هل ينقذ مقترح تغيير العملة الاقتصاد السوداني؟

 

جددت خطوة إصدار عملة جديدة من فئة الألف جنيه الدعوات المتزايدة في السودان المطالبة بتغيير العملة الوطنية لامتصاص الكتلة النقدية الهاربة من النظام المصرفي والضريبي والمقدرة بنحو 95% من إجمالي الكتلة النقدية في البلاد والبالغ حجمها نحو 900 تريليون جنيه؛ والمستخدمة في أنشطة ومضاربات مضرة بالاقتصاد الذي يعاني من مشكلات هيكلية عميقة.

وتعتبر الكتلة الهاربة واحدة من الأسباب الرئيسة التي قادت إلى تردي الاقتصاد السوداني، إذ يحتفظ بعض التجار بأموال طائلة خارج المصارف ويستخدمونها في أنشطة ومضاربات لا تخضع للرقابة الحكومية؛ وسط شكوك عن عمليات مشبوهة في قطاعي العقارات وتجارة العملة.

ويرى الكثيرون أن التكلفة العالية التي استخدمت في طباعة فئة الألف جنيه كان بالإمكان توظيفها في تغيير العملة بالكامل؛ متهمين السلطات النقدية بعدم الجدية في تغيير العملة.

وتسببت تلك الوضعية في خلل اقتصادي واضح برزت أهم ملامحه في تدهور قيمة صرف العملة الوطنية حيث يتم تداول الدولار الواحد حالياً عند حدود 570 جنيهاً سودانياً؛ وتراجع معدلات الإنتاج بسبب نقص التمويل الناجم عن هروب السيولة؛ إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم التي تخطت 400% على أساس سنوي.

وعلى الرغم من إقرار الحكومة بالآثار السلبية الكبيرة الناجمة عن ارتفاع حجم السيولة المتداولة خارج القطاع المصرفي؛ وتعهدها اتخاذ خطوات لامتصاص تلك السيولة وإدخالها المظلة الضريبية؛ فإنها فاجأت المراقبين باستصدار فئة الألف جنيه التي اعتبرت في نظر الكثيرين أنها ستفاقم التضخم وجاءت معاكسة للمطالب الداعية لتركيز الجهود على تغيير العملة بالكامل.

ورأى خبراء اقتصاديون أن طباعة فئات جديدة كبيرة وتجاهل مطالب تغيير العملة ستعقد من عملية امتصاص السيولة الهاربة؛ وتصب بالتالي في مصلحة المجموعات المخربة للاقتصاد.

وتقول الحكومة: إن عملية تغيير العملة مكلفة ومعقدة للغاية وتحتاج إلى نحو 600 مليون دولار، لكن إبراهيم البدوي، وزير المالية السابق، يؤكد أهمية تغيير العملة للتمكن من ضبط السيولة المتداولة خارج المظلة المصرفية؛ وحذر من الآثار السلبية الكبيرة التي تنجم عن وجود سيولة ضخمة خارج السيطرة؛ لكنه قال لموقع “سكاي نيوز عربية”: إن البنك المركزي لا يرى خطورة كبيرة في ذلك.

ويرى محمد شيخون، أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية، أن مفتاح حل الأزمة الاقتصادية الحالية يكمن في السيطرة على النقد المتداول خارج القطاع المصرفي ‏الذي يشكل عقبة ‏حقيقية أمام تقدم اقتصاد البلاد.

وأكد شيخون أن أي جهود لإنجاح السياسات النقدية لن تجدي نفعاً إذا لم يسيطر بنك السودان المركزي على السيولة المستخدمة في السوق، ويوضح: تريليونات الجنيهات يتم تدويرها بعيداً عن المظلة المصرفية والنظام الضريبي في مضاربات وأنشطة تضر باقتصاد الدولة؛ كما تسهم تلك النقود غير المسيطر عليها في زيادة معدلات التضخم وتحدث خللاً كبيراً في معادلة العرض والطلب.

وفي ذات السياق؛ يشير الخبير المالي الهادي هباني إلى أن تغيير العملة هو أحد الحلول الناجعة للسيطرة على العملة خارج القطاع المصرفي، وسيضرب أوكار اكتناز النقود ويقضي على تهريب العملة وغسيل الأموال بسبب تجفيف مقدرات تجار السوق السوداء وسيسهم في تغطية عجز الموازنة العامة من موارد النقد المحلي والأجنبي.

 ويقول هباني: إن تكلفة تغيير العملة لا تمثل شيئاً أمام الأضرار الخطيرة جراء تكدس 95% من الكتلة النقدية في الاقتصاديات الخفية الموازية خارج القطاع المصرفي علي الاقتصاد الوطني.

ويوضح: على عكس ما تبرر به السلطات المختصة عدم تغيير العملة من ارتفاع تكاليفه، فإن تغيير العملة يمكن أن يوفر إيرادات تغطي تكلفة تغييرها بحيث يتم تحصيل ضريبة ثروة الأموال من أصحاب الفوائض الكبيرة إصافة إلى 5% من كل مبلغ يتم استبداله كمساهمة من صاحب المال في نفقات طباعة العملة الجديدة.

ويضيف هباني أن تغيير العملة سيحقق تدفقات نقدية كبيرة لدعم عجز الموازنة العامة عبر زيادة الإيرادات الضريبية عن طريق تحصيل كل متأخرات الضرائب المستحقة من أموال التهرب الضريبي، بالإضافة إلى احتجاز الأموال المشكوك في مصادرها واستغلالها لمصلحة الموازنة العامة لحين التحقق من مصادرها؛ بحيث يتم منح أصحابها فوائد عليها لا تقل عن الفوائد على الودائع المصرفية في حالة ثبوت قانونية مصادرها.

وينبه هباني إلى ضرورة أن يقوم البنك المركزي بوضع ضوابط صارمة لسحب وتداول المبالغ الكبيرة بحيث تتضمن سقوف معينة وشروط للتحقق من مجال وأسباب الصرف والغرض منه.

ويرى هباني أن تغيير العملة سيمكن بنك السودان المركزي من توفير قاعدة معلومات دقيقة ومفصلة عن مرافق قطاعات الأعمال ومصادر الثروة الحكومية والأهلية إذا ارتبط بخطة محكمة عبر استمارات بسيطة محكمة التصميم يتم تعبئتها عند تبديل العملات القديمة.

لكن هباني يشير، في الجانب الآخر، إلى الشروط التي يجب توافرها مسبقاً قبل تغيير العملة من بينها السرية وتوفير ضمانات لسلامة أوضاع النظام المصرفي عبر تزامن توقيت تبديل العملة مع إجراءات تدقيق أوضاع النظام المصرفي، وإعادة هيكلته وإغلاق الباب أمام الثغرات التي تؤدي إلى اللجوء لأنشطة غسيل الأموال قبل التبديل؛ وتوفير فرص صرف العملة البديلة دون إبطاء للعاملين ومؤسسات القطاع الخاص التي تتميز بسلامة أعمالها وأوضاع ملفاتها الضريبية، وإعطاء الأولوية للأموال داخل النظام المصرفي؛ وتنظيم استلام العملة بالترتيب والتدريج المناسب، ووضع سقوف للسحب، وتطوير نظام الدفع الإلكتروني، بحسب “سكاي نيوز عربية”.

Exit mobile version