ظل ثلث قرن من الزمان محكوماً بهذا الحكم الذي أرجع الشعب للوراء، نريد لليمنيين أن ينتقلوا إلى بلد حر ديمقراطي يجدون فيه إرادتهم ويرتقون بأنفسهم، وتساءل القرضاوي: لماذا يبقى اليمن خلف الشعوب وهو شعب مذكور في القرآن في أكثر من سورة؟! ولماذا يفرض عليه هذا التأخر والتقهقر من أجل الحكام الطغاة الظلمة؟!

وعن موقفه الأصيل من الوحدة اليمنية، فإن العلاَّمة القرضاوي أنكر في أكثر من موقف مجرد التفكير في تقسيم اليمن الموحد، وقال: لا يجوز أن يكون هناك تفكير في تقسيم اليمن، ولماذا يُفرض على الدول العربية أن تقسَّم في حين أن الغرب يتحد ويتقوى؟!

ومن كندا، يقول محمد صلاح، المتحدث الإعلامي للمجلس الثوري المصري: إن الإمام القرضاوي أحد النماذج المضيئة من أبناء الأزهر الشريف الذي كان مستقلاً عن الحاكم، وصاحب رأي ورؤية؛ فتجاوزت سمعة علماء الأزهر، مثل القرضاوي، والغزالي، وغيرهما، حدود مصر إلى رحابة العالم الإسلامي؛ حيث واجه القرضاوي الحاكمَ الظالمَ وهاجرَ في سبيل تمسكه بالحق تاركاً وطنه.

وأردف صلاح، لـ«المجتمع»: واصل القرضاوي جهاده حتى لقي الله وهو علاَّمة عصره الذي ترك بصمة في تاريخ وعلوم الأمة الإسلامية وفتاواه التي أسست لوسطية واعتدال الدين الإسلامي، وتمكن من بناء جسور الثقة مع أصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين ومع اتباع المذاهب الإسلامية الأخرى.

كما أنه ثبت مفاهيم الإسلام الشرعية في نطاق السياسات الشرعية، وأكد أن السياسة جزء أصيل من الإسلام، ورفض فكرة فصل الدين عن الدولة، كما أن القرضاوي تصدى للأفكار التكفيرية وحارب المغالاة التي يرفضها الإسلام، ورسخ لفكرة الاعتزاز بالإسلام وحرض الشباب المسلم على الاعتزاز بدينه وبثقافته الإسلامية التي فاقت حضارة الغرب والشرق في مفهومها الإنساني الحضاري الأوسع والأشمل.

Exit mobile version