حقوق العترة

 

أخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-، “أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم، أخذ بيد حسنٍ وحسينٍ، وقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة”، من جملة الآداب التي يتأدب به المسلم مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم: حفظ حقوقهم المرعية، وينبغي للمسلم أن يدرك؛ أنّ آل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم اليوم، هم من صح اتصال نسبهم للنبي صلى الله عليه وسلّم صريحًا طاهرًا، لا شك فيه ولا مرية، فما أكثر الدعاوى، وما أكثر الأدعياء!! ومن عجيب الأمر، أنّ الشرف الذي اكتسبه آل بيت النبوة، هو من جهة السيدة فاطمة- رضي الله عنها-، فإنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم لم يعقّب ذكرًا، يكون له منه نسلٌ صلى الله عليه وسلّم، بل ما كان من نسبيةٍ، فمن جهة السيدة فاطمة؛ من صلب علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. فمن شرفهم؛ أنّ النسبة اتصلت بالنّبي صلى الله عليه وسلّم مباشرةً، وهذا لا يكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلّم ؛ لأنّه من جهة ابنته، فما أجمل لو رعى آل بيت النّبي صلى الله عليه وسلّم، اليوم حق هذا الشرف العظيم، وحق هذه النسبة الكريمة، والطود المنيف!!

الانتساب لبيت النبوة شرفٌ وأي شرف، ولكن يكمّله ويجمّله الانتساب لشرف الملازمة والاستنان بسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلّم، حتى يصح التمييز والفخر، وإلا فكلُّ مسلمٍ لبى النداء واستجاب لأمر الله ورسوله، فهو من آل بيت النبوة الشريفة.

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: “آل محمّدٍ كل تقيٍ” أخرجه الإمام الطيالسي في سننه، وفي سنده مقال.

قال ابن كثير: “ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، فإنّهم من ذريةٍ طاهرةٍ، من أشرف بيتٍ وجد على وجه الأرض؛ فخرًا وحسبًا ونسبًا،  ولاسيما إذا كانوا متبعين للسنّة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعليٍ وأهل بيته وذريته – رضي الله عنهم-” .

فمن جملة حقوقهم: حبّهم وتقديمهم وإيثارهم بالعطية والهدية، وتقديمهم في العطايا والهبات، كما سنّ ذلك الخليفة الملهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- لمّا وضع ديوانًا بأسماء المستحقين في بيت المال، بدأ بأهل رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ تعظيمًا لحقهم وتشريفًا لهم، والصلاة عليهم في الصلاة وغيرها، ومعرفة قدرهم وقدر علمائهم وأهل الفضل منهم خاصة، وتقديم أقوالهم في المسائل الخلافية، وتفضيل رأيهم واجتهادهم، والاستنان بسنّتهم. فأرفع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم درجةً، هم من اتصل نسبه به عن طريق علي بن أبي طالب من ولد فاطمة لا غير، ويليهم أولاد عليٍ من غير السيد فاطمة، ويليهم كل هاشميٍ من ولد عبدالمطلب؛ كأولاد عقيل وجعفر وقثم والفضل وغيرهم، وكأولاد عمّه العباس – رضي الله عنه- كالعباسيين الخلفاء.

أخرج الطبراني في الأوسط وفي سنده عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف، عن ابن عمر- رضي الله عنه- قال: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “اخلفوني في أهل بيتي”.

