وكانت ليلة “كوتشينة” فوق العادة

 

حول إحدى أهم روايات الشاعر الروائي المفكر الكبير نشأت المصري “كوتشينة” دارت فعاليات ندوة رابطة الأدب الإسلامي العالمية الأخيرة، والتي كانت بمثابة مباراة منهجية وميدانية، لتطبيق أحدث نظريات النقد الأدبي العالمي، فيما بعد الحداثة، تطبيقاً على هذه الرواية المفعمة بالرمزية والتجديد التجريبي العبقري، الذي اتخذ موضوعه من هذه (الكوتشينة) الدائرة في عالم اليوم بكل غموض وتوحش وإيغال، والتي يتم من خلالها إعادة تفنيط العالم، على حد قول الأديب الروائي الكبير محمد هلال، في تعليقه على كوتشينة المصري.

تناول العلامة د صابر عبد الدايم يونس رئيس الرابطة في بحثه المعمق قراءة شائقة لعتبات الفصول، وحداثية العناوين، والتجريب الشديد الشجاعة والمغامرة في توزيع الفصول، وفنيات المعالجة الحوارية والسردية، ورمزيات الشخوص، وإلغاز الناس والأحداث والذي أبدع المصري في رسمه من خلال نمو الصراع والخلل الاجتماعي لحياة الأسرتين اللتين تتنامى بهما الاحداث، ويشتبك (الزمكان) بالهدم وإعادة البناء، جراء الانحراف القيمي الذي أفسد وهدم الأسرتين، ثم تداخل العلاقات في محاولات مضنية لإعادة البناء، إلى الدخول في عالم كورونا الحافل بالأسرار والأخطار، علي مستوي الأفراد والأسر والمجتمعات.

فيما تناولت د. ثناء قاسم مقابلة إبداعية حضارية ماتعة بين المصري والعلامة د. حسين مؤنس، والرقي القيمي في رسم الشخوص والعلاقات بكل التسامي، دون الاخلال بفنيات العمل الأدبي الرفيع.

فيما أشرت أنا إلى مهارة المصري الفائقة في إدارة الحوار الذكي القصير واقتداره في نمنمة السرد المعلوماتي الحديث، وحشد الشخصيات بكل تبايناتها، دون أدني إخلال بالمعالجة الفنية المحكمة للرواية ككل، شأنها شأن أعمال المصري التي تجاوزت المائة وعشرين عملاً أدبياً وفكرياً وشعرياً ودرامياً.

وفي بحثين كاملين أشار الروائي الصحفي الكبير محمد هلال إلى مهارة نشأت المصري في تناول الشخصيات داخلياً وخارجياً، ومدى مهارة الكاتب في انطلاقه الجسور نحو التجديد والتجريب في كل عمل يقدمه عن وعي وفهم وجدارة واستشراف.

 كما أظهرت بحوث د. مصطفى عطية، الأستاذ بجامعة الكويت، مدى الحداثة النظيفة المنتمية لنشأت المصري،

 بينما تجلى أ.د. علي مطاوع في إشارته إلى بحثه الموسع عن “إبداع نشأت المصري.. كوتشينه نموذجاً” في مدى قدرات الناقد الإسلامي المعاصر في التلقي والقراءة والتحليل وفلسفة التناول وآفاق الوعي النافذ لما بعد إنتاجيه النصوص وتشكيل النماذج، وكان د علي مطاوع قد آثر الضيوف الحضور بالكلمة، في لمحه إنسانية راقية.

وتبارى الضيوف الأعلام في تناول تنويعاتهم النقدية لمستويات ومداخل القراءة للرواية، واستكناه رمزياتها في النماذج والسياق واللغة والبنية الفنية والحبكة الروائية والسرد والحوار، كما أظهر ذلك د. وائل السيد علي، الأستاذ بتربية عين شمس، الذي أشار إلى أن المبدع الكبير نشأت المصري، قد قال لنا كل ما يريد قوله من خلال بطلة الرواية “سماح” التي بدا اسمها كأنه من أسماء الأضداد.

 وعلى نفس المستوي من النفاذ النقدي، كانت مداخلات الحضور من الكتَّاب الكبار المشاركين.

وفي ختام الندوة، ألمحت شاعرة الوادي نوال مهنا، نائب رئيس الرابطة إلى معاتبة الضيف الكبير نشأت المصري على سلبية تصوير معظم شخوص الرواية،

حيث كان رد المصري إبداعياً أن هذا هو الواقع المضطرب الأليم، الذي تسبح فيه الشخوص، وتموج به أحداث الرواية (اللعبة)، بكل ما تحمله من مخاتلة، وتبديل للأوراق والأدوار والتفنيط والتفريق، وكأننا نتبارى في توزيع اللقاحات والكمامات و نتكمش في أماكننا ونحن قهرى كورونا، نعاني من عمليات دهس قيم، ودهم أخلاق غير مسبوق، جراء الألغاز الكونية التي أعادت تفنيط العالم بكل قسوة وتجريف.

وكانت مفاجأة مدهشه في ختام الندوة حين كشف د صابر عبد الدايم يونس عن أن هذه الرواية هي جزء لا ينفك عن أدب السيرة الذاتية للمبدع الكبير نشأت المصري وأن د. صابر يعرف أحد شخوصها، الذي يمثل صديقاً مشتركاً للطرفين وهو الداعية الوسطي المعتدل دكتور إبراهيم أبو محمد المفتي العام للقارة الأسترالية، وكانت ليلة فوق العادة.

Exit mobile version