الجفاف وحرب أوكرانيا يدفعان المغرب لمراجعة مؤشراته الاقتصادية

 

خفض المغرب، في يوليو الماضي، من نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نطاق 1.5% خلال عام 2022م، بعد أن كانت توقعاته السابقة تبلغ 3.2% بموازنة العام الحالي.

ووفق تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية، تسلّمه أعضاء لجنة المالية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) حول التوقعات الختامية لتنفيذ موازنة عام 2022م، فإن خفض توقع نسبة نمو الاقتصاد المحلي يأتي في ظل تباطؤ الطلب الأجنبي الموجّه إلى المغرب ولا سيما من قبل منطقة اليورو.

وتقول الحكومة المغربية: إن الاقتصاد المحلي تأثر من تداعيات الأزمة الأوكرانية وضعف محصول الحبوب.

ويتوقع أن يرتفع عجز الحساب الجاري لميزان الأداء في المغرب، ليناهز 5% من الناتج الداخلي الخام عام 2022م، وذلك بسبب ارتفاع عجز الميزان التجاري.

سياق صعب

رشيد أوراز، خبير اقتصادي وباحث رئيس بالمعهد المغربي لتحليل السياسات (غير حكومي)، اعتبر أن خفض توقعات موازنة عام 2022م، أمر مفهوم، بالنظر إلى السياق الصعب جداً الذي يعرفه العالم.

وأضاف أوراز: السياق الدولي يرتبط بموجة التضخم الكبيرة وارتفاع أسعار الطاقة وعدد من المواد الأولية، وهذا الوضع يؤثر على الإنتاج والاستهلاك.

وبيّن أن هناك أيضاً بالنسبة للمغرب ما يتعلق بالجفاف، ودائماً في السنوات الجافة ينخفض معدل النمو الاقتصادي بشكلٍ كبير.

ولفت أوراز إلى أن الاقتصاد المغربي ما يزال مرتبطاً بنتائج السنة الفلاحية (الزراعية)، وقد ظهر ذلك بشكل جليّ هذه السنة.

وتابع: الفلاحة مهمّة للنمو لأنها أولًا قطاع مشغّل، ولأنها توفر دخلًا موسميًا لعدد كبير من المستهلكين الذين يساهمون في الدورة الإنتاجية التي تدعم النمو.

إجراءات تقشفية

وفي 5 أغسطس الجاري، دعا رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش الوزراء إلى التقشف في إعداد مشروع موازنة عام 2023م.

وقال أخنوش: ينبغي الحرص على التدبير الأمثل للنفقات، من خلال التقليص إلى أقصى حد من نفقات اقتناء السيارات وبناء وتهيئة المقرّات الإدارية.

وزاد: المطلوب ترشيد استعمال المياه، وتقليص نفقات استهلاك الكهرباء وعقلنة النفقات المتعلقة بالاتصالات.

وتابع: يجب التقليص لأقصى حدٍّ من نفقات النقل والتنقل داخل وخارج المملكة، ونفقات الاستقبال والفندقة، وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات، وكذا نفقات الدراسات.

واعتبر أخنوش أن العالم يعيش منذ عام 2020 أزمات متتالية، كما تميز عام 2022 بندرة التساقطات المطرية.

وحدد 4 أولويات لمشروع موازنة عام 2023، وهي تعزيز أسس الدولة الاجتماعية وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر دعم الاستثمار وتكريس العدالة المجالية واستعادة الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات.

منهجية التوقعات

من جانبه، قال عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية): إن نتائج السنة الفلاحية لا تعرف إلا في مارس من كل سنة، بينما قانون المالية يُشرع في تنفيذه بداية من يناير.

وتابع الكتاني: لا بد من تغيير توقيت إخراج مشروع الموازنة.

وأردف أن القطاع الفلاحيّ هو الذي يتحكم في السنة الفلاحية في المغرب، بالنظر لكون 40% من السكان يعيشون في البادية ولهم ارتباط بالأنشطة الفلاحية.

وأشار إلى أنه في سنة جيدة، ينتج المغرب تقريبًا 100 مليون قنطار من الحبوب تنعكس على 40% من الساكنة التي تستهلك، وبالتالي تحرّك عجلة الاقتصاد المحلي.

ويرى الكتاني أن التوقع الحقيقيّ لا يعلمه إلا الله، ومشروع الموازنة يعتمد على فرضيّات فقط.

وأوضح أن بناء التوقعات في المغرب لا علاقة له بالتخطيط، وهذا مشكل حقيقي، متسائلًا: كيف نبني فرضيّات لمشروع الموازنة ونحن ننتظر كمية الأمطار التي ستسقط.

ولفت الكتاني إلى أن 1.5%، نسبة النموّ المتوقعة لسنة 2022م، هي من أقل النسب المسجلة في السنوات الأخيرة.

وخلص إلى القول: معناه أننا أمام سنة بيضاء اقتصاديًا، وستكون لذلك انعكاساتٌ اقتصادية واجتماعية في عام 2022 وأيضًا 2023م.

تضخّم غير مسبوق

وارتفع التضخم في المغرب إلى مستويات غير مسبوقة منذ 28 سنة، وفق وزيرة المالية المغربية، فتاح العلوي.

وفي 27 يوليو الماضي، قالت العلوي في لجنة برلمانية: إن متوسط مستوى التضخم خلال النصف الأول من عام 2022م، بلغ 5.1% (7.8% منها تضخم غذائي، و3.4% تضخم غير غذائي).

والجمعة 19 أغسطس الجاري، قالت المندوبية السامية للتخطيط (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء)، في بيان: إن صعود التضخم يرجع لارتفاع أثمان المواد الغذائية 12%، والمواد غير الغذائية 5%، في يوليو الماضي على أساس سنوي.

وعلى أساسٍ شهري، سجل معدل التضخم ارتفاعًا بمقدار 0.9% خلال الشهر الماضي، مقارنة بيونيو السابق.

ونتج الارتفاع الشهري في معدل التضخم، عن تزايد أسعار المواد الغذائية 1.6% وأسعار المواد غير الغذائية 0.5%.

وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية في المغرب خلال الشهور الستة الماضية، مدفوعة بتذبذب سلاسل الإمدادات، فاقمتها التبعات السلبية الناجمة عن الأزمة الأوكرانية.

وكان البنك المركزي المغربي توقّع، في 21 يونيو الماضي، نمو الاقتصاد المحلي 1% في عام 2022م، بفعل تراجع إنتاج الحبوب هذا العام، على أن يتسارع النمو إلى 4% في عام 2023م.

Exit mobile version