مصلحون رحلوا في أغسطس.. الهيم ورمضان والعقرب

 

 

الهيم.. لم يكن واعظاً وإماماً فحسب بل كان محسناً يتلمس المحتاجين والضعفاء فيقضي حاجتهم

رمضان.. شارك في الدفاع عن فلسطين في حرب 1948م حتى عين حاكماً عسكرياً للقدس أثناء الحرب

العقرب.. فتح المكتبات الإسلامية وأصدر الكتيبات الدعوية لمواجهة الفكر الشيوعي في العراق

 

 

إن أول مقومات بقاء الكون هو بقاء آثار الرسل وعدم انطماسها، وإنما تنطمس آثار الرسل وتنمحي بتعطيل الوسيلة الضامنة لبقائها وهم الأفراد المصلحون، الذين وصفهم رب العزة بقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117)؛ حيث اختصرت هذه الآية الكريمة مهمة المصلحين في الأرض؛ فوجودهم مؤشر على النجاة والفوز في الدنيا والآخرة؛ فالمصلح قد ينقذ أمة، وبوفاته تفقد الأمة أحد أسباب إنقاذها.

وجدير بنا أن نستذكر سير هؤلاء المصلحين لتبقى آثارهم في القلوب، وقد رحل في أغسطس عدد من المصلحين، نستذكر منهم:

حمد المبارك الهيم.. الداعية المحسن

في عام 1923م، ولد بالكويت الشيخ حمد بن مبارك الهيم في بيت ذي صلة بالعلم وبيئة قريبة من أهل العلم ومنازله؛ فبيتهم كان قريباً من مسجد الدماج الشهير بمسجد هلال بفريج العوازم.

كان والده يعمل في البحر، وتوفي وعمر حمد لم يتجاوز 5 سنوات؛ فتكفل به عمه مطلق الهيم، الذي أولاه رعاية طيبة؛ فدرس على يديه في مدرسة الملا بلال، ثم انتقل عند الشيخ محمد مطر الذي كانت دروسه في مسجد هلال، وقد ختم القرآن عنده، وأتقن القراءات، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ أحمد العدساني ليكمل تعليمه بها، كما كان يتردد على دروس الشيخ أحمد عطية الأثري امتداداً لصداقة عمه الشيخ مطلق.

التحق حمد الهيم بالمعهد الديني يوم افتتاحه وحصل على الشهادة النهائية، ثم ارتحل إلى الأزهر الشريف بمصر عام 1948م، إلا أنه لم يستمر كثيراً للظروف السياسية وحرب فلسطين، فعاد وأكمل دراسته في المعهد الديني بالكويت.

بعد تخرجه عمل في مسجد الفيني بمنطقة الحصحص إماماً وخطيباً، ثم انتقل إلى مسجد حصة اللهيب في منطقة النقرة قبل أن ينتقل إلى مسجد البدع، وكان ذلك عام 1959م، وظل في هذا المسجد إماماً وخطيباً حتى عام 1967م، بعدها انتقل إلى مسجد حمود عيد الرومي في منطقة السالمية، وظل إماماً وخطيباً وواعظاً حتى تقاعده عام 1983م.

حينما افتتح معهد الأئمة والخطباء تحت إشراف وزارة الأوقاف الكويتية كان الشيخ حمد من أوائل من التحق به ليكمل دراسته.

لم يكن الشيخ واعظاً وإماماً فحسب بل كان محسناً يتلمس المحتاجين والضعفاء فيقضي حاجتهم، فكان لا يرد من أراد أن يكتب له عقد شراء أو رسالة أو عقد زواج أو بيع، وظل على ذلك ما يقرب من 35 عاماً، وكان خطيباً قوياً مؤثراً.

كما كان الشيخ بمثابة حمامة مسجد لا يغادره ويجد راحته بين فنائه، وهذا لم يمنعه من مشاركته الاجتماعية والاستفادة من خبراته في أوجه الحياة؛ لذلك اختير عضواً في مجلس حي منطقة السالمية ثم نائباً للرئيس فيه، وكذلك اختير عضواً في لجنة زكاة منطقة سلوى، وشارك ضمن وفد قبيلة العوازم حول الديمقراطية في الكويت، وظل عاملاً لدينه حتى وفاته في 27 أغسطس 2001م.

