الآثار الاقتصادية في ظل تنامي هيمنة الذكاء الاصطناعي عالمياً

 

تسارُع الذكاء الاصطناعي وتطوراته المتلاحقة التي كان آخرها منصة «ChatGPT» تسبب في عودة الجدل حول مدى توغل التكنولوجيا وتأثيرها على واقعنا الاقتصادي، خاصة بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي يؤدي دوراً رئيساً في الصناعات المختلفة.

يسهم الذكاء الاصطناعي في تحفيز النمو من خلال توفير إمدادات لا حصر لها من إنتاج الأفكار، فضلاً عن كونه يعزز الإنتاجية، لكن البعض يجادل بأنه سيئ للتوظيف لكونه يحل محل العمالة بالآلات، في حين يرى البعض الآخر أن سوق العمل مرنة؛ حيث إن تلك التكنولوجيا رغم أنها تعمل بدلاً من الإنسان بشكل أكثر حرفية وتطوراً، فإنها تخلق نشاطات جديدة للإنسان.

ويأتي الرأي الأخير ليتفق مع ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال»؛ فمن المتوقع أن تتماشى المساهمة في الاقتصاد العالمي الكلي مع الثورات الصناعية السابقة، من خلال تعزيز إنتاجية العمالة، وقد نحتاج إلى التكيف للعمل جنباً إلى جنب مع الآلات بطرق جديدة؛ الأمر الذي يعززه تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020م حول مستقبل الوظائف، الذي أشار إلى أنه رغم توقع أن يتم استبدال 85 مليون وظيفة من خلال التشغيل الآلي والتقدم في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025م، فإنه بالتوازي سيتم إنشاء 97 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2025م لتلبية متطلبات العمل لهذا الارتفاع.

وأدى الزخم على تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الارتفاع الملحوظ في براءات اختراع خاصة به في جميع أنحاء العالم، وهو ما انعكس على معدل النمو السنوي لتلك الاختراعات المتعلقة بهذه التقنية، حيث بلغ نحو 6% بين عامي 2010 و2015م، وهو أعلى من معدل النمو السنوي الملاحظ لبراءات الاختراع الأخرى.

وفي الآونة الأخيرة، تزايد استخدام روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الاقتصاد مثل «ChatGPT»، نظراً لقدرتها على تحسين خدمة العملاء وزيادة المبيعات وتقديم رؤى أفضل لسلوك العملاء، حيث تتمتع تلك الروبوتات بالقدرة على تبسيط العمليات وزيادة الكفاءة وتقليل التكاليف.

ومع ذلك، كما هي الحال مع أي تقنية، هناك مخاطر مرتبطة بالروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي سواء الخاص بالدردشة منها أو غيرها.

وتتمثل الميزة الأساسية لروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في قدرتها على التشغيل الآلي لعمليات خدمة العملاء والمبيعات، فضلاً عن الأنظمة القادرة على فهم استفسارات العملاء والاستجابة بسرعة ودقة.

كما يمكن أن توفر روبوتات المحادثة رؤى مفيدة حول سلوك العملاء؛ ما يسمح للشركات بفهم السوق المستهدفة بشكل أفضل وتصميم إستراتيجيات التسويق الخاصة بهم وفقاً لذلك؛ الأمر الذي يعكس مدى توغل تلك التقنية بشكل عام ومدى سعى الشركات لتطويرها للاستفادة منها في تعظيم مكاسبهم.

التأثير الاقتصادي

في ظل هذا التطور السريع، يتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بما يقارب 15.7 تريليون دولار في نمو الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030م، وهو ما يزيد على الناتج الإجمالي الحالي للصين والهند مجتمعين، وذلك وفق دراسة أعدتها الشركة البريطانية «PWC».

ووفق تلك الدراسة، سيأتي 45% من إجمالي المكاسب الاقتصادية بحلول عام 2030م من تحسينات المنتجات، وتحفيز طلب المستهلكين، كون الذكاء الاصطناعي سيقود تنوعاً أكبر في المنتجات، مع زيادة التخصيص والجاذبية والقدرة على تحمل التكاليف بمرور الوقت.

وذكرت الدراسة أن أكبر المكاسب الاقتصادية من الذكاء الاصطناعي ستكون في الصين (زيادة بنسبة 26% في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030م) وأمريكا الشمالية (زيادة بنسبة 14.5%)، وهو ما يمثل 70% تقريباً من التأثير الاقتصادي العالمي.