ومنهج أهل العدل والحقّ والإنصاف، يقتضي: أنّنا لا نرفع أحدًا إلا برفعة الله ورسوله، ولا نعطي أحدًا إلا ما يستوجبه من الحب والطاعة والقربة والصلة، والمنحة والعطية، وكذلك آل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم، فإنّنا لا نغالي ولا نجافي، بل التوسط والعدل، فما زاد عمّا وضعه الله تعالى فهو الغلو المذموم، ومن أنقص عمّا قدره الله تعالى في حقهم، فهو الجفاء الممقوت، ونحن مأمورون بإيصال الحقوق إلى ذويها عدلاً وحقًا،  فلا ينبغي لمنصفٍ، أن يغاليَ في آل بيته؛ أو يجافيَ عنهم، فإنّما هم بشرٌ ، لهم ما للبشر، وعليهم ما على البشر، يُخطئون ويُصيبون ، يُحسنون ويُسيئون، يُثَابون ويُعاقبون، يسدّدون ويتشددون، يُقاربون ويُبعدون، لا مزية لهم على سائر النّاس، إلا بالنسب الشريف، وهنيئًا لهم به، وطابوا وسعدوا، ولكن كل ذلك بحقه!! فعليهم ما ليس على أحدٍ من النّاس، بحكم شرف القربة والصلة من النّبي صلى الله عليه وسلّم؛ فإنّهم محك النظر، ومركز الدائرة، وهم العترة الشريفة، وعليهم دارت رحى العلوم، وهم أولى بها؛ لأنّهم معدن بيت النبوة، وصفاء بيت الحكمة، ونقاء أهل الأرض، وأحبار أهل العلم، فمنهم الحكيم اللبيب الولي الصهر المبارك، أبو السبطين، علي بن أبي طالب، ومنهم الطيار جعفر، ومنهم الشهيد حمزة، ومنهم باقر العلوم محمّد، ومنهم الصادق جعفر، ومنهم الكاظم موسى، ومنهم الرضا علي، ومنهم الجواد محمّد، ومنهم المهدي محمّد بن عبدالله في آخر الزمان، وهو من خير علماء الأرض، يقول أمير المؤمنين علي: “يهلك فينا رجلان، محبٌ غالٍ يقرظنا بما ليس فينا، ومبغضٌ، يرمينا بما نزهنا الله عنه وبما ليس فينا “.

ويقول حفيده زين العابدين: “إنّي لأرجو أن يُعطيَ الله للمحسن منّا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسيء منّا وزرين”. فآل بيت النّبي صلى الله عليه وسلّم يستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه غيرهم، وقد وردت النّصوص المستفيضة بذلك، فقد أخرج الترمذي عن عبدالله بن عباس، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قال: “أحبوا الله لما يغذوكم من النعم، وأحبوني لحبّ الله، وأحبوا أهل بيتي لحبِّي”، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: “خيركم، خيركم لأهلي من بعدي”.

هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله والبرِّ بهم وتوقيرهم ومحبتهم؛ وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحدٍ في التخلف عنها.

عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- قال: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي”. وعن عمران بن حصين- رضي الله عنه-، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “سألتُ ربي تعالى أن لا يدخل أحدًا من أهل بيتي النّار، فأعطانيها”، وأخرج ابن عدي والديلمي بسندٍ ضعيف عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “أثبتكم على الصراط، أشدّكم حبًا لأهل بيتي ولأصحابي”.

ومن الحقوق الواجبة لهم، رعايتهم بالفيء في الأموال العامّة، فإنّ لآل البيت منها نصيب خُمُس الخُمس، وهي من الأموال العامّة من دخل الدولة الإسلامية، لقوله عليه السلام: “إنّ لكم في خُمُسِ الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم”. ولشرفهم، لا يجوز صرف الزكاة لهم، أو الصدقة عليهم، فإنّها أوساخ النّاس، وهم أشرف مقامًا وأجلّ مرتبةً، إلا عند تعطّل انتظام دوران الفيء عليهم. ولهذا ينبغي لولاة الأمر في عالمنا الإسلامي، الاهتمام بكفاية أهل البيت، الذين حرمت عليهم الصدقة، أكثر من اهتمامهم بكفاية الآخرين من الصدقة، لاسيما إذا تعذر أخذهم من الخمس والفيء، إمّا لقلةٍ، وإمّا لظلم من يستولي على حقوقهم، فيمنعهم إياها من ولاة الظلم، فيعطون من الصدقة المفروضة ما يكفيهم إذا لم تحصل كفايتهم من الخمس والفيء.

 

 

 

 

 

 

 ______________________________________________

(*) رئيس جامعة وقف الافتراضية.

Exit mobile version