القرضاوي.. شيخ الصحوة وسلطان علماء العصر الحديث

 

بعد 96 عاماً قضاها الشيخ الإمام د. يوسف القرضاوي في رحاب الله ودعوته، انتقل الشيخ إلى رحمة الله، ليرتاح من تعب الدنيا وشقائها، وينعم في جنات الله الخالدة، مع النبيين والصديقين والشهداء، هكذا نحسبه، والله حسيبه.

وما من أحد من شيوخ الإسلام وعلمائه الكرام نال من المكانة مثلما نالها الشيخ يوسف عليه رحمة الله، فما من أحد ألَّف كتباً بهذا العدد الذي ألَّفه الشيخ، وأظنها شارفت على 300 كتاب، في مختلف فروع العلوم الإسلامية؛ تفسيراً وحديثاً وفقهاً وفكراً وتربية، بل وحتى الأدب الإسلامي، فقد كتب فيه الشيخ، وكان شاعراً أريباً.

وما من أحد انتشرت كتبه بهذا الشكل في الأمة شرقاً وغرباً، مثلما انتشرت كتب الشيخ، عليه رحمة الله.

وأما عن كونه شيخ الصحوة، فقد كان الشيخ القرضاوي فرداً من أفراد الصحوة منذ انطلاقتها على يد الإمام المجدد حسن البنا، وقد التقى الشيخ القرضاوي بالإمام البنا، وبايعه يداً بيد، وهو في سِنيّ عمره الأولى، ومن حينها، والشيخ القرضاوي ابن من أبناء الصحوة ثم جندي من جنودها ثم قائد من قوادها ثم شيخ لها بلا منازع.

وأما عن كونه فقيه العصر، فقد أوقف الشيخ القرضاوي نفسه أولاً وقبل أي شيء آخر، لسد ثغرة كبيرة من ثغور الإسلام، ألا وهي ثغرة العلم الشرعي والفقه المعاصر.

وأصبح، بفضل الله عليه، فقيه العصر، بعد أن أدلى بدلوه في قضايا العصر المستجدة، كما لم يدلُ غيره من الشيوخ والعلماء، وأصبح على رأس المجامع الفقهية التي تهتم بقضايا الفقه المعاصرة، وقضايا فقه الأقليات المسلمة في الشرق والغرب.

كان، رحمه الله، رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولم تكن تجد جديدة في عالم المسلمين إلا ويدلو بدلوه فيها، بعد دراسة وبحث.

وكذلك كان رئيس المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، ولم تكن تجد جديدة في عالم الأقليات الإسلامية في الغرب والشرق إلا ويدلو بدلوه فيها، بعد دراسة وبحث.

وأما كونه إمام الوسطية، فقد رسم الشيخ طريقه منذ بدايته، طريق الوسطية والاعتدال، الذي يبعد عن التشديد على الأمة والناس بُعد المشرق عن المغرب.

وقديماً قال الإمام الثوري: إنما العلم عندنا رخصة من ثقة، وأما التشدد فيحسنه كل أحد.

وحديثاً قال القائل: ما احتاجت الأمة إلى فقه التيسير في حياتها مثلما احتاجته في عصرها الحديث، عصر الشهوات والشبهات.

وقد نال الشيخ القرضاوي من الأذى ما ناله بسبب وسطيته واعتداله، وبحثه عن التيسير على الناس، في زمن ضاع فيه الدين، وكثُر فيه المتشددون والمشددون، لكنه صبر واحتسب، وما حاد عن طريقه الذي رسمه لنفسه منذ البداية، حتى أصبح بحق إمام الوسطية.

وأما عن كونه سلطان العلماء في العصر الحديث، فإن كان العز بن عبدالسلام قد كان سلطان العلماء في حينه لقوته في قولة الحق أمام سلاطين الجور والظلم، فإن كل من يقف أمام سلاطين الجور والظلم هو سلطان للعلماء في عصره.

وقد كان الشيخ القرضاوي سلطاناً للعلماء في العصر الحديث، فقد وقف في وجوه الظلَّام منهم، ينكر عليهم وينصح لهم، بل ويزورهم ويتلطف إليهم، علّهم يتأثرون بالنصيحة واللين، فإن لم يكن، جهر بكلمة الحق في وجوههم، قوية غير مترددة.

ولن ينسى التاريخ له وقوفه مع تطلعات الشعوب المظلومة والمقهورة للحرية والعدالة، في ربيعها العربي الثائر.

يوم أن وقف بكل قوة ووضوح، يشد على يد الثائرين، ويدفعهم بخطبه وبياناته، إلى الصبر والمثابرة، حتى يسقط الظالمون وأنظمتهم.

ولا أنسى قوته ووضوحه يوماً عندما صاح في خطبة له، موجهاً الحديث لأحد الطغاة الذين أعملوا يد القتل في شعبه الثائر عليه، وقال الشيخ حينها في موقف تاريخي: فليقتله من يستطيع، ودمه في رقبتي.

فأي قوة هذه، وأي وضوح هذا في الوقوف ضد الظلم والظالمين، وفي تأييد الشعوب المظلومة المقهورة.

وأما عن المعترضين على د. القرضاوي وعلى طريقته الفقهية في التيسير على الناس، فإنا ندعوهم أولاً إلى الإقرار للرجل بالعلم، ولا يستطيع منصف إلا أن يقر له بذلك، فقد كان عالم الدنيا في العصر الحديث، ثم ندعوهم إلى الإقرار له ثانياً بالجهاد في سبيل دين الله، والصبر على الإيذاء من أجل ذلك، ولا يستطيع منصف إلا أن يقر بذلك كذلك، وتكفي شهادةً له بذلك أنه عاش عمره كله مطروداً من بلده مصر، ثم ها هو يموت ويدفن خارجها، فلم يكن طغاة مصر ليحتملوه حياً أو ميتاً.

وبعد الإقرار له بالعلم والجهاد والإخلاص -فيما نحسبه والله حسيبه- نأخذ منه ونترك، فكلٌّ يؤخذ منه ويُرد، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.

أما أن يُرمى الشيخ وتاريخه كله لفتوى هنا أو هناك، فهذا ما لا يفعله إلا عدو لله ولرسوله ولدينه، أو مسلم حاقد حاسد، أو مسلم غبيّ جاهل.

رحم الله الشيخ الإمام، شيخ الصحوة، وفقيه العصر، وإمام الوسطية، وسلطان العلماء في العصر الحديث.

 

 

 

 

________________

(*) موقع “بصائر”.

Exit mobile version