كما يبرز قطاع الصناعات التحويلية في مشهد الذكاء الاصطناعي، حيث يتوقع أن تحقق أرباحاً بقيمة 3.78 تريليونات دولار من الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2035م، وفق بحث أعدته شركة «Accenture».

ويشير هذا البحث إلى أن قطاعات الاتصالات والتصنيع والخدمات المالية هي القطاعات الثلاثة التي ستشهد أعلى معدلات نمو للقيمة المضافة الإجمالية (GVA) سنوياً في سيناريو الذكاء الاصطناعي، بنسبة 4.8%، و4.4%، و4.3% على التوالي بحلول عام 2035م.

كما تؤدي تلك التقنيات التكنولوجية دوراً بارزاً في مجال التجارة الدولية، حيث توجد بالفعل تطبيقات محددة تعمل في مجالات مثل تحليلات البيانات فضلاً عن خدمات الترجمة التي تسهم في تقليل الحواجز أمام التجارة.

كذلك يتمتع الذكاء الاصطناعي أيضاً بإمكانية استخدامه لتحسين نتائج مفاوضات التجارة الدولية، فعلى سبيل المثال؛ يمكن استخدامه لتحليل المسارات الاقتصادية لكل شريك مفاوض بشكل أفضل في ظل افتراضات مختلفة، بما في ذلك النتائج التي تعتمد على المفاوضات التجارية.

وكانت البرازيل قد أنشأت بالفعل مبادرة تقنية وتجارية ذكية تتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين المفاوضات التجارية. 

فجوات متوقعة

ورغم تلك الإسهامات الإيجابية للذكاء الاصطناعي، فهناك فجوات عدة تثير مخاوف لدى المتشائمين من تلك التقنيات؛ فهناك تخوفات من حدوث فجوة على مستوى العاملين، حيث متوقع أن يتحول الطلب على الوظائف بعيداً عن المهام المتكررة نحو المهام المدفوعة اجتماعياً ومعرفياً وتتطلب المزيد من المهارات الرقمية.

بجانب ذلك، يتوقع أن تشهد حصة الأنشطة المتكررة والتقليدية أو التي تتطلب مستوى منخفضاً من المهارات الرقمية أكبر انخفاض كحصة من إجمالي العمالة إلى حوالي 30% بحلول عام 2030م بدلاً من حوالي 40%، وفق تقديرات معهد ماكينزي العالمي.

ويشير المعهد إلى أن هذه التحولات سيكون لها تأثير على الأجور، حيث من المتوقع تحول حوالي 13% من إجمالي فاتورة الأجور إلى فئات ذات مهارات رقمية غير تقليدية وعالية، في حين أن العاملين في فئتي المهارات الرقمية المتكررة والمنخفضة يمكن أن يواجهوا ركوداً أو حتى خفضاً في أجورهم من إجمالي فاتورة الأجور عند مستوى 20% بدلاً من 33%.

كذلك من المتوقع أنه بحلول عام 2030م أن تؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى فجوة في الأداء بين الشركات الرائدة التي ستنمو صافي تدفقاتها النقدية بنحو 6%، في المقابل ستتقلص تلك التدفقات لدى الشركات غير العاملة بتلك التقنية بنحو 20%.

أيضاً، من المحتمل أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى توسيع الفجوات بين البلدان؛ مما يعزز الفجوة الرقمية الحالية؛ لذا قد تحتاج البلدان إلى إستراتيجيات واستجابات مختلفة، حيث تختلف معدلات اعتماد الذكاء الاصطناعي من بلد إلى بلد.

فمن المتوقع أن تحصل البلدان الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي على 20% إلى 25% إضافية من الفوائد الاقتصادية الصافية عن الوقت الحالي، بينما قد تحصل البلدان النامية على حوالي 5% إلى 15% فقط.

وسط تلك المعطيات، يمكن القول: إن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تغيير شكل وأداء كل صناعة، وهذه التغييرات تحدث الآن، وستستمر في التسارع في السنوات القادمة، ويُعد العالم الصناعي مجالاً رئيساً لتطوير الذكاء الاصطناعي أكثر من أي وقت مضى، خاصة أنه في احتياج إلى تقنية يمكنها مواكبة الأسواق المتغيرة بسرعة.

Exit mobile version