سعيد رمضان.. المجاهد القائد

ولد سعيد رمضان في مدينة طنطا بمحافظة الغربية بمصر، في 12 أبريل 1925م، في أسرة متدينة، ثم تخرج في الثانوية العامة بطنطا والتحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) التي تخرج فيها عام 1946م.

رمضان من الشخصيات التي تأثرت بدعوة الإخوان المسلمين، وأثرت فيها، وتركت بصمات عظيمة منذ التحق بها وهو في المرحلة الجامعية حتى توفاه الله تعالى، فقد كان مفوهاً عظيم الحجة رغم صغر سنه حتى كثر الطلبة عليه، وأصبح يلقي الخطب والمحاضرات فيهم، وفي هذا الوقت التحق بجماعة الإخوان المسلمين وتعرف إلى حسن البنا الذي رأى فيه مشروع داعية فتعهده واختاره سكرتيره الشخصي ثم زوَّجه كبرى بناته، وحينما أصدر البنا مجلة «الشهاب» عام 1947م عهد إلى رمضان بإدارة تحريرها.

أرسله البنا في مهمة إلى فلسطين بهدف إنشاء فرع للإخوان فيها، بل إنه شارك في الدفاع عنها في حرب 1948م حتى عين حاكماً عسكرياً للقدس أثناء الحرب بتكليف من الملك عبدالله، ملك الأردن، قبل الهدنة، وسفره للعراق هرباً من موجة الاعتقالات التي جرت في صفوف المجاهدين بمصر، ثم باكستان، ليعود لمصر عام 1950م ويصدر صحيفة «المسلمون» بالعربية والإنجليزية.

اعتمد عليه المرشد الثاني مما عرضه لاضطهاد عبدالناصر حتى اعتقله في يناير 1954م، وبعد خروجه سافر للشام مع الهضيبي ولم يعد معه لمصر، واختير أميناً عاماً للمؤتمر الإسلامي حول القدس، ثم سافر لسويسرا وأسس المركز الإسلامي بجنيف عام 1961م، واستمر في إصدار مجلة «المسلمون»، ثم سرعان ما أسس عدداً من المراكز الإسلامية في العواصم الأوروبية، كما حصل على دكتوراه في القانون من جامعة كولونيا بألمانيا حول الشريعة، وظل في المهجر بسبب نزع الجنسية عنه، وفي 5 أغسطس 1995م رحل سعيد رمضان، ويعود جسده ليدفن في مصر.

خليل العقرب.. المحارب للشيوعيين بالعراق

في مدينة البصرة بالعراق، ولد خليل عبدالحميد العقرب، والتحق بمراحل التعليم حتى تخرج في دار المعلمين العالية ببغداد (كلية التربية حالياً)، وأنهى دراسته فيها عام 1954م، وعاد للبصرة للعمل في مجال التدريس والخطابة والدعوة.

يعد العقرب من الرعيل المؤسس لدعوة الإخوان المسلمين بالعراق، حيث تعرف عليها من خلال زيارات وعمل الإخوان المصريين بالعراق ووصول مجلة الإخوان، وذلك في الصف الأول المتوسط على يد الأخوين يعقوب الباحسين، وتوفيق الصانع.

نشط في فتح المكتبات الإسلامية وإصدار الكتيبات الدعوية؛ وذلك لمواجهة الفكر الشيوعي الذي أخذ بالتمدد والانتشار في ربوع العراق، كما تعاون مع إخوانه في إقامة المهرجانات الإسلامية والأندية الرياضية والرحلات الكشفية بإشراف أساتذتهم المصريين وتوجيهات محمد محمود الصواف.

ظل عاملاً وثابتاً في نشر الدعوة ومواجهة الغزو الفكري الخارجي حتى رحل يوم الأربعاء 3 المحرم 1443هـ/ 11 أغسطس 2021م.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1- سعود الديحاني: حديث الذكريات، صحيفة الراي، العدد 11134، الجمعة 25 ديسمبر 2009م، صـ12.

2- عبدالله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، طـ8، دار البشير للنشر والتوزيع، طنطا، مصر، 2008م، صـ288.

3- محسن عبدالحميد: الإخوان المسلمون في العراق (1945م – 2003م)، دار المأمون للنشر والتوزيع، 2011م.

Exit mobile version